منى سكرية ــ صحيفة الأخبار
نظم «مركز كمبريدج لدراسات فلسطين» في إنجلترا مؤخراً، ندوة عالمية تحت عنوان: «الموت والدمار والقانون الدولي»، تحدث فيها نخبة من أبرز الأكاديميين الاختصاصيين في القانون الدولي، والذين عملوا في ملف فلسطين في الأمم المتحدة. نستخلص هنا أهم الأفكار التي جرى تداولها خلال الندوة، نظراً إلى فائدتها والاستفادة منها. أدار الندوة مدير المركز الدكتور مكرم الخوري – مخول فوصف انعقاد الندوة في ظل حدث استثنائي للغاية حول الدمار في قطاع غزة في فلسطين في ضوء القانون الدولي.
ركزت البارونة سعيدة وارسي (الوزيرة المستقيلة العام 2014 من حكومة دايفيد ماكرون بسبب الاعتداءات الإسرائيلية على غزة) على عدم اعتراف الحكومة البريطانية بدولة فلسطينية، حتى إن الورزاء يرفضون استخدام اسمها. ولدينا سياسة مفادها ان بناء المستوطنات غير قانوني ومخالف للقانون الدولي، لكننا لا نفعل شيئاً لردع إسرائيل عن توسيع المستوطنات والإخلاء القسري وهدم البيوت. هذا تطهير عرقي. وتدعم سياستنا المساءلة الدولية بدعم محكمة الجنايات الدولية، لكننا نعارض تحقيق قرارات المحكمة الجنائية الدولية في جرائم الحرب في فلسطين. هذا الإفلات التام من العقاب يغذي تمادي إسرائيل في التطرف اليميني، تاركاً مجتمعاً يناضل من أجل الخلاص. إن صمتنا هذا يجعل موقفنا أمراً لا يمكن الدفاع عنه أخلاقياً.
وعرض المحامي الحقوقي ورئيس جمعية حقوق الإنسان في غزة راجي الصوراني للعدوان الإجرامي على غزة، حيث استهدف الجيش الاحتلال الإسرائيلي عمداً المدنيين والأهداف المدنية، لأن 90% ممّا جمعناه عن المناطق التي تعرضت للقصف في غزة للتوثيق كان أماكن مدنية، من قصف مختبر كوفيد 19، إلى محطة تحلية المياه، وتدمير الأبراج السكنية، وقتل المدنيين، ومكاتب وسائل الإعلام الخ.. الأدلة كافية للمحكمة الجنائية الدولية كي تقرر فتح تحقيق في الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها هذا الاحتلال الحربي.
واتهم الصوراني مجلس الأمن بالشلل وبتوفير الحصانة السياسية والقانونية لإسرائيل. أما أوروبا فالأمر فاضح أيضاً، إذ يتحدثون بلغة سياسية ديبلوماسية لطيفة، لكنهم يضعون الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي على المستوى ذاته. وهذا عار كبير على أوروبا ولا ينبغي لها أن تفتخر بذلك. ونحن نقول للأميركيين والأوروبيين إنه لا يمكننا أن نكون عبيداً، ولدينا كرامة ونستحق الحرية. لقد طفح الكيل، وليس لدينا حل وسط. وليس لدينا الحق في الاستسلام، وليس لدينا الحق في أن نكون ضحايا صالحين. لن تنتزع أي قوة على الأرض من قلوبنا وعقولنا الأمل في أن يكون الغد لنا، لأننا ندافع عن قضية عادلة، ونحن على يقين من أننا سننتصر في يوم من الأيام. هذه هي رسالة الشعب الفلسطيني للعالم أجمع، ويجتمع حوله الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج. أؤكد للجميع شيئاً واحداً، وهو أن الجميع في الأراضي المحتلة، وغزة، والضفة الغربية، والقدس، وأهلنا في داخل الخط الأخضر وفي الشتات متّحدون وراء المقاومة. الجرائم الإسرائيلية وحدتنا جميعاً. إنه قانون البقاء لدينا. والجميع يعرف أن كرامتنا ومصيرنا بيد المقاومة. لا شيء سيعود إلى طبيعته. هناك فصل جديد، واقع سياسي جديد، ويجب أخذ ذلك في الاعتبار.
