شكّلت الظروف الإقليمية الصعبة والشائكة، وما تزال تشكل، تحدياً كبيراً لدول المنطقة، والعراق ليس استثناءا، لا بل قد يكون من أكثر الدول تأثراً بتلك الأزمات، هذه الظروف تضاعف الصعوبة، في السيطرة على الأحداث وإدارتها بشكل جيد وسليم، وتحد من قدرة الباحث على توصيف ما يحدث، وفقا للمعايير العلمية المعروفة، وتجعله يلجأ الى مقاربات ربما غير معروفة على الصعيد العلمي.
ما هي الأزمة؟!
هي مجموعة الأحداث والظروف المفاجئة، التي تنطوي على تهديد واضح لوضع قائم يسير بشكل حسن، وهي وضع صعب ومعقد، يؤثر على المصالح العليا للكيانات الاجتماعية والاقتصادية المختلفة، وعلم إدارة الأزمات له خصوصيته ومقوماته وأصوله.
لمواجهة الأزمة فإن على متخذي وصانعي القرار، تشخيص واقع الأزمة بالاعتماد على جمع الحقائق والبيانات وتحليلها تحليلا علميا، لأن الأزمات عبارة عن مجموعة من الأبعاد المختلفة، التي تحدد طبيعتها ونوعها، وكل أزمة تقريبا تحمل في طياتها، مقومات نجاحها وكذلك أسباب فشلها.
الطريقة المثلى للتعامل مع الأزمات، هي إدارتها بناءا على مجموعة من الخطوات والاستراتيجيات؛ وفي هذا الصدد، تعتبر مسألة معالجة الأزمات معيارا جيدا،لإستكشاف قدرات المتصدين، وإستكناه طريقة تفكيرهم، ووسائلهم، وعقيدتهم في توظيف ما تحت أيديهم من إمكانات لمعالجة الأزمات، وفي طليعتها كيفية معالجة الأزمات السياسية، التي غالبا ما يكون لها إرتدادات مجتمعية وأمنية وأقتصادية.
في فنون القيادة، ثمة مهمة رئيسية للمتصدين تتمثل بمسؤوليتهم عن إدارة الأزمات، وهي واجب لا يمكن التخلي عنه بالنسبة لمن هم في مواقع القرار المهني بمعالجة الأزمات وإدارتها، والخروج منه بأقل الخسائر، بل أن بعض القادة الناجحين، والذين يمتلكون صفات قيادية متقدمة، يكون بقدرتهم تحويل الأزمة الى منطلق لتحقيق أهداف جديدة..والتاريخ مليء بالشواهد، لمثل هكذا قدرات وهكذا قادة، وهذا يسمى بفن إدارة الأزمات..
يتفرع عن هذا الفن فن فرعي، هو إدارة الأزمات بالأزمات..وهو منهج خبيث في الإدارة يلجأ اليه ذوي النوايا الخبيثة، والذين لا يراعون المصالح الوطنية والعامة، ولا تهمهم إلا مصالحهم ومصالح الجهات التي يرتبطون بها، وهؤلاء غالبا ما يفتقدون الى العمق العقائدي، والإرتباطات العميقة بالمكان الذي يعيشون فيه، ويتصفون بغياب الوازع الديني والإخلاقي والقيمي، فضلا عن تنحي الدوافع الوطنية لديهم بشكل قاطع.
وأمثلة التاريخ القريب تعج بمثل هكذا أنموذج في معالجة الأزمات، ولقد أستخدم هذا المنهج بكثافة، إبان هيمنة البعث على مقاليد ألأمور في العراق، لمدة اربعين سنة..كان من مؤداها دخول العراق في ازمات متلاحقة، لأن الحاكم الطاغية وحزبه كان هدفهم البقاء بالسلطة وبأي ثمن..وبما يجعل المواطن يتمنى الماضي السيء، لأنه وجد نفسه في حاضر أسوأ، ويخشى أن يذهب الى مستقبل أكثر سوءا.
ولم تخل ممارسات السلطات والقوى السياسية لما بعد تغيير نظام صدام، من هذه المنهجية في معالجة الأزمات، ليس بسبب إيمانها أو أعتناقها هذا المنهج المقيت، بل لأنه وبسبب بقاء النظام الصدامي، معتليا ظهور العراقيين لفترة طويلة، بات ثقافة متأصلة في جهاز الدولة العراقية، الذي لم يحدث فيه تغيير جذري سواء على مستوى الموارد البشرية، او القوانين والنظم والتعليمات، التي تعمل بموجبها اجهزة الدولة العراقية. ونكون إزاء أنموذج يصنع أزمات إدارة تدمر مكاسب.
إدارة الأزمات وفق المفاهيم العلمية السليمة، هي تلك التي تتجاوز الأزمة، وتتصف القيادات المتصدية للأزمات، بقدرتها على إدارة الأزمات بفاعلية وكفاءة، وتحويلها إلى فرص للانطلاق منها إلى نجاحات وإنجازات جديدة..إدارة الأزمات وفق هذا الأنموذج هي التي تخلق فرصاً..
خلافا للقيادات التي تعالج الأزمات بالأزمات، وهي بالتأكيد قيادات فاشلة، تلجأ الى إختلاق الأزمات والتآمر، وبيع مصائر من هم متأثرين بالأزمات الى تجار الأزمات، فإن القيادات التي تمتلك منظومة قوية؛ وفاعلة في إدارة الأزمات، والاستعداد الاستباقي لها، وامتلاك أدواتها هي القادرة على تخفيف تداعيات الأزمات السلبية، وتحقيق التعافي السريع والمستدام منها.
الشهيد ابو مهدي المهندس كان مثالا ناصعا لهذه القيادات..ليته موجود بيننا اليوم..!
Check Also
العودة الی احضان دمشق…اجباریة ام تأسفیة؟
شهدت الآونة الأخيرة تراكض عربي في سبيل إعادة العلاقات السياسية والدبلوماسية مع سوريا، في ظل ...