وفیما یلی نص بیان “المجلس الإسلامی العلمائی” بعد الحکم الجائر والقرار السیاسی الذی اصدره النظام الخلیفی و القاضی بحله و تصفیته :
ولنا کلمة
بسم الله الرحمن الرحیم
(الَّذِینَ یُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَیَخْشَوْنَهُ وَلَا یَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَکَفَى بِاللَّهِ حَسِیباً) الأحزاب 39
یتحرک العمل العلمائی انطلاقا من المسؤولیة الشرعیة التی فرضها الله سبحانه وتعالى على العلماء بأن یبلّغوا أحکام شریعته ، و یبینوا معالم دینه ، و أن یأخذوا بید أبناء المجتمع على طریق الله سبحانه و تعالى ، و أن یقولوا کلمة الحق ویقفوا معه ، و هی مسؤولیة لا یمکن التنازل عنها ، ولا التساهل أو التسامح فیها، ولا التلاعب بها، ولا یجوز التقصیر فی أدائها .
وتاریخ البحرین والذی یمثل وجها مشرقا من وجوه التاریخ الاسلامی المجید قد سجّل للعلماء دورا متمیّزا منذ أن آمنت هذه البلاد برسالة الاسلام واعتنقت الدین الحنیف بکل وعی وبصیرة ، فکان للبحرین تاریخها الساطع فی المجال العلمی والدینی حیث تأسست المدارس والحوزات العلمیة التی تخرج منها الآلاف من العلماء والفقهاء والذین کان لهم شأن بارز فی التاریخ الاسلامی وقام هؤلاء العلماء بدورهم الاسلامی الأصیل ، وتحملوا مسؤولیتهم الشرعیة فی إرشاد الأمة وتوعیتها والسلوک بها الى الله سبحانه وتعالى، وصولا الى بناء المجتمع المسلم الملتزم بتعالیم الدین والقائم على هدى الشریعة .
کما کان لهم دورهم البارز فی قول کلمة الحق والوقوف أمام مظاهر المنکر والباطل ، والعمل على صلاح المجتمع ووقایته من کل ما یمثل فسادا أو انحرافا عن هدی الشریعة أو مصالح الأمّة، فلم یهادنوا حاکما ولم یسکتوا على کظة مظلوم ، ملتزمین فی کل ذلک جانب الإصلاح وقول کلمة الحق وتقدیم النصیحة بالمعروف دون التنازل عن مبادئ الدین و أسس الشریعة و مصالح المجتمع .
وجاءت انطلاقة المجلس الاسلامی العلمائی فی البحرین فی شهر رمضان 1425هـ أکتوبر 2004م لتمثل امتدادا طبیعیا للدور العلمائی فی هذا البلد وتطورا مطلوبا فی آلیاته بما ینسجم مع متطلبات المجتمع ویتناسب مع الواقع الجدید ، و کان وراء تأسیسه شعور علمائی بضرورة مثل هذه المؤسسة دینیاً واجتماعیاً ، علمیاً وعملیاً، وکانت انطلاقة شرعیة واضحة متوافقة مع الأسس الدستوریة والاعراف القانونیة القائمة التی تحمی الواقع الدینی وتکفل الحریات الدینیة وتضمن ممارسة الشؤون الدینیة وفق الآراء والمبانی المذهبیة المختلفة .
و اعتمدت هذه الانطلاقة أهدافا إسلامیة ووطنیة واضحة وجلیة لم یکن فیها أی لبس أو غموض ، ولم تحمل أیّ نوع من أنواع الانغلاق المذهبی، بل جاءت منسجمة مع التنوع المذهبی فی هذا البلد، والتآلف والتعایش بین أبنائه، وهکذا کانت حرکة المجلس الإسلامی العلمائی فی مساحاته المختلفة تعتمد استراتیجیة الدفع باتجاه الانسجام الوطنی والوحدة الاسلامیة، والوقوف بقوة أمام کل محاولات إشعال الفتنة الطائفیة، والترحیب بکل الخطوات التی من شأنها خلق التقارب بین أبناء الأمة والوطن، والسعى لها عملیا .
ومثّلت مبادئ الإصلاح، والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، والدعوة إلى سبیل الله بالحکمة والموعظة الحسنة، وتبلیغ الرسالة الإلهیّة، والوقوف مع الحقّ والعدل.. خطوطاً عریضة لحرکة المجلس، کما کان دائماً یؤکّد على الالتزام بالسلمیة کإطار للمطالبات السیاسیة، وأنه المنهج الأصلح للتعاطی مع مختلف قضایا المجتمع، وضرورة الحفاظ على مصالح الوطن ورفض الممارسات المضرّة بذلک، وأکد فی جمیع بیاناته ومواقفه وخطب رموزه على هذه المبادئ الأساسیة، والتزم بها عملیاً ، و دعا کافة العاملین فی الحقل السیاسی إلى الالتزام بها.
