مما لا شك فيه بأن الاختلاف بالعام سيما الثقافي والفكري يفتح الباب امام العقل ليضع الكثير من التساؤلات والاشكاليات، والتي تحفزه للابتكار، لإن التنوع والتعدد بالطروحات المعرفية يفسح المجال للإنفتاح والتفكير خارج الصندوق.
نسرين نجم ، اختصاصية في علم النفس الاجتماعي
والمقصود بالصندوق الافكار والمبادىء غير المنطقية واللاعقلانية المهترئة والبعيدة كل البعد عن جوهر الدين، والتي تحولت عبر الزمن الى ثقافة متوارثة لا بل الى عرف مقدس دون التأكد من صحة ما تحويه من معلومات وافكار ودون مقاربتها وارجاعها للمنابع الاساسية في ثقافتنا الاسلامية التي تعتبر المنهل الرئيس للتفكر والتفكير، والتي تصنع انسانا مثقفًا عارفًا ملمًا بأغلب العلوم، فمن يقرأ القرآن الكريم قراءة دقيقة ومنهجية يجد فيه الكثير من الثقافات ولآلىء المعرفة وجواهر العلم.
لذا يأتي الاختلاف في الثقافة ضرورة للتلاقح الفكري والمعرفي سيما عند جيل الشباب، ولكن بشرط ان يكون متينًا بثقافته الحقيقية لا الثقافة المتوارثة. اذن عندما تكون لدينا هذه المناعة وهذه الحصانة الثقافية نستطيع ان نتعرف على بقية الثقافات ونأخذ منها ما يناسبنا ونتبادل مع الآخر ما يفيد المنظومة الكونية الانسانية، والتي نحن الآن بأمس الحاجة اليها نتيجة التغييرات المتسارعة على كافة الاصعدة، والحروب التي لا تهدأ بكافة عناوينها.
وهنا لا بد من الاشارة الى ان المقصود بالثقافة لا يعني قراءة كتب “ديستوفيسكي” او “اوسكار وايلد” او “كافكا”، او تحليل الابيات الشعرية للفرزدق وابو الطيب المتنبي، واستخدام مصطلحات عميقة لغويا، لا وألف لا هذا التصور الخاطىء للثقافة هو الذي دفع العديد من الشباب لان يكونوا بحالة رفض او نزاع وخلاف مع الثقافة، وتوجهوا الى بناء ثقافة استهلاكية مادية غرائزية بعيدة كل البعد عن المعنى الحقيقي للثقافة القائم على الاخلاقيات والسلوكيات والانسنة والتصالح مع الذات، والى استثمار الطاقات والقدرات والكفاءات في الامكنة المناسبة… وللاسف اغلب المجتمعات العربية والاسلامية لم تعط اهمية لموضوع الثقافة، لا بل اعتبرته ترفًا فكريًا ، وسوقوا بأن من يعارض ثقافتهم المبنية على مفاهيم خاطئة كما ذكرنا سابقا سيهمش من بيئته ومجتمعه، وهنا الطامة الكبرى فمن جهة لم يعززوا الثقافة الحقيقية الانسانية بمعانيها وعناوينها المتنوعة لدى الشباب، ومن جهة اخرى اعتبروا ان اي خلاف مع “تابو” ثقافاتهم يعتبر امرا مدسوسا شيطانيا…. مما دفع بأغلب الشباب الى النفور الثقافي، الامر الذي تلقفه الغرب سيما الاستعماري منه فرمى شباكه بأسلوب ناعم ولطيف براق رنان دس فيه السم بالعسل، ووصل من خلاله الى ما يسمى الحرب الناعمة القائمة على زعزعة القيم، وسلخ الشاب عن مجتمعه عن دينه عن محيطه، عن انسانيته، ليكون اداة طيعة لينفذ سياساتهم بطريقة او بأخرى.
الأمر الذي تنبه له منذ عقود علمائنا الاجلاء سيما روح الله الموسوي الخميني (رض) فقال:” بمقدور الجامعات كأحد ابرز المعالم الثقافية في المجتمع ان تغمر العالم بالنور إن قرنت التعليم بالخلق الإنساني، وبمسايرة الفطرة الانسانية، واذا فصلنا العلم والتخصص عن الاخلاق والتهذيب والوعي والالتزام، فإن ذلك يؤدي الى بروز مفاهيم وأفكار غريبة علينا تجتاحنا من الغرب والشرق، وتنقض على قيمنا وعقائدنا وافكارنا”.. وبمكان آخر يحذر وينبه بأنه:” نحن لا نخشى المحاصرة الاقتصادية، ولا نحشى الغزو العسكري، خوفنا من التبعية الثقافية، خوفنا من الجانعة الاستعمارية، نخاف من جامعة تربي شبابنا بشكل يجعلهم في خدمة الغرب”… لذلك اعتمد خطابا تربويا اجتماعيا اخلاقيا انسانيا واضحا صريحا بطبيعته وجوهره ومضمونه قريبا من عقول وقلوب الشباب.
واعتماد هذا النوع من التثقيف عبر خطاب ثوروي واع عقلاني منذ عقود في الجمهورية الاسلامية، والذي تجلى بشكل واضح في الخطاب الاخير قبل الانتخابات الايرانية لسماحة السيد الخامنئي (دام ظله الشريف) اتى بنتائج ملفتة ابهرت لا بل ادهشت العالم بثقافة الايراني الوطنية وبإلتفافه حول قائده، وبثقافة التعلق بقيم الثورة ومكتسباتها والحفاظ عليها، فلبى نداء سماحته، وكان اقتراع الناخبين عبرة لمن اعتبر ورسالة بغاية الاهيمة سيما لدول الاستعمار التي حاولت وعلى مدى اشهر طويلة ان تزعزع هذه العلاقة بين الشعب والسيد القائد، وحتى بين مكونات الشعب، فأتى كثافة الاقبال على الاقتراع ونتائج الانتخابات صفعة مدوية لمحور الشر، خاصة ان من ترأس الجمهورية الاسلامية السيد ابراهيم رئيسي شخصية معروفة بحزمها وصدقها وانتمائها الاصيل لخط الثورة، وهو يسعى لتشكيل حكومة كما قال ثورية شبابية، وهي خطوة بالغة الاهمية خطوة اشراك الشباب في مفاصل الحكومة الامر الذي يعزز ويقوي الجمهورية، فهؤلاء تربوا ونهلوا من معين ثقافة الامام الخميني (قده) ومن الشهداء القادة، وهم الاوفياء لدماء الشهداء سيما الشهيد الكبير الحاج قاسم سليماني.
الاختلاف في الثقافات لا يفسد في المعرفة قضية، بل ما يفسدها هو التعصب والجهل والعناد اللاثقافي.