شارل أبي نادر
نعيش اليوم إحدى أخطر المراحل التي قد تفوق بخطورتها مرحلة الحروب والمعارك العسكرية. حساسية وأهمية ما نعيشه أن الأميركيين ومن هم مرتهنون أو منقادون لهم، وما أكثرهم، يلعبون لعبة خبيثة من خلال الالتفاف على نتائج الانتصارت العسكرية والميدانية أو ذات الطابع الاستراتيجي، عبر مناورة اسقاط نفوذ وسلطة مكونات محور المقاومة في كل دولة من دول المحور، عن طريق ما يسمونه الاستحقاقات الديمقراطية أو الانتخابات النيابية بهدف الحصول على أغلبيات سياسية، تدير السلطات بعنوان وغطاء دستوري لتحويل قرار دول محور المقاومة باتجاه تحقيق الأهداف التي عجزوا عنها عبر المواجهات العسكرية.
خطورة هذه المناورة أنها قامت وتقوم على زعزعة الثقة بقادة محور المقاومة السياسيين ومن ورائهم العسكريين، من خلال ضرب المجتمع وتقليب الرأي العام على تلك القيادات، عبر الضغوط المالية والاقتصادية الضخمة، والتي تعجز أقوى المجتمعات عن مواجهتها، حيث يملك الأميركيون والمرتهنون لهم الكثير من وسائل الضغط المالي والاقتصادي، وبغطاء وتوجيه اعلامي ضخم، مدعوم بتمويل غير طبيعي.
طبعًا، المعركة غير سهلة، فهي تدخل الى كل بيت وكل مجتمع وكل دولة لإحداث تغيير دستوري، للأهداف التالية:
– نقل السلطة إلى فئة موالية، وعلى الأقل انتزاع الأغلبية أو القدرة النيابية المرجحة، الى فئة موالية.
– نقل القرار السياسي الرسمي الى فئة مطواعة، تذهب وفي غالب الاستحقاقات الاستراتيجية، نحو الانصياع الكامل للأجندة الأميركية، وذلك في العناوين التالية:
التطبيع مع العدو الاسرائيلي.
التسوية مع العدو، بعد التنازل عن الحقوق الأساسية في المقدسات والأراضي في فلسطين أو الأراضي التي ما زالت محتلة في سوريا ولبنان.
الرضوخ في موضوع اللاجئين الفلسطينيين. والرضوخ لمخططات تجنسيهم في تلك الدول المستهدفة.
الرضوخ أيضًا في موضوع النازحين السوريين. وعرقلة استراتيجية الدولة السورية تجاههم بما يقوي مناورة الضغط.
بخصوص لبنان، ما يجري من حراك إقليمي ودولي في محاولة إحتواء الانتخابات النيابية المرتقبة والسيطرة على نتائجها، يتجاوز البعد الديمقراطي المرتبط بانتخاب مجلس نيابي لبناني جديد تنبثق منه سلطة جديدة تغيّر أو تطور مسار الحركة السياسية الحالية والتي تُجمع أغلب الأطراف في الداخل أو في الخارج، ومهما كانت توجهاتها السياسية، على أنها (السلطة الحالية) مسؤولة بشكل مباشر عن الإنهيار الذي وصل إليه لبنان.
ما يجري بالتحديد في هذا الإطار، يمكن وضعه في خانة استهداف حزب الله عبر استهداف موقعه السياسي (الرسمي والشعبي)، من خلال العمل لتخفيض عدد نواب كتلته أو عدد نواب حلفائه الذين يشكلون جبهة سياسية مقبولة تقارب الأغلبية في ما خص الملفات السيادية، والتي تعني الخارج الإقليمي أو الدولي.
