الرئيسية / من / السجود على التربة الحسينية – الشيخ عبد الحسين الأميني

السجود على التربة الحسينية – الشيخ عبد الحسين الأميني

07  وأما السجدة على الفراش والسجاد والبسط المنسوجة من الصوف والوبر
والحرير ، وأمثالها والثوب المنفصل فلا دليل يسوغها قط ، ولم يرد في السنة أي
مستند لجوازها ،
وهذه الصحاح الست وهي تتكفل بيان أحكام الدين ولا سيما الصلاة التي هي
عماده ، لم يوجد فيها ولا حديث واحد ، ولا كلمة إيماء وإيعاز إلى جواز ذلك .
وكذلك بقية أصول الحديث من المسانيد والسنن المؤلفة في القرون الأولى
الثلاثة ليس فيها أي أثر يمكننا الاستدلال به على جواز ذلك من مرفوع أو
موقوف ، من مسند أو مرسل .
فالقول بجواز السجود على الفرش والسجاد والالتزام بذلك . وافتراش المساجد
بها للسجود عليها كما تداول عند الناس بدعة محضة . وأمر محدث غير مشروع .
يخالف سنة الله وسنة رسوله ، ولن تجد لسنة الله تحويلا . وقد أخرج الحافظ الكبير
الثقة أبو بكر ابن أبي شيبة بإسناده في المصنف في المجلد الثاني عن سعيد بن المسيب
وعن محمد بن سيرين : إن الصلاة على الطنفسة محدث ، وقد صح عن رسول الله
صلى الله عليه وآله قوله : شر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة . وأما :
السجدة على تربة كربلاء
واتخاذها مسجدا فإن الغاية المتوخاة منها للشيعة إنما هي تستند إلى أصلين
قويمين . وتتوقف على أمرين قيمين ، أولهما :
استحسان اتخاذ المصلي لنفسه تربة طاهرة يتيقن بطهارتها ، من أي أرض
أخذت ، ومن أي صقع من أرجاء العالم كانت ، وهي كلها في ذلك شرع سواء
سواسية ، لا امتياز لإحديهن على الأخرى في جواز السجود عليها ، وإن هو إلا
كرعاية المصلي طهارة جسده وملبسه ومصلاه ، يتخذ المسلم لنفسه صعيدا طيبا
يسجد عليه في حله وترحاله ، وفي حضره وسفره ، ولا سيما في السفر . إذ الثقة
بطهارة كل أرض يحل بها ، ويتخذها مسجدا لا تتأتى له في كل موضع من المدن
والرساتيق والفنادق والخانات وباحات النزل والساحات ، ومحال المسافرين ،
ومحطات وسائل السير والسفر ، ومهابط فئات الركاب ، ومنازل الغرباء ، أنى له
بذلك وقد يحل بها كل إنسان من الفئة المسلمة وغيرها ، ومن أخلاط الناس الذين لا
يبالون ولا يكترثون لأمر الدين في موضوع الطهارة والنجاسة .
فأي وازع من أن يستحيط المسلم في دينه ، ويتخذ معه تربة طاهرة يطمئن بها
وبطهارتها يسجد عليها لدى صلاته ، حذرا من السجدة على الرجاسة والنجاسة
والأوساخ التي لا يتقرب بها إلى الله قط ، ولا تجوز السنة السجود عليها ، ولا يقبله
العقل السليم ، بعد ذلك التأكيد التام البالغ في طهارة أعضاء المصلي ولباسه ، والنهي
عن الصلاة في مواطن منها : المزبلة ، والمجزرة ، والمقبرة ، وقارعة الطريق ، والحمام ،
ومعاطن الإبل ( 1 ) والأمر بتطهير المساجد وتطييبها ( 2 ) .
وكأن هذه النظرة الصائبة القيمة الدينية كانت متخذة لدى رجال الورع من
فقهاء السلف في القرون الأولى ، وأخذا بهذه الحيطة المتحسنة جدا كان التابعي
الفقيه الكبير
الثقة العظيم المتفق عليه مسروق بن الأجدع ( 1 ) يأخذ في أسافره لبنة يسجد عليها
كما أخرجه شيخ المشايخ الحافظ الثقة إمام السنة ومسندها في وقته أبو بكر ابن أبي
شيبة في كتابه ” المصنف ” في المجلد الثاني في باب : من كان يحمل في السفينة شيئا
يسجد عليه ، فأخرج بإسنادين : أن مسروقا كان إذا سافر حمل معه في السفينة لبنة
يسجد عليها .
هذا هو الأصل الأول لدى الشيعة وله سابقة قدم منه يؤم الصحابة الأولين
والتابعين لهم بإحسان . وأما الأصل الثاني :
فإن قاعدة الاعتبار المطردة تقتضي التفاضل بين الأراضي
بعضها على بعض ، وتستدعي اختلاف الآثار والشؤون والنظرات فيها ، وهذا أمر
طبيعي عقلي متسالم عليه ، مطرد بين الأمم طرا ، لدى الحكومات والسلطات
والملوك العالمية برمتهم ، إذ بالإضافات والنسب تقبل الأراضي والأماكن والبقاع
خاصة ومزية ، بها تجري عليها مقررات وتنتزع منها أحكام لا يجوز التعدي
والصفح عنها .
ألا ترى أن المستقلات والساحات والقاعات والدور والدوائر الرسمية المضافة
إلى الحكومات ، وبالأخص ما ينسب منها إلى البلاط الملكي ، ويعرف باسم عاهل
البلاد وشخصه . لها شأن خاص ، وحكم ينفرد بها ، يجب للشعب رعايته ، والجري
على ما صدر فيها من قانون .
