اكد الخبير السياسي، رعد هادي جبارة، ان احدى التغييرات التي سيشهدها العراق هي هزيمة القوات الأمريكية المتبقية فيه ومغادرتها القواعد الحالية المتمركزة في المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة المركزية في بغداد.
وكالة مهر للأنباء – القسم العربي: خلافات سياسية من هنا ومؤامرات من هناك، ونتيجة للممارسات السياسية الخاطئة، و من ثم غياب دور الحكومة، بدأ الشعب العراقي بالاحتجاجات و التظاهرات للتنفيس عن غضهم والمطالبة بحقوقهم المشروعة والخدمات اللازمة لمقومات الحياة اليومية.
هذا ماحدث في العراق، وبعد التظاهرات والاحتجات بشكل كبير من الشعب العراقي، قامت الحكومة باجراء انتخابات مبكرة لاخماد غضب الشعب والتسريع بتلبية المطالب الضرورية، وبعد اجراء الانتخابات وصدور النتائج فاز التيار الصدري باكثر من 70 مقعدا في البرلمان، فهذه النتائج كانت غير متوقعة وغير مرضية للبعض، فطالبوا باعادة العد اليدوي، والنتيجة لم تتغير.
والان تساؤلات كثيرة عن مصير العراق القادم، والمستجدات التي ستطرأ على العراق والشعب العراقي.
وفي هذا الصدد أجرت مراسلة وكالة مهر للأنباء، “هبه اليوسف” حوارا صحفيا مع الدبلماسي السابق الإيراني والخبير السياسي “رعد هادي جبارة”، وفيما يلي نص الحوار:
* ماهي الانعكاسات السياسية على العراق بعد انتهاء الانتخابات ؟ وماهي التحالفات المحتملة ؟
لا شك في أن الإنتخابات البرلمانية تعتبر إحدى ملامح الديمقراطية الناشئة في العراق بعد أربعة عقود من الدكتاتورية المطلعة ونظام الحزب الواحد والقائد الأوحد الذي حكم العراق بالحديد والنار وشن الحروب على دول الجوار، منذ عام 1968حتى 2003.
الانتخابات هي وسيلة التغيير السلمية والدستورية، ولا بديل لها إلا الانقلابات العسكرية التي تعيد البلد الى زمن الكبت والدكتاتورية
وشاهدنا ما حصل من انفتاح وحريات بعد سقوط النظام المقبور ومشاركة الشعب في تقرير مصيره وتمتعه بحريات سياسية واجتماعية حُرم منها طويلاً، عبر تشكيل الأحزاب وإصدار الصحف، وتأسيس الفضائيات، والسفر للسياحة والعلاج والزيارة و الحج و العمرة، وإتاحة حرية التعبير.
لكن هذه الأمور كانت مستجدة ومفاجئة وحصلت أخطاء واخفاقات وتجارب ناجحة وفاشلة، فالانتخابات هي وسيلة التغيير السلمية والدستورية، ولا بديل لها إلا الانقلابات العسكرية التي تعيد البلد الى زمن الكبت والدكتاتورية.
وشهدنا 4دورات من الإنتخابات النيابية منذ 30 يناير/كانون الثاني /2005فما بعد؛ والدورة الحالية هي الخامسة طبعا، وتعتبر من المحطات المهمة في مسار العملية السياسية الحالية. وفي ضوء ذلك، فإن لهذه الانتخابات (كسابقاتها) انعكاسات وثمار مهمة في حاضر العراق ومستقبله، وتترتب عليها العديد من المعطيات على الصعيدين المحلي والاقليمي.
وكما تعلمون فإن من السابق لأوانه الحديث عن التحالفات قبل المصادقة على النتائج النهائية رسميا من قبل المحكمة العراقية بعد انتهاء النظر في الشكاوى والطعون وانتهاء العد والفرز اليدوي لمئات الصناديق في بغداد والمحافظات.
