شارل ابي نادر
لم يكن الخبر الذي تداولته مؤخرًا أكثر من وسيلة اعلامية اقليمية ودولية عن نصيحة أميركية للسعودية بوجوب الاقتناع بالواقع الجديد حول خسارتها الحرب على اليمن، بداية وفي نظر الكثير من المتابعين يحتمل الصِحة، حيث تعوّدت هذه الأوساط المتابعة وخلال ست سنوات من الحرب على اليمن، على المناورات الإعلامية الأميركية، والتي دائما كانت فاقدة للمصداقية، وتهدف الى خداع اليمنيين والرأي العام الإقليمي والدولي. ولكن ما حصل لاحقًا، من قرار أميركي قضى بسحب عدد كبير من بطاريات الدفاع الجوي من المنطقة، وبالتحديد من السعودية التي نالها القسم الأكبر من فقدان تلك المنظومات، وخاصة منظومة “ثاد” الأكثر تطورًا، يدفع بهؤلاء المتابعين الى إعادة تصديق خبر النصيحة الأميركية المذكورة.
حساسية القرار الأميركي حول سحب أو (تقليص) منظومات الدفاع الجوي من الشرق الأوسط، كان مفاجئا للمملكة، فوزير الحرب الاميركي لويد اوستن أبلغه إلى ولي العهد السعودي قبل فترة قصيرة من بدء التنفيذ، وهي فترة لم تكن كافية بتاتًا لإعطاء وزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان الوقت المناسب لاتخاذ الإجراءات الكفيلة بتعويض فقدان هذه المنظومات، والتي كانت تغطي مساحة كبيرة من الرياض ومحيطها حيث القصور الملكية تنتشر بشكل واسع.
صحيح أنه جاء من ضمن التبريرات الأميركية المعلنة لقرار تخفيض منظوماتها للدفاع الجوي ضد الصورايخ والمسيرات من المنطقة “دعم استراتيجية واشنطن الجديدة بتفعيل المواجهة ضد الصين وروسيا”، وأن “اغلب المنظومات المسحوبة من الشرق الاوسط سوف يعاد نشرها في مناطق تخدم تلك الاستراتيجية”، الا أن هناك أسبابًا أخرى ساهمت بهذا القرار، وإلّا، كان يمكن لواشنطن شحن الكافي من تلك المنظومات المكدسة في مخازنها في الولايات المتحدة الأميركية، والإبقاء على الحد المطلوب لحماية المنشآت والمواقع الحيوية، السعودية على الأقل.
طبعًا، يدخل جو التهدئة الحالي مع ايران، والذي يواكب مفاوضات جنيف غير المباشرة مع واشنطن لاتمام عودة الأخيرة إلى الاتفاق النووي، من ضمن أسباب تقليص تلك المنظومات الأميركية، ولكن أيضًا، لا يمكن استبعاد مناورة الضغط الاميركي غير المباشر على السعودية، كسبب آخر مساهم في القرار، لدفعها نحو ايجاد حل للحرب على اليمن.
بالعودة لمضمون النصيحة المذكورة أعلاه، والتي أطلقها المبعوث الأمريكي إلى اليمن تيم ليندركينغ بعد وصوله للرياض، وطالب فيها السعودية بالقبول بشروط صنعاء فصل الجانب الإنساني عن الملفات العسكرية والسياسية بغية إنجاح مساعيهم لإخراجها من مستنقع الحرب الذي تغرق فيه منذ 7 سنوات، فقد ترافقت مع نشر معطيات مهمة عن قدرات جديدة اصبحت تمتلكها حركة “انصار الله” اليمنية، ذكرها تقرير تداولته وسائل إعلام أمريكية، ناطقة بالعربية وأبرزها قناة “الحرة”، هو عبارة عن تحليل عسكري نشره موقع “بريكنج ديفينس” المتخصص بالشؤون العسكرية وأعدَّه الخبير في وزارة الدفاع الهولندية “رالف سافيلسبيرج”، الأستاذ في أكاديمية الدفاع الهولندية والمتخصص في قضايا الدفاع الصاروخي، كاشفًا عن قدرة الصواريخ البالستية التي يمتلكها الحوثيون، على تغطية كافة الأراضي السعودية، مع تسليط الضوء على صواريخ “بركان 3″ والتي أكّد قيام صنعاء بتطويرها حتى أصبحت قادرة على الوصول إلى مسافة 1200 كيلومتر”.
مع كل تلك التطورات، كان لافتًا بالأمس، اسقاط الدفاعات الجوية اليمنية طائرة تجسس أميركية في صرواح بمأرب بصاروخ أرض جو، حيث تُعتبر الطائرة المُسقَطة – سكَان إيغل – من الأغلى في العالم بين مسيرات الرصد (11 مليون دولار)، مع قدرة متميزة في المراقبة والتصوير بواسطة كاميرا تعمل بالاشعة تحت الحمراء، والتحليق لارتفاعات مناسبة لكشف ميدان حقل المعركة، وتحديد الأهداف بدقة انطلاقًا من الجو.
أهمية هذا الحدث تتعدى الإسقاط بحد ذاته، إذ ليس جديدًا أن تُسقِط وسائل الدفاع الجوي اليمنية مسيَّرة أو قاذفة أو طوافة لتحالف العدوان، حيث حصلت العشرات من العمليات المماثلة وبصواريخ دفاع جوي “مناسبة” كما كان يطلق عليها المتحدث العسكري اليمني في أغلب الأوقات، ولكن أهمية وحساسية الموضوع تكمن في قدرات الصاروخ الذي تم استعماله، والتي ظهرت في الفيلم المنشور من قبل الاعلام الحربي اليمني، حيث بدا مسار الصاروخ من الجهة الأعلى من مسار الطائرة المستهدفة، على عكس المسار التقليدي لأغلب صواريخ الدفاع الجوي المعروفة، والتي تكون عادة من الأسفل بشكل يلاحق الدخان المنبعث من محرك الطائرة، وحيث تبين أن محرك الطائرة (المتطورة) المستهدفة، مثبت من الأعلى لتفادي الاستهداف التقليدي الذي يصيب عادم المحرك من الأسفل، تبين أيضًا أن الصاروخ قد اتخذ مسارًا مرتفعًا لملاحقة الغاز من الأعلى، بعد أن اكتشف تلك التقنية الحديثة للطائرة، ليتم التفجير لاحقًا عبر حسّاس، بعد اقترابه منها مسافة مناسبة، وليس من خلال ارتطامه بها مثل أغلب الحالات التقليدية.
وكأن كل ذلك لم يكن كافيًا، (النصيحة الاميركية للرياض بالبحث عن حل سياسي بعد فشل حربها على اليمن، بالاضافة الى تقليص منظومات الدفاع الجوي الاميركية من المنطقة وتحديدا من السعودية)، جاءت الضربة الصاروخية اليمنية بالأمس، والتي أسقطت طائرة التجسس الأميركية (سكَان إيغل)، عبر صاروخ دفاع جوي متطور، لتزيد من الضغوط الجدية على المملكة، وتنزع منها آخر الوسائل وأكثرها فعالية: (التفوق الجوي)، والتي كانت تعتمدها للمحافظة على الحد الادنى المقبول لتثبيت ولحماية وحداتها ووحدات المرتزقة التي تقاتل معها، في آخر معقل مهم لها في اليمن: مأرب.