ينقل زميل الشهيد الجنرال حسين همداني “حبيب”:
كنا نتناقش أنا و الجنرال حبيب حول العملية..
قال لي: هنالك جريح خذه معك إلى الخطوط الخلفية.
قلت له: سنأخذه مع باقي الجرحى..
أصر وقال: لاء، خذه معك الآن.
كانت هذه أول مرة يصر علي بهذا الشكل..
نادى ذلك الشاب باحترام وكان قد أصيب بشظية في صدره ويمسك ضمادة بيده.
ركبنا أنا والشاب في السيارة.. ما إن بدأنا بالتحرك حتى سمعنا صوت الأذان من مذياع السيارة..
أردت أن ألاطف الشاب بما أنه جريح.. قلت له: أخبرني ما اسمك؟
لم يرد على سؤالي!
نظرت إلى وجهه.. كان لونه أصفر ويردد شيئا بلسانه..
قلت: لابد أنها مرته الأولى يأتي بها إلى الجبهة وفي حالة صدمة..
لكن بعد عدة لحظات بدأ بالكلام وعرّف عن نفسه..
سألته: لماذا لم ترد حين سألتك؟
قال: كنت أصلي!
قلت له تصلي؟! يا فتى نحن لسنا باتجاه القبلة وأنت تنزف وملابسك ملوثة بالدم.. كيف هذا؟!
قال: مضطر أصلي هكذا حالياً لأرى إن كنت أستطيع إعادتها لاحقاً…
قلت له مجددا: وهل صليت العصر أيضاً؟
قال: نعم ..
قلت له: كنت انتظرت حتى ننظف جرحك وتغير ثيابك..
قال: لا أعرف كم سأبقى في هذه الدنيا.. صليتها حالياً هكذا وقبولها على الله..
قلت له: يا فتى، جرحك بسيط، وسوف ترجع إلى أصدقائك قريبا..
قلت لنفسي: شابٌ يافع حتما لا يعرف أحكام الصلاة وإلا ما هذه الصلاة خلاف اتجاه القبلة وبثياب ملوثة بالدم..
وصلنا إلى مركز الطوارئ.. أتوا لإسعافه.. قلت لهم: يستطيع المشي لكن أسعفوه بسرعة..
انتظرت حوالي عشرين دقيقة.. رأيت المسعف بعدها، قلت له: كيف أصبح حال الجريح؟
قال: استشهد.. أغمض عينيه بهدوء وعرج..
ارتعش جسمي من صدمة الخبر!
بعد أيام سمعت مقطع لسماحة آية الله دستغيب في أيام الدفاع المقدس.. كان يقول: أيها المجاهد، سأقترح عليك معاملة وستكون مغبوناً فيها.. سوف أعطيك ثواب جميع صلواتي الواجبة والنوافل والصيام وقيام الليل أمام ركعتين منك في الجبهة بثياب ملوثة بالدم وخلاف اتجاه القبلة..
تذكرت ذاك الشاب، في أي مرحلة كان وأنا أين كنت!!..
الفكرة التي تخجلني في تأخير الصلاة عن وقتها تكمن في أنني لست أنا من حدد الموعد لهذه الصلاة، ولا أنا من اختار التوقيت!
الخالق تعالى هو من قدّر ذلك!
الله الذي خلق هذا الكون -هذا الكون الذي يُصيب عقلي بالتجمد والتشتت بمجرد التفكير بعظمته واتساعه وتعقيده وجماله وغموضه وبديع إتقانه وكثرة مخلوقاته وآلائه ومعجزاته – هو الذي يريدني أن أقف بين يديه وأكلمه وأناجيه!
وأنا ماذا أفعل؟
في كثير من الأحيان أجعل هذا الموعد آخر أولوياتي حتى يكاد يفوت وقته، مُقدّما عليه كل أمر تافه وكل شأنٍ ضئيل!
الله تعالى يطلبني *(وأنا مجرد ذرة بلا وزن في كونه العظيم)* لأقف بين يديه وأنا منهمكٌ في سخافات الحياة وزينتها البالية، يطلبني لبضع دقائق فقط وأنا أُعرِض وأُسوّف وأماطل وأُؤجّل ثم آتيه متأخراً كعادتي، أيّ تعاسة أكبر من ذلك؟
يدعوني تعالى *(لاجتماع مغلق)* بيني وبينه – أنا صاحب الحاجة وهو الغني المتفضل- وأنا أجعله اجتماعا مفتوحا لشتى أنواع الأفكار والسرحان، أحضر بجسدي ويغيب عقلي!
يريدني أن ابتعد عن كل شيء لدقائق معدودات لأريح بدني وعقلي وأفصل قليلاً عن ضجيج الحياة ومشاغلها وأبث إليه لا لغيره شكواي وهمومي!
هو الخالق العظيم الغني عني وعن عبادتي ووقتي يطلبني ليسمع صوتي وأنا الذي يماطل!
ثم ها أنا أجيء إمّا متثاقلاً أو على عجل وكأنني آتيه رغماً عني!
أنا الحاضر الغائب!
هو تعالى يريده اجتماعاً خاصاً وأنا أجعله حصة تسميع باردة وتمارين رياضية جوفاء وعقلا شاردا!
فأي بؤس أكثر من هذا؟
*اللهم اغفر لي كل صلاة لا تليق بجلال وجهك وعظيم سلطانك*
منقول