اندلعت موجة من الاحتجاجات في مدينتي رام الله والخليل، يوم الخميس، عقب الإعلان الرسمي عن نبأ وفاة المعارض الفلسطيني والمنتقد للسلطة الفلسطينية نزار بنات. موجة تستمر احتجاجات حتى الآن، وهذه هي المرة الأولى التي يحتج فيها الفلسطينيون في الضفة الغربية بشدة ضد السلطة الفلسطينية، مطالبين بعزل أبو مازن وحل السلطة الفلسطينية.
تاريخ الاحتجاجات ضد السلطة الفلسطينية
قوبل تأسيس السلطة الفلسطينية بموجب اتفاقيات أوسلو عام 1994، باحتجاجات واسعة النطاق ضدها في الضفة الغربية. تظاهر سكان الضفة الغربية ضد السلطة الفلسطينية لأول مرة خلال الصحوة الإسلامية عام 2012 . وفي ذلك الوقت، كان أهم مطلب للناس آنذاك هو منع ارتفاع أسعار السلع الأساسية، وخاصة مصادر الطاقة والمحروقات و أجور النقل، وخفتت حدة الاحتجاجات بعد حوالي ستة أشهر عقب ضبط بعض الأسعار.
المظاهرات الحالية، التي استؤنفت احتجاجاً على مقتل نزار بنات الناشط الفلسطيني المعارض للسلطة الفلسطينية، هي الثانية ضد السلطة الفلسطينية. الفرق بين هذه المرة وعام 2012 هو أنه في عام 2012 هدأت الاحتجاجات فور ضبط أسعار بعض السلع، أما في هذه الاحتجاجات، يهتف أهالي الضفة الغربية بشعارات ضد أبو مازن والسلطة الفلسطينية. و لأول مرة يطالبون بحل السلطة الفلسطينية .
أسباب غضب الناس من السلطة الفلسطينية
يطالب سكان الضفة الغربية الآن بحل هذه الهيئة السياسية، بعد 28 عاماً من توقيع اتفاقيات أوسلو وتشكيل حكومة السلطة. هذه الصرخة هي نتيجة الغضب المتراكم خلال هذه السنوات الـ 28.
قمع المعارضين والمنتقدين
السبب الأول لغضب سكان الضفة الغربية هو غياب حرية التعبير والعمل. لأن السلطة الفلسطينية تقمع بشدة كل من يعارض ممارسات الأجهزة الأمنية وحكومة السلطة الفلسطينية وخاصة أبو مازن، باستخدام المعلومات التي يقدمها الصهاينة لهم.
إن سجون السلطة الفلسطينية مليئة بالسجناء السياسيين المعتقلين بسبب انتمائهم لفصائل المقاومة أو انتقاد أبو مازن نفسه أو ممارسات السلطة الفلسطينية. هذا وقد خلق قمع السلطة الفلسطينية الشديد بيئة من الرعب بين سكان الضفة الغربية على مدى العقود الماضية، والتي زادت بمرور الوقت بسبب تكثيف ممارسات الأجهزة الأمنية.
ويتم اعتقال عدد كبير من الشباب الفلسطيني الذين يحاربون الكيان الصهيوني من قبل الجهاز الأمني للسلطة الفلسطينية . وتقوم الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية بتسليم بعضهم للجيش الإسرائيلي، والبعض الآخر يتعرض للتعذيب والضغط في غياهب سجون الأجهزة الأمنية.
عدم وجود أفق سياسي واضح
لقد انتهجت السلطة السياسية الموجودة في الضفة الغربية، مسار التسوية والتفاوض مع الكيان الصهيوني ، لكن وبعد 28 عاماً على اتفاقيات أوسلو، وصل المسار السياسي للتفاوض والتسوية مع الكيان الصهيوني إلى طريق مسدود، و يراوح في مكانه تقريباً منذ عام 2014.
بعد ذلك، في عام 2017، ومع وصول ترامب إلى السلطة وتقديمه صفقة القرن، كانت السلطة الفلسطينية عملياً خارج جدول أعمال الولايات المتحدة والكيان الصهيوني ما يعني أنه لا يوجد أفق لمستقبل أفضل في المسار الذي اختارته السلطة الفلسطينية وبالتالي لن يكون هناك أمل في مستقبل أفضل.
هذا الأفق المسدود دفع الفلسطينيين في الضفة الغربية إلى الاعتقاد أن النظام السياسي الذي توقف عن المفاوضات سبب مشاكلهم الحالية و التي تتزايد كل يوم. فإنه من الطبيعي لأن يتحرك في مثل هذه الحالة على الأقل نحو حل هذه الهيئة السياسية أو على الأقل تغييرها.