ولكن ما شهدناه فإن البيت الشيعي يقوم بعقد الاجتماعات والتنسيق والتفاهم بين مختلف أطرافه (عدا جماعة السيد مقتدى) تحت رعاية السيد نوري المالكي زعيم ائتلاف دولة القانون وفي منزله، لغرض إيجاد حل للأصوات المختفية (لكي لانقول إنها مسروقة) وإنصاف قوى المقامة والحشد، وإعادة الحق الى أهله، وإنصاف من تأثروا بالتلاعب بنتائج التصويت ضد معظم الجهات المحسوبة والداعمة للحشد الشعبي.
ومن ضمن الأساليب المتخذة؛ المظاهرات السلمية والاعتصام الكبير عند بوابات المنطقة الخضراء. فضلا عن ذلك، فإن تحالفَي الفتح ودولة القانون وجها رسائل مفتوحة وبيانات مدعمة وموثقة بالأدلة على حصول تلاعب سيبراني في أجهزة العد والفرز الالكتروني واجراءات كثيرة من قبل المفوضية تبرهن على إخفاقها في إدارة العملية الانتخابية (سهواً أو عمداً) وعدم نجاحها في إقناع الرأي العام بنتائجها.
* ماالتغييرات الجديدة التي ستطرأ على العراق في المرحلة القادمة ؟ وماذا عن التدخلات الامريكية في العراق ؟
العراق دولة كبيرة ومهمة ومن محور المقاومة، وأول التغييرات التي سيشهدها هي هزيمة القوات الأمريكية المتبقية فيه ومغادرتها القواعد الحالية المتمركزة فيها في المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة المركزية في بغداد.
الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي مركز الثقل الأكبر لمحور المقاومة، والعمق الاستراتيجي للعراق والداعمة له على أكثر من صعيد
ويتوقع البعض أن تتمركز بعض القوات الامريكية وحلفاؤها في المحافظات الثلاث ذات الاغلبية السكانية الكردية بسبب رغبة الحكومة المحلية في اربيل وتمسكها ببقاء هذه القوات لمآرب أخرى لسنا بصدد بيانها.
وأما بقاء العراق ضمن محور المقاومة فهذا مما لاشك فيه حيث تمتلك معظم الأطراف والفصائل المجاهدة الشيعية علاقات مصيرة أو طيبة على الاقل مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، باعتبارها مركز الثقل الأكبر لمحور المقاومة، والعمق الاستراتيجي للعراق والداعمة له على أكثر من صعيد.
وأما التدخلات الأمريكية في العراق وشؤونه فهي مستمرة لأن طبيعة الاستكبار العالمي هي هذه، حتى لو كانت إدارة بايدن أخف وطأة من ترامب ذي الأسلوب العدواني والتدخلات السافرة الوقحة.
لكن الشعب العراقي شعب عظيم ومساند للمرجعية ولديه الكثير من التنظيمات الإسلامية الأصيلة، وسيبقى متمسكا بالعلاقة الاستراتيجية مع طهران وبقية دول الجوار وخاصة تلك التي لا تعتدي على كرامته وتصدر له الانتحاريين تحت جنح الظلام.
كما رأيتم وقفة العراق مع الشعب اللبناني الشقيق ومد يد العون من قبل الشعب العراقي لشقيقه اللبناني في محنته الاقتصادية وحاجته الماسة للوقود والدعم الاقتصادي، وأمس عاد ميقاتي من بغداد بعد زيارة ناجحة للعراق.
ولا ننسى وقوف العراق الى جنب سوريا في تصديها للإرهاب الداعشي والحرب الكونية ورفضه الانخراط في النهج الامريكي السعودي للإطاحة بالحكومة الشرعية ورفضه تقديم دمشق لعملاء انقرة والرياض، على طبق من ذهب، والمنطقة حبلى بالاحداث المتلاحقة والمزيد من الإنتصارات لمحور الحق والمقاومة.
* برأيك ماذا يعني تقدم السيد مقتدى الصدر في الانتخابات ؟ وماهو تعقيبك على كلمة الصدر بعد تسلمه الانتخابات والوعود التي قدمها ؟
هناك حالة من الضبابية والغموض تحيط بنتائج الانتخابات، و من السابق لأوانه كشف ملابسات كيفية التلاعب الالكتروني والسيبراني بأصوات الناخبين والكثيرون يتساءلون عن العلاقة بين زيارات السيد مقتدى الى السعودية والامارات واجتماعاته مع مسؤوليهما والعلاقة الصميمية له مع محمد وطحنون ابني زايد ومحمد بن سلمان، والأموال الطائلة التي امتلأت بها الحقائب والصناديق المحمولة في طائرته الخاصة عند عودته الى مطار النجف الأشرف.