مناورة الخارج هذه باستهداف موقع حزب الله السياسي والشعبي جاءت بعد عجزه عن استهدافه بالطرق الأخرى العسكرية والأمنية والاعلامية، وذلك خلال مسار طويل عبر اتجاه عسكري وأمني قادته “إسرائيل” من خلال حروب أو عبر استهدافات إرهابية واغتيالات أو محاولات اغتيال، أو من خلال التصويب السياسي والاعلامي من قبل عدة أطراف محلية وإقليمية ودولية، على سلاحه الردعي واعتباره غير شرعي، وحيث كان لأطراف داخلية دور أساسي في هذه المناورة من باب الارتهان طبعًا، وليس من باب القرار الحر، أجمع هؤلاء جميعًا على الانخراط في حرب إستهدافه عبر الإنتخابات النيابية، وذلك تحت العناوين التالية:
أولًا: في الموضوع الاقتصادي والمالي. تعرض لبنان وما يزال لحرب اقتصادية شرسة قامت بأساسها على استهداف عملته الوطنية، بتواطوء خبيث من قبل مؤسساته المصرفية الخاصة ومن قبل مصرف لبنان، فانهارت الليرة أمام الدولار بشكل غير مسبوق، واعتكفت كل الجهات الخارجية الاقليمية والدولية عن تقديم المساعدة المالية المباشرة، كما يحصل عادة مع كل دول العالم التي تتعرض لهذا الانهيار، وجاهرت كل هذه الجهات، بشكل واضح وصريح، بأن مفتاح الحل أو باب المساعدة، يرتبط بانهاء نفوذ حزب الله السياسي والعسكري، وأن المطلوب من اللبنانيين، العمل على تقويض هذا النفوذ لحزب الله من خلال إضعاف موقعه السياسي قدر الإمكان، وطبعًا المقصود عبر الإنتخابات النيابية المرتقبة.
ثانيًا: تسعير الحرب الخارجية على حزب الله في دول الإنتشار كافة، من خلال تهديد المغتربين اللبنانيين في أعمالهم وأرزاقهم، بوجوب الإبتعاد عن حزب الله، وعن دعمه ماليًا أو سياسيًا، والأخطر من ذلك، توسيع مسلسل اتهامه بأنه حركة ارهابية، مثلما حصل في اوستراليا مؤخرًا، والهدف دائمًا، إجبار اللبنانيين في الخارج أو المرتبطين بهم في الداخل، على انهاء تأييدهم لحزب الله وقطع أي تواصل مالي أو حتى اجتماعي معه، وطبعًا سياسي انتخابي.
ثالثًا: وهنا كانت المناورة الاخبث والأخطر، عبر عرقلة وتأخير إصدار التقارير الفنية المتعلقة بكيفية حصول انفجار مرفأ بيروت، بتدخلات أميركية مباشرة في توجيه عمل المحقق العدلي في القضية، وحيث ترافقت هذه العرقلة لنشر هذه التقارير الفنية، مع حرب إعلامية وسياسية غير مسبوقة، قامت على بث إشاعات ودسائس وتركيبات، تتهم حزب الله بدور رئيسي في التسبب بانفجار المرفأ، عبر مسؤوليته في إدخال النيترات التي انفجرت والعمل على سحبها تباعًا، أو في مسؤوليته من خلال استعماله العنبر كمخزن لصواريخ وقذائف، دفع بـ”اسرائيل” الى قصف العنبر والتسبب بالانفجار الكارثي الذي أصاب المرفأ وبيروت.
من هنا، يمكن استنتاج شكل هذه الحرب التي تشن من قبل مروحة ضخمة من الأطراف الداخلية والخارجية على حزب الله، بهدف إسقاطه وحلفائه في الإنتخابات النيابية المرتقبة، فهل ينجح هؤلاء في هذه الحرب المرتقبة في وقت الذي فشلت كل محاولات هم السابقة؟ أم هل يستسلمون بعد نهاية معركة الإنتخابات وفوز حزب الله وحلفائه كما هو مقدر وبنسبة كبيرة؟
لن يطول الوقت كثيرًا لتبيان أي من هذين الإحتمالين سوف يكتب لها النجاح، مع الإشارة إلى أن بوادر نجاح الاحتمال الثاني (فوز حزب الله وحلفائه) بدأت تظهر، على الأقل من خلال الشرذمة والتوتر التي تسود أوساط الأطراف التي تبرعت أو ارتهنت للانخراط في هذه المواجهة الحامية.