د. علي دربج(*)
حتى الطبيعة لم تسلم من شرور السعودية وعبثها. اينما حلتّ عاثت فسادا وتخريبا. بصماتها التدميرية حاضرة في كل مكان، بدءا من العراق، مرورا بسوريا، ثم ليبيا، وصولا الى اليمن وانتهاء بلبنان، وحاليا تتفرغ لخوض معركة افشال جهود انقاذ المناخ.
نعم صدّق ان “مملكة الخير”، تتربص شرا بحياة البشرية، وتسير بعكس الاتجاه الدولي المستنفر هذه الايام في قمة “غلاسكو” للمناخ باسكتلندا، لتذليل العقبات والاتفاق على الحدّ من اسباب الاحتباس الحراري، الذي ينذر بالمزيد من الكوارث على مختلف الصعد الاقتصادية والبيئية والزراعية.
لطالما اتُهمت السعودية بلعب دور المفسد في محادثات المناخ، وهذا العام هي الدولة الرئيسية التي خصّها المفاوضون، الذين يتحدثون عنها على انفراد، فيما المراقبون، يجاهرون بالاشارة الى ما تفعله، يصب في خانة التخريب. ومع ان روسيا وأستراليا مرتبطتان بالسعودية في المحادثات، كدولتين تعتبران مستقبلهما معتمد على الفحم أو الغاز الطبيعي أو النفط، غير انهما تعملان على التوصل إلى اتفاق مناخي في “غلاسكو” لا يهدد ذلك.
غني عن التعريف، انه على الرغم من الجهود المبذولة لتنويع الاقتصاد، يمثل النفط أكثر من نصف عائدات السعودية، مما يبقي المملكة والعائلة المالكة واقفة على قدميها واستقرارها. كما انه لا يزال حوالي نصف الموظفين السعوديين يعملون في القطاع العام ، والنسبة الاكبر من رواتبهم تدفع من عائدات النفط.
وحتى يكون كلامنا مستند الى وقائع، فلنستعرض اجواء مؤتمر “غلاسكو”، وتصرفات ممثل السعودية هناك واضطراره الى مواجهة الهجمة على المملكة (وهذا يعني حتما انه لا دخان بدون نار).. واليكم التفاصيل:
بابتسامة مصطعنة تعلو وجهه وهو يسير في ممر القاعة المخصصة، لمحادثات الأمم المتحدة بشأن المناخ، اعرب وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان آل سعود، عن صدمته من الشكاوى المتكررة من أن أكبر منتج للنفط في العالم (اي الرياض) تعمل خلف الكواليس للتخريب على المفاوضات الجارية هناك.
قال عبد العزيز: “ما تسمعونه هو ادعاء كاذب وخداع وكذبة كبيرة”. وكان يجيب على اسئلة الصحفيين الذين يضغطون عليه، من أجل تقديم اجوبة مقنعة ردا على اتهامات بأن المفاوضين السعوديين يعملون على عرقلة التدابير المناخية التي من شأنها تهديد الطلب على النفط.
واضاف: “لقد كنا نعمل بشكل جيد” مع رئيس محادثات المناخ في الأمم المتحدة وآخرين”. والكلام لوكالة “الاستوشيتد برس”.
للعلم، فإن المفاوضين من حوالي 200 دولة على موعد نهائي في نهاية الأسبوع الحالي، للتوصل إلى إجماع حول الخطوات المقررة لخفض انبعاثات الوقود الأحفوري في العالم ومكافحة تغيّر المناخ.
لكن ما هو الدور الذي تلعبه المملكة لتوجّه اليها تهمة التخريب هذه؟ .. فلنكتشف الاجابة.
يرى حاضرون في القمة، ان مشاركة السعودية في محادثات المناخ نفسها، تبدو غير ملائمة. المملكة أصبحت غنية وقوية بسبب النفط المشارك في المفاوضات حيث القضية الأساسية هي الحد من استهلاك النفط والوقود الأحفوري.
لكن القصة ليست هنا، بل قول المملكة الشيء ونقيضه. كانت السعودية على ما يرام بالانضمام إلى حُمى تعهد الحكومات بالمناخ قبل المحادثات. أعلن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الفترة التي سبقت انطلاق الرحلة إلى “غلاسكو”، أن الرياض ستتخلص من انبعاثات الكربون بحلول عام 2060.
وبينما تعهدوا بالانضمام إلى جهود خفض الانبعاثات في الداخل، أوضح القادة السعوديين أنهم يعتزمون ضخ وبيع نفطهم طالما استمر الطلب.
ليس هذا فحسب، قدم فريق السعودية في “غلاسكو”، مقترحات تتراوح بين دعوة لإنهاء المفاوضات ـ غالبًا ما تمتد حتى ساعات الصباح الباكر ـ عند الساعة 6 مساءً من كل يوم (وفقا لاسوشيتد برس)، وهو ما عدّه قدامى خبراء التفاوض بشأن المناخ “أنها جهود معقدة للعب الفصائل القطرية ضد بعضها البعض بهدف منعها من الاتفاق على خطوات صعبة لانتزاع العالم من الفحم والغاز والنفط”.