وکان المترقب من السلطة السیاسیة أن ترحب بهذا الوجود العلمائی المخلص الذی فتح قلبه و مدّ یده للتعاون مع کافة المواقع و المؤسسات بما یخدم المجتمع ، و أن تفتح له المجال لأداء دوره وممارسة نشاطه، بما ینسجم مع شعارات الانفتاح والاصلاح التی طالما رفعتها ونادت بها، لا أن تضایقه وتحاصره وتسعى لتصفیته.
لکن – ومع الأسف – جاء الموقف الرسمی مستعجلا وغیر مدروس لیواجه هذا المشروع العلمائی المبارک ومنذ انطلاقته ، ولیفترض فیه أسوأ النیات ولیصفه بما لا یتلاءم مع منهجیّته إطلاقا، ویأتی الموقف الأخیر بملاحقة المجلس قضائیاً بغرض إغلاقه وأنهاء وجوده استمرارا للموقف الإنفعالی والظالم تجاه المجلس، ویمثّل إجراءاً عدوانیاً وکیدیاً غیر منسجم مع الدستور والقانون ومع الحریات المکفولة، وغیر متوافق أبدا مع ما یطرح من شعارات الحوار الجدّی ومحاولات الحل الواقعی للأزمة السیاسیّة فی البلد.
وکان واضحا – مما کشف عنه تقریر البندر – وجود المخططات المرسومة لمواجهة الطائفة والعمل على تکبیلها وتقییدها، وتقیید العمل العلمائی وبالخصوص دور المجلس الاسلامی العلمائی، والتی بینت الوقائع على الأرض صحة ما ورد فیه من معلومات، وأنه یتم تنفیذها بمنهجیّة ومرحلیّة مدروسة، من هنا نجد أن الحملة الرسمیة ضد المجلس الاسلامی العلمائی تأتی فی سیاق منهجیّة مرسومة منذ سنوات، ویتم العمل على تطبیقها عبر مراحل متدرّجة . حتّى جاءت ثورة 14 فبرایر 2011م المجیدة ، وما کان من مواقف المجلس العلمائی المساندة لمطالب الشعب العادلة بضرورة الاصلاح الجاد، والتغییر السیاسی الجوهری، والتی کان لها دور مؤثر فی دعم الحراک الشعبی السلمی. فکان جلیا أن السلطة وفی ضوء تعنّتها برفض الإستجابة لمطالب الشعب، سوف تسعى لضرب جمیع مواقع القوّة الداعمة للحراک الشعبی، ویأتی فی مقدّمتها الوجود العلمائی، فکان هذا سببا فی نظر السلطة للانتقام من المجلس وملاحقته قضائیا والسعی لإنهاء وجوده .
ولم تستطع الحکومة بکل ما تملک أن تتوفر على أدلة یمکن أن تحاکم بها المجلس الاسلامی العلمائی، إلا مجموعة من الاکاذیب والترهات والاتهامات الکیدیة المفضوحة، وکان واضحا لکل مطلع على الأمور أن السلطة قد أعدت هذا الحکم القضائی، وما ملف الدعوى القضائیة إلا غطاءاً لقرار سیاسی أعد مسبقا ویراد تمریره قضائیا.
ومع صدور هذا الحکم الجائر، فإنّنا نعلن بکلّ وضوح عن النقاط التالیة:
1- إنّ هذا الحکم الصَّادر بحلِّ المجلس وإغلاق مقره ومصادرة أمواله، یمثّل حکماً سیاسیاً بامتیاز، ومبنی على تهم کیدیة مفضوحة، ویمثل محاصرة للعمل العلمائی وتدخلا فی الشأن الدینی واستهدافا طائفیا مقیتا، یضاف الى کافة أنواع الاستهداف الطائفی الذی تکرر ویتکرر منذ سنوات، وظلامة أخرى تضاف الى الظلامات العدیدة التی تعرض لها هذا الشعب الصابر المؤمن.
2- نحن على إیمان تام بأنه لا غبار على مشروعیة عمل المجلس الإسلامی العلمائی، وسیبقى الواقع العلمائی غیر معنیّ بمثل هذا القرار الجائر، والذی یمثّل صفحة سوداء فی تاریخ القضاء البحرینی والسلطة السیاسیة فی البحرین، وإنّ العمل العلمائی والدینی کما أنّه لم ینطلق یوما ما بقرار رسمی، فإنّه لا یمکن أن یوقف فی یوم من الأیام بقرار رسمی.
3- إنّ العمل العلمائی المؤسسی حقّ ثابت تقرّه کلّ القوانین والمواثیق وتفرضه المستجدات الحیاتیّة، ولا یمکن محاصرته أو مصادرته.
4- سیبقى العلماء والوجود العلمائی جزءً لا یتجزّء من هذا الشعب الأبی، یعیش همومه وآلامه وتطلّعاته، ویدافع عن حقوقه، ویتحمّل مسؤولیّته الدینیّة والوطنیّة تجاهه بکلّ صدق وإخلاص.
المجلس الإسلامی العلمائی
27 ربیع الأول 1435هـ
29 ینایر 2014م