تونس – روعة قاسم
أُقيمت ندوة فكرية في تونس العاصمة تحت عنوان ” سيف القدس خطوة حاسمة على طريق الغاء ومحو وعد بلفور”، نظَّمها مركز دراسات فلسطين والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية، وجرى تناول التحديات والمهام التي تواجه المنطقة منذ وعد “بلفور” وحتى اليوم، بحضور ثلة من الباحثين والمفكرين وبمشاركة دبلوماسيين وسفراء.
وجرى اختيار العنوان للتأكيد على أنَّ إلغاء ومحو وعد “بلفور” وتداعياته التاريخية على القضية الفلسطينية والمنطقة لا يتم إلا من خلال المسار النضالي الذي تبلورت خيوطه الرئيسية في معركة “سيف القدس”، لذلك كانت مسألة إنجازات “سيف القدس” ركن أساسي في الندوة .
معركة “سيف القدس”.. دروس وعبر
وتحدّث عضو المكتب السياسي لـ”الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” كايد الغول عن إنجازات معركة “سيف القدس” على المستوى الفلسطيني، بينما تحدّث رئيس مركز دراسات أرض فلسطين عابد الزريعي عن اشتباك المعركة بنظرية الأمن القومي الإسرائيلي في مفاصلها الثلاثة وهي التنبؤ الاستراتيجي والردع وتحييد الجبهة الداخلية عن الصراع . بينما تحدث سفير فلسطين بتونس عن أهم الاستراتيجيات الهامة في مواجهة العدو الإسرائيلي.
وأكَّد الزريعي لموقع “العهد الإخباري” أنَّ “الرؤى كلها قد تقاطعت حول مسألة أساسية وهي أنَّ هزيمة الكيان الصهيوني ودحره أمر ممكن اذا تعاملنا معه على أساس جملة الدروس التي سطّرتها معركة “سيف القدس” والتي جاءت استكمالًا لمواجهات عميقة مع الكيان الصهيوني منذ معركة تموز 2006 وبعد المعارك المتواصلة بين الكيان وقطاع غزة والتي أفرزت دروسا كثيرة وأساسية “.
شيباني: لا حل للقضية الفلسطينية إلا بالمقاومة
كما كانت مداخلة لسفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية بتونس محمد رضا رؤوف شيباني، الذي شدَّد على أنَّ وعد “بلفور” كان مؤامرة على الفلسطينيين وعلى كل المنطقة بأكملها، ونتائجه تجسدت في تأسيس كيان غير شرعي للصهاينة، مشيرًا إلى أنَّ “سيف القدس” محطة استراتيجية هامة ولها نتائج ايجابية ودروس عديدة.
ولفت شيباني إلى أنَّ “الدروس المستخلصة تؤكد أنَّ منهج المساومة لا يمكن أن يقود لأي انتصارات تاريخية على الكيان الصهيوني وبالتالي تصبح المقاومة خطًا رئيسيًا”، مشددًا على الموقف الإيراني الداعم للقضية الفلسطينية.
وأضاف: “شهد تاريخ فلسطين منذ البداية وحتى اليوم منهجين من داخل التيارات الفلسطينية ومن خارج فلسطين كالدول الداعمة للفلسطينيين واللاعبين الإقليميين. المنهج الأول هو الإيمان بإمكانية استعادة حق الشعب الفلسطيني عن طريق التسوية مع الكيان الصهيوني. أما المنهج الثاني، وفقا لمبدأ القوة الذي يسيطر على المنظومة الدولية، يعتبر السبيل الأنسب لتحرير فلسطين واستعادة حقوق الشعب الفلسطيني هو مقاومة السياسات العدوانية الصهيونية، المقاومة بجميع أنواعها، من المقاومة الثقافية إلى المقاومة المدنية والاقتصادية والشعبية والعسكرية”.
