الوقت – مع حلول فصل الصيف، أصبحت أزمة توفير الكهرباء للمرافق العامة مرةً أخرى أكبر مشكلة للحكومة والجهات الحكومية في مختلف المحافظات العراقية.
وفي الوضع الجديد، نرى أن أعداء العراق حكومةً وشعباً قد وضعوا على جدول أعمالهم تدمير مرافق نقل الطاقة في مختلف المحافظات العراقية. حيث دمرت فلول تنظيم داعش الإرهابي مؤخرًا 61 برجًا للكهرباء، ما أدى إلى مقتل سبعة وإصابة آخرين.
وفي هذا الصدد، أفاد مسؤولون عراقيون، في الأيام الماضية، بتفجير عدة أبراج كهرباء في محافظات ديالى وكركوك ونينوى والأنبار وصلاح الدين. وبعد هذه الأحداث، أمر رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي القوات الأمنية بتشكيل قيادة عمليات مشتركة ضد المخربين والإرهابيين.
كما أفادت مصادر أمنية بأن الكاظمي قد أصدر أوامر باستخدام طائرات مسيرة لحماية أبراج الكهرباء في البلاد. والنقطة الأخرى الملفتة للنظر هي أنه في خضم هذه الأحداث، استقال وزير الكهرباء ماجد حنتوش، وأحمد خيري مدير عام الشركة العامة لنقل الطاقة الكهربائية.
وفي ظل كل هذه الأحداث، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو، ما هي أهداف داعش من الهجمات الأخيرة على أبراج الكهرباء في العراق؟
“حرب الكهرباء” بهدف خلق أزمات محددة
على عكس ما كان متوقعاً في بداية عام 2003، لم يشهد العراق الاستقرار منذ سقوط النظام البعثي فحسب، بل واجه دائمًا سلسلةً من الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية المختلفة.
في غضون ذلك، كانت إحدى الأزمات الرئيسة التي تواجه الحكومة تتعلق بمسألة توفير الكهرباء التي يحتاجها المواطنون. وقد أصبحت هذه المسألة مهمةً للغاية بالنسبة للمواطنين العراقيين في السنوات الأخيرة، لدرجة أن أحد الأسباب الرئيسة للاحتجاجات الواسعة في مختلف المحافظات العراقية كان موضوع إمدادات الكهرباء، ويمكن رؤية أهم مظاهر هذه القضية خلال احتجاجات 1 أكتوبر/تشرين الأول 2019.
مع وضع هذا في الاعتبار، يبدو في ظل الظروف الجديدة أن تنظيم داعش الإرهابي، الذي فقد القدرة على تنظيم عمليات ميدانية واسعة النطاق نتيجة العمليات المختلفة للجيش وقوات الحشد الشعبي، ويجد نفسه عاجزاً عن مواجهة الجيش العراقي والقوات الأمنية، وخاصةً أبطال الحشد الشعبي، وضع موضوع الكهرباء کنقطة محورية لضرب الحكومة العراقية وخلق حالة من عدم الاستقرار، لاستعادة سلطته.
حاليًا يتم استهداف أبراج نقل الكهرباء من قبل إرهابيي داعش في المناطق النائية البعيدة عن وجود قوات الأمن في محافظات مثل ديالى وكركوك وصلاح الدين.
يبدو أن فلول تنظيم داعش الإرهابي في هذه المحافظات ينفذون هجمات مخططة لاستهداف خطوط نقل الكهرباء للتعبير عن وجودهم وتعزيز معنوياتهم، بهدف الضغط على الحكومة العراقية وإيذائها واشتداد استياء أبناء هذا البلد من أوضاعهم.
في الوضع الجديد، من ناحية يعتزم داعش من خلال استهداف أبراج نقل الكهرباء إعادة خلق الأزمات وبدء الاحتجاجات في مختلف المحافظات العراقية، وتحقيق أهدافه عبر اختراق المتظاهرين في الإضرار بالممتلكات العامة وتوجيه الاحتجاجات في اتجاه معين.
ومن ناحية أخرى، يسعى داعش إلی الإثبات لأعضائه ومؤيديه أنه لا يزال لديه القدرة على الاستيلاء على السلطة وتوجيه الضربات للحكومة المركزية العراقية.
باسم داعش، ولکن لمصلحة الولايات المتحدة
على الرغم من أن داعش هو الفاعل الرئيسي للهجمات على أبراج الكهرباء في العراق بأهداف محددة سلفًا، إلا أن الحقيقة هي أن هذه المجموعة الإرهابية وحدها ليست قادرةً على القيام بمثل هذا العمل بشكل مستقل. ولذلك، يمكن الكشف عن دور الفاعل الأكثر أهميةً وراء هذه القضية، وهو الولايات المتحدة الأمريكية.
هناك أمران مهمان فيما يتعلق بالكهرباء والولايات المتحدة. أولاً، في جميع السنوات التي تلت عام 2003، أوقفت هذه الدولة أي مشاريع أو أعمال تهدف إلى إمداد العراق بالكامل بالكهرباء.
في الواقع، عارضت الولايات المتحدة أي تطوير حقيقي لنظام الکهرباء في العراق منذ عام 2003، وأوقفت نشاط الشركات الألمانية ودول أخرى. وكل هذا يشير إلى أن واشنطن تضغط من أجل استمرار مشاكل 40 مليون عراقي.
حتى أن هناك أدلةً على أن الولايات المتحدة أعاقت جهود الحكومة العراقية لتلبية احتياجاتها من الكهرباء من الأردن ومصر ومجلس التعاون.
وعلى المستوى الثاني، استخدمت حكومة الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة استراتيجية خلق وإدامة الأزمات في العراق كوسيلة للبقاء في هذا البلد.
إذ يدرك المسؤولون في واشنطن جيدًا أنه بعد قانون طرد القوات الأجنبية من العراق في 5 يناير 2020، لا مكان لهم في مستقبل العراق ويجب عليهم مغادرة البلاد. ولذلك، في الوضع الحالي، يحاولون استخدام كل الوسائل لخلق الأزمة في العراق، من أجل تمهيد الطريق لبقائهم في هذا البلد.
وفي هذا الصدد، مهَّد الأمريكيون مؤخرًا الطريق لدخول قوات داعش إلى العراق بقصف مواقع الحشد الشعبي في المناطق الحدودية مع سوريا، لتتعرض بهذه الطريقة شبكة الكهرباء العراقية للهجوم.