عدم كفاءة السلطة الفلسطينية
السلطة الفلسطينية، التي تبدو أنها تتمتع بالسيادة على الضفة الغربية، لا تملك سلطة لحل مشاكل الفلسطينيين فيها. على الرغم من أن السلطة الفلسطينية لديها مجلس وزراء يضم أكثر من 23 وزارة، فإن جميع الشؤون الفلسطينية في الضفة الغربية تديرها هيئة أنشأها الجيش الإسرائيلي تحت اسم COGAT.
يجب على الفلسطينيين الحصول على إذن تلك الهيئة من اجل القيام بأي أمر في الضفة الغربية سواء مغادرة فلسطين للتنقل بين مدن الضفة الغربية، أو اذن لبناء أو إصلاح مبنى، وما إلى ذلك. هذا يعني أن السلطة الفلسطينية ليس لها أي سلطة تقريباً وهي حكومة ليست ذات كفاءة بنظر الفلسطينيين. في الوقت نفسه، يرى الفلسطينيون في الضفة الغربية أن هذه السلطة المتقاعسة، ليست عاجزة فحسب عن حل مشاكل الفلسطينيين بل هي من يخلق مشاكل لهم.
أصبحت الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية باعتقالاتها وعرقلاتها عملياً عقبة أمام ما يقوم به الفلسطينيون ضد الكيان الصهيوني ، لذلك من الواضح أن الفلسطينيين يريدون إزالة هذه السلطة العاجزة عن تقديم أي شيء، والتي تشكل حاجزاً أمام جميع العقبات القائمة.
الغاء الانتخابات واغلاق مسار الانفراجة الوحيد في فلسطين
إضافة إلى عرقلة المشهد السياسي في الضفة الغربية، الأمر الذي يعكس الطبيعة الإشكالية للسلطة الفلسطينية، أدى حدث إلغاء الانتخابات الفلسطينية من قبل أبو مازن على صعيد السياسية الفلسطينية إلى زيادة شعور الفلسطينيين بالإحباط تجاه السلطة الفلسطينية وأبو مازن نفسه.
في عام 2020، بعد أن كشف ترامب رسمياً عن صفقة القرن، توصل الفلسطينيون إلى اتفاق مصالحة وطنية كبرى لأول مرة. والسبب هو أن الفصيل المساوم، الذي سعى إلى التفاوض والتسوية مع الصهاينة، أغلق عملياً هذا المسار ورأى نفسه لاعباً خارج الساحة الفلسطينية ، لذلك بالاتفاق مع فصائل المقاومة الفلسطينية ، ولأول مرة توصلوا إلى إيجاد استراتيجية مشترك لكلة الفصائل الفلسطينية .
حيث كانت النتيجة العملية الأولى للاتفاق بين مجموعات التسوية والمقاومة الفلسطينية للمصالحة الوطنية الفلسطينية هو الاتفاق على إجراء انتخابات نيابية ورئاسية للسلطة الفلسطينية والمجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية في صيف عام 2021.
كان من المقرر إجراء هذه الانتخابات الثلاث بشكل منفصل. كان اجراء هذه الانتخابات التي لم تجر منذ عام 2006 ، تبشر بأفق جديد ومشرق في المشهد السياسي الفلسطينية ، أفق كان يجعل الشعب الفلسطيني متفائلا في فتح مسار جديد لنفسه من خلال الذهاب إلى صناديق الاقتراع.
لكن هذا المسار الذي كان الأمل الوحيد للفلسطينيين، أغلقه أبو مازن. حيث قام محمود عباس في مايو 2021 ، بضغط من الكيان الصهيوني والولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين، بتعليق الانتخابات إلى أجل غير مسمى، ما يعني أن الانتخابات لن تجرى وأن الوضع سيظل معلقاً .
كل العوامل المذكورة أقنعت الفلسطينيين، ولا سيما سكان الضفة الغربية ، بأن السلطة الفلسطينية وأبو مازن هما مصدر كل المشاكل الفلسطينية ، وخاصة أن المقاومة حققت نجاحات وانتصارات ملحوظة في السنوات الأخيرة. بتهديدهم للكيان الصهيوني، ومنعه من إخلاء حي الشيخ جراح واعتداء المستوطنين على المسجد الأقصى، ومنع مسيرة العلم الوهمي.
أدت هذه المقاومة مقابل حملة القمع التي تشنها السلطة الفلسطينية على الفلسطينيين في الضفة الغربية – والتي حركت المشاعر العامة في قضية وفاة “نزار بنات” المريبة – إلى توجه سكان الضفة الغربية نحو المطالبة بحل السلطة الفلسطينية.