د. محمود جباعي
منذ تأسيسس الكيان الغاصب لأرض فلسطين المحتلة تسعى “اسرائيل” الى التوسع باتجاه كل الدول العربية دون استثناء؛ فهي حاولت احتلال كل الأراضي العربية المجاورة لأرض فلسطين المحتلة من أجل بسط سلطتها وهيمنتها على المناطق المجاورة للكيان لتحقق بذلك هدفين الاول جيوسياسيي مرتبط بالسيطرة السياسيسة والتوسع الجغرافي من أجل جعل كل الدول المجاورة خاضعة لها سياسيًا وعسكريًا للسيطرة على قراراتها واخماد شعوبها، والهدف الثاني جيواقتصادي مرتبط بقدرة دولة الاحتلال على توسيع اسواقها التجارية لتشمل مساحات جغرافية شاسعة في الدول المجاورة لها مما سيعزز قدراتها الاقتصادية والمالية بعد تحسين الانتاج المحلي الاسرائيلي الذي سيجد أماكن واسعة لتصريف الانتاج.
وبالفعل نجحت “اسرائيل” بتحقيق جزء من أهدافها في فترات سابقة، وكانت تحاول تصريف بضائعها في الأراضي التي سيطرت عليها. بموازاة ذلك كان يستخدم كيان الاحتلال نفوذه الدولي من أجل إقامة علاقات على كافة الصعد مع باقي الدول العربية البعيدة جغرافيًا عن اراضي فلسطين المحتلة من خلال التسويق لفكرة التطبيع والسلام مع الاخذ بالعلم أن بعض الأنظمة العربية كانت تتماهى مع المشروع الصهيوني وتقدم الدعم له بغطاء غربي منذ لحظة تأسيسسه عام 1948 وحتى قبل ذلك بسنوات منذ اقرار وعد بلفور واتفاقية سايكس-بيكو، والهدف الاسرائيلي واضح هنا وهو يتعلق بوصول البضائع الاسرائيلية الى كل العالم العربي والاسلامي.
بيروت المنافس التاريخي الاقوى لهيمنة “تل أبيب”
على الرغم من صغر حجم مساحة لبنان بالنسبة لباقي الدول المجاورة إلا أن موقعه الجغرافي أكسبه أهمية جيواقتصادية كبيرة جدًا مما جعله نقطة ترانزيت تجارية مهمة، حيث اعتبر مرفأ بيروت نقطة تواصل وربط بين العديد من دول العالم وبين القارات المختلفة. وكذلك تنوعه الثقافي جذب اليه كل دول العالم، ومعالمه السياحية الجميلة جعلت منه بلداً سياحياً يستقطب السيواح على أنواعهم وخاصةً من دول الخليج العربي. وكان لبنان طوال الفترة الماضية ملاذًا آمنًا للأموال العربية التي كانت تودع في مصارفه على أساس وجود قانون السرية المصرفية والحرية الاقتصادية.
كل هذه العوامل ساهمت في خلق حجرعثرة في وجه المشروع الاسرائيلي الساعي الى استقطاب كل ما يحصل عليه لبنان، لذلك بدأ التنفيذ لضرب لبنان اقتصادياً ومالياً وأمنياً وسياسياً بالتزامن مع حفلة التطبيع الخليجي الاسرائيلي والذي بات يظهر أكثر الى العلن رغم أن عمره عشرات السنوات وإن كان يحصل باشكال وتسميات مختلفة.
قدم كيان الاحتلال الغاصب نفسه على أنه بديل حصري عن لبنان بالنسبة لدول الخليج العربي المطبعة معه حديثًا وقديمًا وسرًا.وسنعرض هنا عدة نقاط يطمح ويخطط لها العدو وينفذها بعض “الأشقاء العرب”:
1- اعتماد مرفأ حيفا بديلًا عن مرفأ بيروت في جميع التبادلات التجارية لدول الخليج. وهذا يوضح لنا مَن وراء تفجير المرفأ ومَن المستفيد منه.
2- تحويل وجهة السياح العرب والخليجيين من لبنان الى “اسرائيل” لأن الطبيعة متشابهة من ناحية البحر والأنهار وأيضًا مرتفعات الثلوج مما يجعلها ملاذًا جميلًا “للاخوة العرب”.
3- وقف كل الصادرات اللبنانية الى دول الخليج وخاصة السعودية والامارات واستبدالها بسلع اسرائيلية أصبحت تصل منذ فترة ليست بالقصيرة الى هذه الدول.
4- اعتماد النظام المصرفي الاسرائيلي المشابه للنظام المصرفي اللبناني المنهار بفعل أهداف خبيثة دولية وعربية لضرب اقتصاد لبنان ولاقناع المواطن الخليجي بوجود ملاذ آمن وهو البنوك الاسرائيلية.
5- اقامة ندوات ثقافية وحفلات موسيقية وأعمال فنية تجمع شبانًا عربًا وصهاينة تحت عنوان “تعزيز العلاقات الثقافية” مما يجعل من “تل أبيب” عاصمة الثقافة العربية (العبرية) بالنسبة لهؤلاء المطبعين.
بالارقام نتائج البدء بمشروع الاستبدال
كشفت دراسات واحصاءات حديثة عن نمو ملحوظ شهدته التجارة بين “اسرائيل” والدول العربية منذ بداية عام 2021. وهذا طبعًا بعد دخول دول خليجية على خط التطبيع التجاري والاقتصادي مع الكيان الصهيوني. وقد وصلت النسبة الاجمالية للنمو التجاري الى ما يقارب 245 % خلال السبعة أشهر الأولى من 2021 بالمقارنة مع ذات الفترة من عام 2020، علمًا أن مرفأ بيروت كان قد دمّر في 4 آب 2020. ووفقًا للاحصاءات حلت الامارات في المرتبة الأولى بالنسبة للدول العربية التي يربطها تبادل تجاري مع “اسرائيل” بقيمة وصلت الى 615 مليون دولار في النصف الأول فقط من سنة 2021، أي بما معناه أن القيمة ستتخطى المليار و200 مليون دولار مع نهاية العام الحالي ومن المتوقع أن تصل في الأعوام القادمة الى ما يقارب الـ 10 مليارات دولار سنويًا بفعل العلاقة المتينة بين الدولتين. علمًا أيضًا أن “اسرائيل” تربطها علاقات تجارية بمئات ملايين الدولارات سنويًا مع مصر والاردن والمغرب والبحرين.
لطالما سعى العدو الاسرائيلي الى فرض نفسه كشريك تجاري واقتصادي لدول الخليج العربي من خلال التركيز على تحقيق حلم المثلث الذهبي المبني على البضائع والتكنولوجيا الاسرائيلية من جهة والمال الخليجي والكم العربي (السكان العرب) من جهة أخرى، وذلك من أجل توسيع أسواقه وبناء اقتصاد متين في منطق يجعل كل الدول المجاورة له تعاني من أزمات اقتصادية ومعيشية. اليوم هو يسعى ليكون بديلاً عن بيروت، وما تفجير المرفأ والأزمات المفتعلة في لبنان الّا خير دليل على ذلك، وغدًا سيسعى الى السيطرة والهيمنة على كل الدول العربية. وما عرضه لممر بديل عن قناة السويس بعد أزمة السفينة إلا خير شاهد على ذلك.
العدو يخطط وهذا طبيعي والشقيق ينفذ وهذا قمة العار على بلدان تربطنا بها صلة الدم والدين واللغة والعروبة. وهنا نسأل أين أصبحت العروبة والنخوة العربية في ظل أنظمة لا معايير عندها سوى معايير الهيمنة والمصالح؟