وتابع السفير الإيراني بتونس: “ما يظهره لنا واقع المشهد الفلسطيني منذ بداية القضية حتى يومنا هذا هو أنَّ طريق التسوية لم يحقق شيئًا سوى منح تنازلات أحادية الجانب من قبل المفاوض الفلسطيني وتفريطه في القضية المركزية، وثمرة هذا النهج المفاوض تمثلت في تقليص أرض فلسطين يوما بعد يوم. فيما نجح نهج المقاومة داخل فلسطين وخارجها في إجبار هذا النظام غير الشرعي على التراجع والفرار من مختلف المناطق. وخير مثال على ذلك هروب الصهاينة من جنوب لبنان و هزيمتهم في معركة تموز”، معتبرًا أنَّ “لجوء الكيان الصهيوني ومناصريه الإقليميين لممارسة أقصى ضغوط على محور المقاومة لهو خير دليل على فعالية هذا الأسلوب”.
وأوضح أنَّه “رأينا في عملية سيف القدس هذه الحقيقة من جديد حيث استمرت المقاومة لمدة اثنتا عشر يومًا تاركة إنجازات عديدة لمحور المقاومة وفلسطين العزيزة”، مشيدًا بالموقف الشجاع والمتقدم لقوى المقاومة الفلسطينية.
وأشار شيباني إلى أنَّ “هناك بعض الدروس التي يمكن أن نأخذها من هذه العملية المهمة وهي كالتالي: الدرس الأول، انه لا يوجد حل للقضية الفلسطينية وتحرير القدس الشريف إلا عن طريق المقاومة. مثلما أظهرت المقاومة فعاليتها في هذا المشهد، يجب الاعتراف بأن نهج المقاومة له تكلفة، ولكن تكلفة نهج التسوية أغلى بكثير من نهج المقاومة”.
وأضاف “الدرس الثاني فيتمثل في تغيير طبيعة تهديدات الكيان الصهيوني تجاه المقاومة في هذه العملية. إذ لم تعد تهديدات الكيان الصهيوني قضايا مادية للسلطة مثل مطالبات الأراضي والنزاعات الحدودية والنزاعات حول موارد المياه والطاقة والتشكيل العسكري للقوات وما إلى ذلك، ولكن تهديدات الكيان ضد المقاومة أصبحت تركز على قضايا أساسية مثل القيم وثقافة المقاومة. في هذه العملية وحتى في حرب تموز في لبنان أرادوا أن يلمحوا لمقاتلي المقاومة والحاضنة الشعبية لها أن المقاومة عديمة الجدوى و عليها تحمل تكاليف باهظة”.
أما فيما يتعلق بالدرس الثالث، قال سفير إيران بتونس: “عملية سيف القدس نجحت في رفع مكانة المقاومة في الرأي العام الفلسطيني، خاصة في الضفة الغربية والقدس الشريف وفلسطينيي الـثمانية والأربعين. وقد تم توضيح أفق وحدة الخط الفلسطيني بين غزة والضفة الغربية والقدس الشريف تحت عنوان استراتيجية التلاحم الفلسطيني التي طالما أكد عليها آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي، حيث شكلت هذه القضية مصدر قلق كبير للصهاينة”، معربًا عن اعتقاده أنَّ عملية التطبيع بعد عملية “سيف القدس” قد تراجعت بشكل كبير وتشوهت صورة المؤيدين الإقليميين للتسوية في الرأي العام العالمي.
أهمية بناء الوحدة الفلسطينية
بدوره، شدَّد نائب الأمين العام لـ”الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” أبو أحمد فؤاد على أهمية بناء الوحدة الوطنية الفلسطينية على أسس واضحة عنوانها الأساسي إلغاء الاعتراف بالكيان الصيهوني وإلغاء اتفاق “أوسلو” وبناء برنامج وطني فلسطيني مقاوم ومواجه للاحتلال بما يحتاجه من أدوات تنظيمية تستدعي إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطيني لكي تكون قادرة على تحمل هذه الأعباء.
كما ذكر فؤاد “مسألة مواجهة التطبيع وهذه مهمة ملقاة على عاتق فصائل حركات التحرر الوطنية، وذلك لمنع الكيان الصهيوني من محاصرة نهج المقاومة في المنطقة”.