د. علي مطر
يسعى كيان العدو منذ احتلاله فلسطين للدخول إلى القارة الإفريقية، ولا سيما إلى الدول العربية الواقعة فيها، وتطبيع العلاقات معها، لأسباب متعددة على رأسها الإضرار بالأمن القومي العربي، ومن هنا يمكن فهم عودة التوتر والنزاع المغربي الجزائري.
ومن أبرز أهداف “إسرائيل” في سعيها إلى التغلغل في دول المغرب العربي، أن “تل ابيب” تريد تأمين أمنها الإقليمي وخصوصا في بعده الأفريقي، وكسر العزلة وكسب الشرعية الدولية، كذلك هي تسعى إلى تحقيق مكاسب اقتصادية في منطقة مليئة بالثروات.
لقد وضع الكيان الصهيوني افريقيا هدفًا إستراتيجيًا، خاصةً أمام ما يعتبره سهولة وإمكانية التسرّب إلى دولها دون عناء كبير. ويزداد التركيز الإسرائيلي على التطبيع مع دول هذه القارة في الآونة الأخيرة، خاصةً الدول العربية في شمال افريقيا، حيث بدأ التمهيد للدخول من خلال التطبيع مع المغرب التي كانت تدعي سابقاً الوقوف إلى جانب القضية الفلسطينية، ومن ثم محاولة حصار من يرفض التطبيع كالجزائر أو تونس.
وتريد “إسرائيل” جعل شمال افريقيا بوابة لها، وفتح خط تطبيعي مع الكيان الإسرائيلي لتعبر منه بين آسيا وافريقيا، حيث إن مثل هذه الاتّفاقيات الثنائية سترسّخ العلاقات مع السعودية والإمارات والبحرين والأردن ومصر.. والمغرب، ما يعطي مبرراً لحكومات عربية أخرى تريد الدخول في هذا المسار.
لقد بدأت العلاقات المغربية الإسرائيلية على مستوى منخفض عام 1993، بعد توقيع اتفاقية “أوسلو” بين منظمة التحرير الفلسطينية و”كيان الاحتلال”، لكن الرباط جمدت تلك العلاقات عام 2002، في أعقاب اندلاع الانتفاضة الفلسطينية.
منذ عام 2018، كان المغرب من الدول المتوجهة بقوة لتوقيع اتفاقات تطبيع مع “إسرائيل”، في إطار خطة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وهذا ما حصل في 10 كانون الأول/ ديسمبر 2020، وما تلا ذلك من اتفاقيات موقعة بين الطرفين.
وفيما قام الطرفان ( المغرب وكيان العدو) بالتطبيع بمباركة أمريكية، بعد اعتراف الولايات المتّحدة بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، وإطلاق عنان الاستثمارات، جذبت السياسة المغربية الأضواء في ظل التوتّرات المتزايدة مع الاتّحاد الأوروبي والتقارب مع “إسرائيل” والانخراط في عملية السلام الليبية وإدخال العنصر الإسرائيلي على خط الأزمة.
واستكمالاً لذلك وقع المغرب و”إسرائيل” عبر وزير حربها بني غانتس، اتفاقاً جديداً يمهد الطريق لمبيعات وتعاون عسكري بين البلدين اللذين رفعا مستوى علاقاتهما الدبلوماسية، وتشمل الاتفاقية تعاونًا في المجالات الأمنية والاستخباراتية، تقضي بعقد صفقات أمنية وبيع معدات أمنية وعسكرية وإجراء تدريبات مشتركة.
تأتي زيارة غانتس إلى المغرب في وضع إقليمي متأزم، حيث أعلنت الجزائر في آب/ أغسطس المنصرم قطع علاقاتها مع الرباط بسبب “أعمال عدائية”، حيث تشهد العلاقات بين البلدين العربيين الجارين توتراً غير مسبوق في تاريخهما الحديث، خاصة على خلفية قضية الصحراء الغربية، وقيام المغرب بالاعتداء على جزائريين.
ورغم نفي الرباط تلك الاتهامات، إلا أن الأزمة تصاعدت وصولاً إلى القطيعة التامة، وتم إيقاف تشغيل الخط الذي ينقل الغاز الطبيعي من الجزائر إلى أوروبا عبر الأراضي المغربية. وبالإضافة إلى مسألة الصحراء الغربية، هناك عاملان أساسيان في الأزمة هما الحضور الإسرائيلي الذي يهدد أمن الجزائر انطلاقاً من المغرب، بالإضافة إلى أن معظم الدول العربية دخلت في مسار تطبيعي وفي خلافات بينية تبعدها عن حل الأزمات العربية.
ولا يمكن للمتابع أن يتجاهل أن التطبيع المغربي ـ الإسرائيلي، يأتي في توقيت مريب يتزامن مع الأزمة بين المغرب والجزائر، وهو ما تعتبره الأخيرة رسالة لها، وتقوم على ركيزتين التجسس والتصعيد الأمني والعسكري، خاصة أن الجزائر على عكس المغرب دائماً ما كانت مساندة للشعب الفلسطيني ولقضية الأقصى وحقوق الفلسطينيين، ولا يمكن استبعاد أن تكون الجزائر قلقة من استغلال “إسرائيل” علاقاتها مع المغرب للتغلغل في إفريقيا بما يؤثر سلباً على المصالح الجزائرية بإطارها الواسع، ومن هنا يمكن تفهّم رفض عضوية إسرائيل كعضو مراقب في الاتحاد الإفريقي وقيادة الجزائر الجهود لإلغائها.
يعتبر الجزائريون اليوم أن بلادهم مستهدفة وأن هناك مساع لضرب استقرار المنطقة، وربما تدخل دول المغرب العربي في دائرة الاضطرابات وعدم الاستقرار، فيما يسعى كيان العدو ليكون الرابح الأبرز من عملية التطبيع، حيث ستؤمن له المزيد من الاستثمارات الاقتصادية، فضلاً عن تأمين غطاء عربي أوسع لاحتلاله وجرائمه بحق فلسطين، وتأمين مجاله الحيوي وأمنه القومي.
مجدداً هو حصان طروادة الصهيوني يحاول اختراق وحدة المغرب العربي وموقف أهله من القضية المركزية، لتٌترك فلسطين وحيدة دون دعم.. لكن التاريخ سيشهد أن بلد قدم مليون شهيد في مواجهة الاستعمار لن يجلس مكتوف الأيدي ويترك اخوانه تحت رحمة الاحتلال الصهيوني.