شهد النظام الأمني في منطقة غرب آسيا تغييرات كبيرة خلال العقد الماضي. ولا شك أن أحد المحاور الرئيسية لهذا التغيير والتحول، كان تعزيز محور المقاومة عبر الانتصار في مختلف مجالات المواجهة مع الخصوم.
وقد أدت هزيمة مخططات الأعداء في المجالين الأمني والعسكري إلى تغييرات مثل: التغلب على الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق، وخاصةً إنهاء الخلافة المزعومة لداعش، انتصار اليمنيين المؤكد على المعتدين السعوديين والإماراتيين في الحرب التي استمرت 7 سنوات، خلق حالة من عدم الاستقرار لقوات الاحتلال الأمريكية على الأراضي العراقية والبدء بعملية طرد الولايات المتحدة من المنطقة، الانتصار الكبير لمقاومة غزة على الكيان الصهيوني في تطورات الأوضاع في فلسطين، وتثبيت مكانة وموقع محور المقاومة في المجالين العسكري والأمني.
ومع ذلك، أصبحت الحرب الاقتصادية الآن أهم مجال للمواجهة مع العدو والساحة الأكثر تحديًا لمقاومة المنطقة، لدرجة أن الحكومات المتنافسة تركز الآن على قلب صفحة الهزائم والحصول على مکتسبات في هذا المجال.
ففي سوريا، بالإضافة إلى استمرار العقوبات الاقتصادية الشاملة ورفض الغربيين السماح بإرسال الأموال المخصصة لإعادة الإعمار للحكومة الحالية، تعمد المعتدون الأمريكيون تسليم آبار النفط السورية لقوات سوريا الديمقراطية الإرهابية، للاستمرار في منع الحكومة السورية من جني عائدات النفط لحل المشاكل الاقتصادية.
لکن الوضع في العراق مختلف؛ حيث يحاولون قطع العلاقات بين بغداد وإيران وسوريا من خلال فرض عقوبات ممنهجة على طهران ودمشق، مما كان له آثار مدمرة على الحياة اليومية للشعب العراقي.
وفي اليمن، فإن استمرار الحصار الاقتصادي هو الوضع الذي يستخدمه السعوديون كضامن لخلق الأزمات لصنعاء في المستقبل، وإجبار أنصار الله على تقديم تنازلات على طاولة المفاوضات.
أما لبنان، العضو الرئيسي الآخر في محور المقاومة، فيعاني من مشاكل اقتصادية كبيرة، ودور العقوبات الأمريكية وتدخلات الرجعية العربية في تعطيل العملية السياسية واضح في هذه العملية.
وأخيراً، غزة الواقعة تحت الحصار الاقتصادي الكامل من قبل الکيان الصهيوني بعد الحرب الأخيرة، تواجه الحاجة إلى مساعدات إنسانية لإعادة إعمار الدمار، وهو ما يواجه عرقلة الصهاينة وألاعيب الغربيين السياسية للضغط على مقاومة غزة.
التحالف الجماعي ضد سيناريو الضغط الاقتصادي
إن التجربة الناجحة لتعاون الدول الأعضاء في محور المقاومة ضد تهديد الإرهاب المنظم وسيناريوهات الاضطرابات الداخلية، أدت إلى قيام محور المقاومة الآن بتوسيع هذا التعاون ليشمل المجال الاقتصادي كبوابة رئيسية لحل المشاكل الاقتصادية والتغلب على ضغوط العدو الاقتصادية.
جغرافية المقاومة مليئة بالفرص والإمكانيات الاقتصادية، وإذا بذلت الجهود لتوسيع التعاون وتبادل الخبرات ونقل المعرفة والتكنولوجيا، للتحوُّل من الاقتصادات المنفصلة والقائمة علی التجارة إلى اقتصادات متكاملة ومتشابكة، من خلال الاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة، والعدد الكبير للسكان والمتعلمين والمثقفين، والجغرافيا السياسية الحساسة من الخليج الفارسي إلى خليج عدن والبحر الأبيض المتوسط والسوق الاستهلاكية الوفيرة وما إلی ذلك، فإن هذا المحور ليس فقط يستطيع تقوية اقتصادات هذه الدول في مواجهة ضغوط العقوبات، بل سيؤدي ذلك أيضًا إلى التنمية الاقتصادية لهذه الدول وزيادة تحالف محور المقاومة.
وهذه العملية، على الرغم من كل التحديات والعقبات، موضوعة حالياً على أجندة حكومات محور المقاومة. وفي هذا الصدد، في الأسبوع الماضي فقط، جرت زيارات مختلفة ركزت على قضية التعاون الاقتصادي بين دول محور المقاومة.
وفي إحدى أهم هذه الزيارات، التقى رئيس الوزراء السوري “حسين عرنوس” بوزير الصناعة والتعدين العراقي “منهل عزيز الخباز” في 31 حزيران/يونيو، وناقشا سبل تعزيز التعاون بين البلدين في القطاع الصناعي وخلق مشاريع مشتركة، وتعزيز التجارة في المنتجات الصناعية وزيادة التنسيق لتحقيق التماسك في الاقتصادين، بما يساعد على حماية المصالح المشتركة وزيادة معدلات النمو في سوريا والعراق.
وتحدث عرنوس خلال الاجتماع عن قدرات سوريا وبنيتها التحتية ومناطقها ومدنها الصناعية وبيئتها، وقال إن دمشق ستوفر التسهيلات اللازمة للاستثمار.
وفي هذا الأسبوع أيضًا، التقى وفد من المسؤولين اللبنانيين وأعضاء مجلس النواب بوزير الخارجية السوري فيصل المقداد مساء الأحد 20 حزيران/يونيو. وناقش أعضاء الوفد اللبناني القضايا المتعلقة بالتنسيق الاقتصادي مع المسؤولين السوريين.
وبعد هذا الاجتماع، قال النائب في البرلمان اللبناني أسعد حردان، الذي حضر الاجتماع، إن الجانبين السوري واللبناني ناقشا كيفية مشاركة البلدين في حل مشاكل المواطنين، والعمل معًا لمواجهة العقوبات والانكماش الاقتصادي.
هذا في حين أن السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله في لبنان، أعلن مؤخرًا عن استعداد المقاومة لحل بعض المشاكل الاقتصادية، من خلال العلاقات الجيدة مع طهران.
وفي زيارة مهمة أخرى، التقى وزير الطرق وإعمار المدن في الجمهورية الإسلامية “محمد إسلامي”، الذي يترأس اللجنة الاقتصادية المشتركة للبلدين، مع مسؤولين سوريين في دمشق، وأعلن عن القرارات اللازمة لتنفيذ التفاهمات السابقة بشأن توسيع التعاون الاقتصادي.
يشار إلی أن الميزان التجاري بين إيران وسوريا في عام 2020 قد بلغ 170 مليون دولار، وسيصل، بحسب “كيفان كاشفي” رئيس غرفة التجارة الإيرانية السورية المشتركة، إلى 300 مليون دولار هذا العام، مما قد يزيد التجارة بمليارات الدولارات في السنوات القادمة.