الوقت- قالت السعودية أنها قدمت وديعة بقيمة 3 مليارات دولار للبنك المركزي المصري، بالإضافة إلى تمديد الودائع السابقة بمبلغ 2.3 مليار دولار. وفي هذا السياق قالت وزارة المالية، في بيان لها: إن “المملكة تستخدم الأدوات المتاحة لتقديم الدعم للتعامل مع آثار جائحة كورونا، وضمن ذلك دعم السيولة من النقد الأجنبي”.
وأوضحت أن السعودية تعدّ من الدول الرئيسة التي دعمت الاحتياطيات الأجنبية لبعض الدول خلال الجائحة.
وقالت: “بجانب الوديعة المقدمة لمصر، تم تقديم وديعة بقيمة 3 مليارات دولار للبنك المركزي الباكستاني، مع تقديم 1.2 مليار دولار لتمويل التجارة لدعم ميزان المدفوعات لباكستان”.
وأفادت الوزارة بأن هذه التسهيلات الخارجية البالغ مجموعها 9.5 مليار دولار، تعادل نحو 70% من حقوق السحب الخاصة التي تم تخصيصها مؤخراً للمملكة من صندوق النقد الدولي.
كما كان العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، قد تطرق خلال كلمة ألقاها عبر الاتصال المرئي في قمة دول مجموعة العشرين، إلى أهمية دعم البلدان الضعيفة اقتصادياً لمواجهة تحديات كورونا.
وقال: إنه “على الرغم من رحلة التعافي التي بدأت في بعض الاقتصادات، فإن الدول ذات الدخل المنخفض تواجه صعوبة في الحصول على اللقاحات وتوزيعها، من هنا تبرز أهمية دور مجموعة العشرين في تعزيز التعاون والمساعدة على حصولها على اللقاحات”.
سنوات من التوقف
تأتي هذه الوديعة بعد سنوات من التوقف عن مدّ مصر بالودائع لدعم الاحتياطي النقدي بالعملة الأجنبية، وتوجهها نحو الاقتراض الخارجي من جهات دولية مختلفة.
وتعدّ الوديعة السعودية السادسة لمصر والأولى منذ منتصف عام 2017، عندما أودعت وديعة بقيمة مليار دولار، ومنذ ذلك الحين لجأت القاهرة إلى القروض الخارجية، ومدّدت آجال الودائع التي حصلت عليها من دول خليجية.
ويشير البيان السعودي -على ما يبدو- إلى عدم حدوث تغيير يذكر في إجمالي الودائع السعودية منذ ذلك الحين، وفق ما أوردت رويترز.
وتثير عودة الودائع السعودية إلى مصر بعد توقفها منذ أكثر من 4 سنوات تساؤلات عن أسباب عودتها على نحو مفاجئ، على الرغم من استمرار المؤسسات والبنوك الدولية في إقراض مصر، وعدم تعثرها في السداد.
آخرها كانت موافقة البنك الدولي، الخميس الماضي، على منح مصر قرضا بقيمة 360 مليون دولار لدعم الاقتصاد المصري خلال التعافي من جائحة كورونا.
وألقت موجات التضخم العالمية وارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية بظلالها على الاقتصاد المصري، وعززت من حاجة البلاد إلى العملة الأجنبية لتأمين احتياطياتها من السلع التموينية، حيث تعدّ مصر أكبر مستورد في العالم للقمح.
وحسب بيانات مؤشر منظمة الأغذية والزراعة (فاو) لأسعار الغذاء الصادرة في أكتوبر/تشرين الأول الجاري، ارتفعت أسعار الغذاء عالميا بمتوسط 32.8% على أساس سنوي، وهو أعلى مستوى زيادة منذ عقد من الزمن.
الودائع السعودية السابقة في مصر
بلغت ودائع السعودية لدى البنك المركزي المصري نحو 7.5 مليارات دولار حتى منتصف عام 2020، موزعة على 5 ودائع بآجال مختلفة وأسعار فائدة متنوعة، قبل أن تسترد وديعة بملياري دولار ليصبح إجمالي الودائع باستثناء الوديعة الأخيرة 5.5 مليارات دولار، حسب بيانات تقرير الوضع الخارجي للاقتصاد المصري.
بلغت قيمة الوديعة السعودية الأولى مليار دولار في مايو/أيار 2012 (تم سداد نصفها). وبلغت قيمة الوديعة السعودية الثانية ملياري دولار في يوليو/تموز 2013. أما قيمة الوديعة السعودية الثالثة كانت ملياري دولار في أبريل/نيسان 2015. كما بلغت قيمة الوديعة السعودية الرابعة ملياري دولار في سبتمبر/أيلول 2016. وبلغت قيمة الوديعة السعودية الخامسة مليار دولار في مايو/أيار 2017. وكانت الوديعة الأخيرة والسادسة هي 3 مليارات دولار تم الإعلان عنها في أكتوبر/تشرين الأول 2021.
تمديد الودائع السابقة
لجأت الحكومة المصرية إلى تمديد الودائع (زيادة آجال الاستحقاق) التي لديها من السعودية والإمارات والكويت، البالغة نحو 18 مليار دولار، أو إعادة هيكلتها، وذلك أنقذها من فخ التخلف عن السداد، ودعم الاحتياطي الأجنبي.
وتبلغ حصة السعودية من إجمالي الودائع الخليجية قبل الوديعة الأخيرة 5.5 مليارات دولار، والإمارات 5.67 مليارات دولار، والكويت 4 مليارات دولار، حسب بيانات تقرير الوضع الخارجي للاقتصاد المصري.