ثم تحدث البروفيسور جون دوغارد (العالم المشهور في القانون الدولي وأستاذ القانون الدولي حالياً في جامعة ليدن في هولندا، وكان مقرراً خاصاً للأمم المتحدة بين عامي 2001 و2008) فأكد استهداف الجيش الإسرائيلي للمدنيين وعن عمد الآن، وفي عامي 2008 و2014 وفقاً لما توصلت إليه لجنة ريتشارد غولدستون، مع أنه تراجع في وقت لاحق، ولكن لنكن واضحين فإن الجيش الإسرائيلي يستهدف المدنيين عمداً. وأنا أقترح أن الوقت حان لإثارة مسألة إذا ما كان الهجوم على غزة يشكل جريمة إبادة جماعية، لأنها خطوة يتردد العلماء في معالجتها. في العام 2008 عندما أجريت مهمة تقصي الحقائق في عملية الرصاص المصبوب، كنا ستة أعضاء وكانوا باستثنائي مُصرين على أنها إبادة جماعية. ومرة أخرى في العام 2014 عندما أثارت محكمة راسل أن بعض تصريحات الإسرائيليين تشكل تحريضاً على الإبادة الجماعية، وكنت معارضاً، لكني اعتقد أن الوقت حان لكي نبدأ بالتفكير في هذه المسألة. وأعتقد أن هذا من شأنه أن يركز أذهان الجمهور على تصرفات الجيش الإسرائيلي. وهذا أول تعليق أود أن أدلي به في هذا الموضوع.
ودعا إلى أن نتطلع إلى المستقبل، وقال: أعتقد أن الولايات المتحدة الأميركية حرمت نفسها أداء دور الوسيط النزيه. ومن الغريب للغاية، عندما ينظر المرء إلى الوراء كيف أن ياسر عرفات رأى أن مفتاح مستقبل فلسطين يكمن في الولايات المتحدة، واستمر أبو مازن (محمود عباس) في هذا النهج، لكنني أعتقد أن إدارة الرئيس بايدن أوضحت أن الولايات المتحدة حليفة لإسرائيل وليست وسيطاً نزيهاً، وهذا هو موقفها في مجلس الأمن. لا يوجد فرق بين إدارة ترامب وإدارة بايدن عندما يتعلق الأمر بقضية فلسطين. لذلك، علينا ببساطة إقصاء واشنطن من العملية.
وتحدث البروفيسور ريتشارد فولك (مؤلف عدد من الكتب حول فلسطين والقانون الدولي، والمقرر الخاص للأمم المتحدة العام في فلسطين بين عامي 2008 و2014 فقال: لقد استمعت إلى المحامي الصوراني الذي تحدث من القلب ومن الرأس، وشهدت الرعب الوجودي للأزمة الحالية. إنها أزمة تم تشويهها دولياً بشكل سيّئ بالطريقة التي تمّ تقديمها بها. فقبل تبادل إطلاق الصواريخ والهجمات الإسرائيلية الواسعة النطاق على غزة، كانت هناك سلسلة من الأحداث الاستفزازية التي دبرتها حكومة نتنياهو في إسرائيل، ومن شبه المؤكد أنها مصممة على إحداث نوع من رد فعل حماس. إن عملية إخلاء الشيخ جراح كانت تجربة تطهير عرقي، ونشاط المستوطنين اليمينيين في القدس، في الأحياء الفلسطينية، وترديدهم هتاف الموت للعرب في منتصف شهر رمضان، لا بد أن تؤدي إلى أعمال عنف وأعمال شغب، وأن يتوج هذه الأنواع من الاستفزازات قبل الحرب
… لقد تم محو هذه الأحداث السياقية في الخطاب الدولي المهيمن. إن هذه الطريقة المختصرة لفهم ما يحدث تعتبر صادمة، ولكن الأمر الأكثر إثارة للصدمة هو تجاهل ما حصل على غزة. غزة تواجه تحدياً إنسانياً على أعلى مستوًى. لقد تم حصارها بشكل غير قانوني منذ عام 2007. إن معاملة الطرفين على قدم المساواة وتجاهل الحصار على غزة وآثاره المدمرة نفسياً واقتصادياً يجعل العالم على غير صلة بفهم الصراع وكيفية حله. إن إسرائيل ترتكب جرائم خطيرة، وتتجاهل الرأي العام العالمي، وتتجاهل التزاماتها القانونية، لأنها واثقة من أنها تتمتع بمنحة سياسية من الحصانة غير المشروطة. إنها لحظة مروعة من الفشل من جانب المجتمع الدولي، وكذلك من جانب الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الأميركية، ويجب علينا أن نشعر بالحزن الشديد لأن هذا قد حدث.
وتحدثت البروفيسورة كريستين شينكين (من أعضاء مؤلفي تقرير غولدستون وهي أستاذة في القانون الدولي) فقالت: نعم لقد فشل مجلس الأمن في اتخاذ أي خطوات. وكذلك لم نر نتائج ملموسة لتقارب لجان تقصي الحقائق في العام 2014 ، وهو ما يجعلني أشعر بالحزن والخجل على حد سواء، لأنني من دعاة نظام قانوني لا يبدو أنه قادر على حل مثل هذه المشكلة.