من العفو إلى الكمين.. الدور المشبوه لجعجع
October 19, 2021
*مقالات متنوعة
269 Views
ايهاب زكي
إنّ أكثر ما يخشاه رجل السياسة هو الصدفة، وأكثر ما يسخر منه كذلك هو الصدفة، فالصدفة لا تليق بالعمل السياسي، لا اعتمادًا ولا تبريرًا. وما حدث في البرلمان اللبناني عام 2005 من إصدار قانون العفو، الذي سمح لقائد حزب “القوات اللبنانية” بمغادرة محبسه، لم يكن بالقطع من أفعال الصدفة، خصوصًا لناحية التوقيت، حيث بدأت مرحلة جديدة لاستهداف المقاومة اللبنانية، متمثلة بحزب الله، واستهداف سوريا باعتبارها المظلة وحلقة الوصل.
وكان ذلك بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والذي كان بمثابة الشرارة لانطلاق المؤامرة بأكبر زخمٍ ممكن. ولم يكن هناك أنسب من سمير جعجع، كأحد بيادق تلك الحملة، حيث إنّه أكثر من يكتنز الحماقات وطموحاتها، كما يختزن كمًا هائلًا من الهزائم والحقد، لذلك فهو الأداة المثالية للتوتير والقلاقل وافتعال الأزمات. وكما كان حبسه بقرارٍ أمريكي، كان العفو عنه بقرارٍ أمريكي. ويذكر هنا أنّ نواب حزب الله ونواب الحزب السوري القومي انسحبوا من جلسة التصويت.
ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم فتش عن جعجع، وليس عن المرأة كما قال نابليون، أو قد يصح التفتيش عن المرأة في حال أخذنا ستريدا جعجع بعين الاعتبار، فأينما وُجد التحريض والغدر والقتل، حتماً ستجده بشخصه وطموحاته وأحقاده.
وحين تسمع تبريرات جعجع لكمين الطيونة، ثم تعود لتبريرات القوات لحادث البوسطة، في عين الرمانة 13/نيسان/1975، تجد التطابق الحرفي بين التبريرين، رغم مرور ما يقارب 45 عاماً كزمنٍ بين الجريمتين، حيث يذكر موقع “القوات اللبنانية”، أنّ أهالي عين الرمانة عام 75، دون قرارٍ من أحد ودون ترصدٍ من أحد ودون استعداد، ظنّوا أنّهم يتعرضون لهجوم فلسطيني، فأطلقوا النار دفاعًا عن النفس، مما أدّى إلى مقتل 27 فلسطينيًا، وهذا بالضبط ما يقوله جعجع وحزبه عن كمين الطيونة، ظنّ الأهالي تعرضهم لاجتياح فدافعوا عن أرضهم وبيوتهم، دون قرار مركزي، ودون ترصدٍ أو استعداد.
إنّ دلالة هذا التكلس القيَمي لدى جعجع وقواته، هو بالضبط ما جعله المرشح الأول للخطة الأمريكية، حيث الحقد الأعمى، والحماقة التي تستبد بالعقل حد الوقاحة.
وهنا جديرٌ بالذكر ما كشفه النائب وليد جنبلاط عن حديث جعجع إليه، رغم نفي القوات لاحقاً للصياغة والمقاصد، حيث قال جعجع قبل عامين تقريباً للنائب جنبلاط “إنّ لديه 15 ألف مقاتل لمواجهة حزب الله، ونحن اليوم أقوى من بشير، وحزب الله أضعف من عرفات”. واستدل جعجع على ضعف حزب الله بأنّه “يقوم بتقديم التنازلات”. لا يوجد على الإطلاق من دلالةٍ على تلك الحماقة، سوى استدلال جعجع على ضعف الحزب، بأنّه يقوم بتقديم التنازلات، ولكن كيف لقاتلٍ غادرٍ أن يفهم مكارم الأخلاق، وكيف لمدمن الهزائم أن يستوعب سلوكيات المنتصر؟
يبدو أنّ الولايات المتحدة يئست من افتعال حربٍ سنيةٍ شيعية، وإن لم يكن يأسًا مطلقًا، ويدل على ذلك ما تفتعله على أيدي الدواعش في أفغانستان، لذا قررت تفعيل ممرات حربٍ إسلامية – مسيحية، وما من أداةٍ مثاليةٍ كجعجع وقواته، حيث استعادة كل المخزون الجمعي للعقل اللبناني عن بوسطة عين الرمانة، التي انقسمت على إثرها بيروت إلى شرقية وغربية، خصوصاً أنّ جعجع من أشد المحرضين على الفدرلة.
إنّ الغضب السعودي على سعد الحريري، لا مسببات له سوى ما اعتبرته السعودية ضعفاً في مواجهة حزب الله، وعليه فإنّ جعجع لا يريد الوصول إلى ذات مربع الغضب السعودي، ويريد الإثبات القطعي لابن سلمان أنّه قادرٍ على مواجهة الحزب، والإثبات للأمريكي أنّه على قدر الرهان منذ 2005.
ولكن مواجهة حزب الله، الذي أفشل المشاريع الأمريكية، وهشم الكثير من مفاصلها، والذي هزم “إسرائيل” بكل ما أوتيت من عدة وعديد ودعم، والذي يشكل رادعاً لهذه “الدولة” العسكرية، ويعمل على إزالتها من الوجود، كما قال السيد نصر الله “إنّ الثار لدماء عماد مغنية هو إزالة “إسرائيل” من الوجود”، والذي يشكل جزءًا من هدف إخراج أمريكا من المنطقة، مواجهته تحتاج لأكثر من حماقات مدفوعةٍ من الخارج، وتحتاج لأكثر من طموحاتٍ بلهاء تداعب مخيلاتٍ عقيمة.
حزب الله الذي لا يحيد سلاحه عن أخلاقه، والذي تتناسب أخلاقه طردياً مع سلاحه، والذي تفوّق في أكثر من محطةٍ استراتيجياً على عقل أخبث إمبراطوريات التاريخ، وأزاح جبالاً من الاستهدافات والمؤامرات، لا يمكن له أن يتعثر بحصاة طريق، أو أن تعيق مسيرته نحو الهدف النهائي، لذلك فإنّ تجاوز الحصاة أكثر من سهل، ولكن لا يمكن للحزب أن يسمح بأن تدميه الحصاة مجدداً، وهذا ما سيأخذه بعين الاعتبار.
إنّ هاجس حزب الله بالحرب الأهلية، وتخوفه من كل شرارةٍ قد تؤدي إليها، والذي يظنه جعجع بحماقةٍ مفرطةٍ ضعفاً، لا يمكن أن يقع بوجود حزبٍ يتفوق سموه الأخلاقي على قوة ترسانته العسكرية، وإن كان يطفئ تلك الشرارات بترفعه الأخلاقي وبصيرته، تبدو هذه الشرارة تحتاج لأكثر من ذلك لإطفائها، حيث يعتقد المراقبون أو غالبيتهم، أنّ حديث السيد حسن نصر الله اليوم، سيحمل بعض الخطوط الحمراء، التي ستغلق الطريق على تكرار سفح الدم مأمون العقاب.ش
2021-10-19