وطالما أكد محافظ البنك المركزي المصري طارق عامر -في تصريحات سابقة- أن الودائع الخليجية (السعودية، الإمارات، الكويت) تضطلع بدور مهم في دعم الاحتياطي النقدي المصري، مشيرا إلى أنها تجدّد باستمرار.
عودة الودائع مؤشر سلبي أم إيجابي؟
إن العودة إلى الودائع بمثل هذا الحجم في هذا التوقيت بعد سنوات من الاعتماد على سوق الدين الدولية “يكشف أن الأوضاع الاقتصادية في مصر في تراجع حقيقي”.
كما أن هذه الودائع تنسف زيف ادعاءات الحكومة المصرية عن وجود تحسن في مؤشرات الاقتصاد الكلي الذي لا يعبّر عن الواقع، لأن مصر في هذه الحالة تفتقد أهم شروط الاقتراض من الخارج وهو استدامة الدين، وذلك يعني أن الدولة المدينة لا تطلب تأجيل سداد الديون أو إعادة جدولتها ولا تتعثر في دفع هذه الالتزامات.
لكن منذ 2018 تواصل مصر طلب مد آجال استحقاق الودائع وتحولها من ودائع بمعدل فائدة صفر إلى معدل 3.5%، ثم تأتي الوديعة السعودية تحت عنوان دعم الاحتياطي النقدي لمواجهة تداعيات أزمة كورونا.
ارتفاع إجمالي الديون الخارجية
في سبتمبر/أيلول الماضي كشف البنك المركزي المصري عن ارتفاع الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية بقيمة 153 مليون دولار ليبلغ 40.825 مليار دولار، مقابل 40.672 مليار دولار بنهاية أغسطس/آب السابق عليه.
في المقابل، أظهرت بيانات البنك المركزي ارتفاع حجم الدين الخارجي لمصر بنهاية العام المالي الماضي 2020-2021 بنحو 14.4 مليار دولار مقارنة بالعام المالي السابق له 2019-2020.
وارتفع إجمالي الدين الخارجي بشكل غير مسبوق إلى نحو 137.8 مليار دولار في نهاية العام المالي المنتهي في يونيو/حزيران الماضي مقارنة بـ123.4 مليار دولار للعام المالي السابق.
ما هي الفوائد من الوديعة السعودية؟
يمكن للوديعة السعودية أن تحفظ استقرار سوق الصرف بشكل مباشر و تضمن عدم تعرضه لاهتزازات مستقبلية، وتوفير آليات مرنة للتعامل مع أي متغيرات قد تؤثر في استقرار الاحتياطي الأجنبي عند خروج بعض الاستثمارات الأجنبية غير المباشرة.
كما تساهم هذه الوديعة في خفض تكلفة الدين الخارجي من خلال إيجاد مصادر للاقتراض أقل تكلفة، وتعزيز قدرة البنك المركزي المصري على مواجهة الموجة التضخمية في أسعار السلع بالأسواق والبورصات الدولية، ودعم قدرة الاحتياطي النقدي الأجنبي في تأمين واردات مصر من السلع الإستراتيجية.
والأولوية في موازنة العام الحالي 2021/2022 لسداد الديون وفوائدها بما يحرم المواطنين من الاستفادة بأموالهم في تحسين أحوالهم خلال الأزمة التي يمرون بها، حسب تقرير للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية (مستقلة).
وتبلغ مخصصات فوائد القروض المحلية والأجنبية نحو 579.6 مليار جنيه، بنسبة 31% من إجمالي بند المصروفات بالموازنة، وارتفعت أقساط القروض إلى 593 مليار جنيه، ليبلغ إجمالي أقساط وفوائد الديون المستحقة في العام المالي 2021-2022 نحو 1.172 تريليون جنيه (الدولار يساوي 15.70 جنيها).
انتقادات للمساعدات الخليجية
يوجه مراقبون انتقادات للمساعدات الخليجية لمصر، قائلين إن الأموال الخليجية أغلبها عبارة عن ودائع وقروض تستردها هذه الدول في الوقت الذي تريده أو بعد عدة سنوات.
كما تجدّدت التساؤلات حول مصير منح وقروض دول الخليج لمصر والتي قدرتها مصادر غير رسمية بنحو 60 مليار دولار تلقتها القاهرة منذ 3 يوليو/تموز 2013، بعد أن فجر تقرير حديث للجهاز المركزي للمحاسبات إخفاء وزارة المالية 6 مليارات دولار من هذه المنح في حساب خاص لدى البنك المركزي المصري.
وجميعنا نتذكر عندما أعلن الجهاز المركزي للمحاسبات، أعلى جهة رقابية في مصر، عن اختفاء 6 مليارات دولار من المساعدات الخليجية في حساب لدى البنك المركزي لصالح وزارة المالية دون رصد هذا الرقم في الموازنة العامة للدولة، وطالب الجهاز الرقابي الوزارة بتوضيح أسباب هذا الاخفاء.
المواطن المصري يعيش في أسوأ أوضاع اقتصادية وما يتم الإعلان عنه من مساعدات ومنح وقروض وإيداعات لن تعود بالفائدة على المواطن المصري لأن كل هذه الأموال هي لدعم المواقف السياسية للدول وليست لدعم الشعوب الفقيرة التي أصبحت تدرك تماماً أن بيع الكلام والخطابات والهدايا لا يسمن ولا يغني من جوع، كذلك أصبحنا ندرك أن الموقف السياسي للدول هو الذي يحدد قيمة الدعم وحجمه ونوعه.