فضلا عن ما قيل عن إمكانية التحكم بالسيرفرات وأجهزة الكومبيوتر وأجهزة العد والفرز في الانتخابات الحالية، وتدخل الجماعة في الضغط على الناخبين بأساليب الترهيب والترغيب والتصويت لمرشحيها بالإكراه و عدم إتاحة الفرصة لمئات الآلاف من أعضاء الحشد الشعبي في التصويت الخاص، وللناس العاديين من خلال الخلل في أجهزة تشخيص بصمات الأصابع (أو أحدها) مما حرم جمهور الفتح والحشد ودولة القانون من الإدلاء بأصواتهم لمرشحيهم، فضلا عن المخالفات الكثيرة التي شابت العملية الانتخابية.
والملفت للنظر أن آلاف الشكاوى والطعون التي قدمت للمفوضية وجدناها ترفضها بسهولة وتشطب عليها بجرة قلم وبمزاجية واضحة وانحياز كبير لطرف معين ضد جمهور الحشد، ومما زاد في الشك وعمقه؛ ترحيب مجلس الامن والإدارة الامريكية بفوز جماعة السيد مقتدى، قبل انتهاء النظر بالطعون والشكاوى وقبل المصادقة النهائية على نتائج الانتخابية وترحيب الاوساط الامريكية بفوز مرشحي جماعة مقتدى وكيف تحول في نظرهم من عدو الى صديق، كلها أمور ملفتة للنظر.
* ماهو تعقيبك على كلمة الصدر بعد تسلمه الانتخابات والوعود التي قدمها ؟
هناك ملاحظة يكررها المراقبون السياسيون فيقولون: عندما نتحدث عن بيانات وقرارات وخطابات السيد مقتدى فلا يمكن أن نصل الى نتيجة واضحة وخط مشخص، فهناك تغييرات كثيرة و تبدلات عديدة وانعطافات مفاجئة وقرارات متضادة وغير قابلة للتنبؤ.
وهناك من يتوقف عند قضية قصاصة (گصگوصة) الورق من السيد مقتدى وتحكمها في الساحة السياسية وكبار مسؤولي الدولة وتباهيه بها وكونه يقوم بواسطتها بإسقاط شخصية كعادل عبد المهدي لأنه لم يعجبه، ويعود البعض الى ما حصل خلال سيطرة جماعة سيد مقتدى على النجف وما رافقها من سقوط ضحايا أبرياء، وأحداث البصرة قبيل عملية (صولة الفرسان ) من قبل القوات العراقية، وانقذتها من سيطرة عصابات مسلحة عليها، فضلا عن دور السيد مقتدى في مجيء عادل عبد المهدي والتظاهرات التي استقال إثرها، واختيار مصطفى الكاظمي ذي الميول الأمريكية رغم امتعاض معظم أطراف البيت الشيعي منه.
ومن السابق لأوانه معرفة هل ستعتبر المقاعد التي حص عليها تيار مقتدى، شرعية أم لا، وخاصة أن أصوات جمهور أطراف الإطار التنسيقي تبلغ أكثر من مليونين ونصف المليون صوت، فيما أصوات فائزي تيار مقتدى هي حوالي نصف مليون صوت.
ويتوقف المحللون السياسيون عند ترحيبه بالسفارات الاجنبية (مغازلة مع السفارة الامريكية) ومعارضته للسلاح المنفلت حتى كان يوصف بأنه مقاوم للإحتلال (دعوة لإلغاء الحشد وغلق الباب بوجه فصائل المقاومة) وانتقاده لتدخل دولة جارة بنتائج الانتخابات (فسرها البعض بأنها ايران) وتأكيده على تعيين رئيس وزراء صدري قُح (أي؛ ليس توافقيا ولا مستقلا عن كل تيار وتنظيم كحل وسط).