وتعليقا على ذلك، قالت جنيفر تولمان، المحللة في “E3G”، وهي مؤسسة أوروبية للأبحاث المناخية، “هذا هو اقتراح السعوديين، بالمناسبة إنهم مثل: دعونا لا نعمل في الليالي ونقبل فقط أن هذا لن يكون طموحا، عندما يتعلق الأمر بالتخفيضات السريعة في تلوث الوقود الأحفوري الذي يدمر المناخ”. واضافت تولمان إنه “إذا أرادت دول أخرى الاتفاق مع السعودية، فيمكن عندها إلقاء اللوم على المملكة”.
السلوك السعودي الهدّام ولّد غضبا كبيرا على المملكة من قبل شخصيات عالمية. نبدأ بـ”ماري روبنسون”، الرئيسة السابقة لـ”ايرلندا” ورئيسة “مجموعة من كبار القادة السياسيين المعنيين بالمناخ”. روبنسون اختنقت عندما قالت لشبكة “سكاي نيوز” إن “السعودية تلعب “ألعابا قذرة” وتسعى إلى إخراج أجزاء حاسمة من النقاشات الهادفة الى بناء توافق آراء في مشاريع الاتفاقات التي يسعى للوصول اليها خلال المحادثات”.
وهناك ايضا “جينيفر مورغان”، المديرة التنفيذية لمجموعة “غرينبيس” البيئية، التي رأت إن الحكومات الأخرى بحاجة إلى “عزل الوفد السعودي” إذا كانوا يريدون أن ينجح مؤتمر المناخ”.
ونصل الى “ألدن ماير”، الزميل الأول في مجموعة أبحاث المناخ “E3G”، الذي وصف دور المملكة في مناقشات المناخ العالمية: بانه “عار وساخر”.
عند التدقيق في التوجه السعودي في القمة، نجد انه، ليس وليد اللحظة، بل اتى عن سابق تصميم واصرار، وخصوصا ان القادة السعوديين كانوا تعهدوا لسنوات، بضخ آخر نقطة من النفط من مملكتهم قبل أن ينتهي الطلب العالمي ـ وهو هدف قد يحبطه التحول العالمي السريع من الوقود الأحفوري ـ وهنا نستحضر المثل التالي: اذا عُرف السبب بطل العجب”.
ضع في حسابك ان السعودية، دائما، لا تقيم وزنا لاي قانون، وتضرب بعرض الحائط النظم الدولية، ظنا منها ان الرُشى التي توزعها يمينا وشمالا، تخولها خرق الاجماع الدولي حول قضية اساسية في المحادثات الجارية، والتي لفت اليها العلماء والأمم المتحدة، وهي ان العالم أمامه أقل من عقد من الزمن لخفض الوقود الأحفوري والانبعاثات الزراعية بمقدار النصف تقريبًا، إذا أراد تجنب المزيد من السيناريوهات الكارثية لظاهرة الاحتباس الحراري”.
وعليه ليس من المستغرب، أن الدول الجزرية التي ستختفي تحت المحيطات المرتفعة عند مستوى أعلى من الاحترار، هي الكتلة في “غلاسكو” التي تضغط بشدة من أجل الصفقة الأكثر صرامة من هذه القمة.
بالمقابل، يتهم دعاة المناخ الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالفشل حتى الآن في إلقاء ثقلهما وراء مطالب الدول الجزرية، على الرغم من أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي غالبًا ما ينتظران من سيخرج من محادثات المناخ نهاية الاسبوع الحالي لاتخاذ مواقف صارمة بشأن النقاط التي تمت مناقشتها.
المثير للسخرية، ان الولايات المتحدة، لا تتخلف عن السعودية لجهة اسهامها في الاحتباس الحراري ــ وان كانت امريكا شعرت بنوع من المسؤولية نتيجة الكوارث الطبيعية التي المت بها، بعكس الرياض الماضية في غيّها ودورها التخريبي ــ فواشنطن تُعد أسوأ ملوث مناخي في العالم تاريخياً ومنتج رئيسي للنفط والغاز ـ تتعرض للكثير من الانتقادات في حد ذاتها. شجبت “شبكة العمل المناخي” إدارة بايدن من خلال منحها جائزة “أحفورة اليوم” للرئيس جو بايدن لمجيئه إلى “غلاسكو” الأسبوع الماضي بحديث مناخي طموح، لكنه فشل في الانضمام إلى تعهد بفطم بلاده عن الفحم أو كبح جماح إنتاج النفط الأمريكي.
وليس بعيدا عن ذلك، هناك الصين، التي يجعلها اعتمادها على الفحم من أكبر ملوث مناخي في العالم حاليًا. توضح بكين إنه “لا يمكن أن تتحول إلى طاقة أنظف بالسرعة التي يقولها الغرب”، على الرغم من أن الولايات المتحدة والصين تعهدتا بشكل مشترك بتسريع جهودهما لخفض الانبعاثات.
في المحصلة، ان ما اقدمت عليه السعودية في اسكتلندا، ليس بالامر المستهجن، فهي لطالما اخذت على عاتقها القيام بالادوار التخريبية في اكثر من منطقة في العالم، وما فعلته في قمة المناخ لن يكون آخرها. ويبقى السؤال، هل ستنتصر دبلوماسية الشيكات السعودية في “غلاسكو” مجددا، ام ستُلجم عن مواصلة المساهمة في تدمير الطبيعة. برأينا، ان من لا يتورع عن قتل الاطفال، ولا يرف له جبين، فهل سيرأف بالمناخ. واليمن يشهد.
(*) باحث ومحاضر جامعي