فكذلك الأمر بالنسبة إلى الأرضي والأبنية والديار المضافة المنسوبة إلى الله تعالى
فإن لها شؤونا خاصة ، وأحكاما وطقوسا . ولوازم وروابط لا مناص ولا بد لمن أسلم
وجهه لله من أن يراعيها ، ويراقبها ، ولا مندوحة لمن عاش تحت راية التوحيد
والإسلام من القيام بواجبها والتحفظ عليها ، والأخذ بها .
فبهذا الاعتبار المطرد العام المتسالم عليه انتزع للكعبة حكمها الخاص ، وللحرم
شأن يخص به ، وللمسجدين الشريفين : جامع مكة والمدينة أحكامهما الخاصة بهما ،
وللمساجد العامة والمعابد والصوامع والبيع التي يذكر فيها اسم الله ، في الحرمة
والكرامة ، والتطهير والتنجيس ، ومنع دخول الجنب والحائض والنفساء عليها ،
والنهي عن بيعها نهيا باتا نهائيا من دون تصور أي مسوغ لذلك قط خلاف بقية
الأوقاف الأهلية العامة التي لها صور مسوغة لبيعها وتبديلها بالأحسن ، إلى أحكام
وحدود أخرى منتزعة من اعتبار الإضافة إلى ملك الملوك ، رب العالمين .
فاتخاذ مكة المكرمة حرما آمنا ، وتوجيه الخلق إليها ، وحجهم إليها من كل فج
عميق ، وإيجاب كل تلكم النسك . وجعل كل تلكم الأحكام حتى بالنسبة إلى نبتها
وأبها ، إن هي إلا آثار الإضافة ، ومقررات تحقق ذلك الاعتبار . واختيار الله إياها من
بين الأراضي .
وكذلك عد المدينة المنورة حرما إلهيا محترما . وجعل كل تلكم الحرمات
الواردة في السنة الشريفة لها وفي أهلها
وتربتها ومن حل بها ومن دفن فيها ، إنما هي لاعتبار ما فيها من الإضافة والنسبة إلى
الله تعالى ، وكونها عاصمة عرش نبيه الأعظم صاحب الرسالة الخاتمة صلى الله عليه
وآله وسلم .
وهذا الاعتبار وقانون الإضافة كما لا يخص بالشرع فحسب ، بل هو أمر
طبيعي أقر الإسلام الجري عليه ، كذلك لا ينحصر هو بمفاضلة الأراضي ، وإنما هو
أصل مطرد في باب المفاضلة في مواضيعها العامة من الأنبياء والرسل والأوصياء ،
والأولياء ، والصديقين ، والشهداء ، وأفراد المؤمنين وأصنافهم ، إلى كل ما يتصور له
فضل على غيره لدى الإسلام المقدس . بل هذا الأصل هو محور دائرة الوجود ، وبه
قوام كل شئ ، وإليه تنتهي الرغبات في الأمور ، ومنه تتولد الصلات والمحبات ،
والعلائق والروابط لعدة عوامل البغض والعداء والشحناء والضغائن .
وهو أصل خلاف وشقاق ونفاق ، كما أنه أساس كل وحدة واتحاد وتسالم
ووئام وسلام . وعليه تبنى سروح الكليات ، وتتمهد المعاهد الاجتماعية ، وفي أثره
تشكل
الدول ، وتختلف الحكومات ، وتحدث المنافسات والمشاغبات والتنازع والتلاكم
والمعارك والحروب الدامية ، وعلى ضوئه تتحزب الشعوب والقبائل ، وتتكثر
الأحزاب والجمعيات ، وبالنظر إليه تؤسس المؤسسات في أمور الدين والدنيا ،
وتتمركز المجتمعات الدينية ، والعلمية والاجتماعية ، والشعوبية ، والقومية ،
والطائفية ، والحزبية ، والسياسية ، إلى كل قبض وبسط ، وحركة وسكون ، ووحدة
وتفكك ، واقتران وافتراق .
فالحكومة العالمية العامة القوية القهارة الجبارة الحاكمة على الجامعة البشرية
بأسرها من أول يومها وهلم جرا إلى آخر الأبد ، من دون شذوذ لأي أحد وخروج
فرد عن سلطتها ، ومن دون اختصاص بيوم ، دون يوم ، إنما هي حكومة ” ياء النسبة ”
بها قوام الدين والدنيا ، وإليها تنتهي سلسلة النظم الإنسانية ، وقانون الاجتماع
العام ، وشؤون الأفراد البشري .
والبشر مع تكثر أفراده على بكرة أبيهم مسير بها ، مقهور تحت نير سلطتها ،
مصفد بحبالها ، مقيد في شراكها ،
لا مهرب له منها ، هي التي تحكم وتفتق ، وتنقض وتبرم ، وترفع وتخفض ، وتصل
وتقطع ، وتقرب وتبعد ، وتأخذ وتعطي ، وتعز وتذل ، وتثيب وتعاقب ، وتحقر
وتعظم .
هي التي تجعل الجندي المجهول مكرما ، معظما ، محترما ، وتراه أهلا لكل إكبار
وتجليل وتجيل ، لدى الشعب وحكومته ، وتنثر الأوراد والأزهار على تربته ومقبره ،
وتدعه يذكر مع الأبد ، خالدا ذكره في صفحة التاريخ .
هي التي تهون لديها الكوارث والنوازل ، وبمقاييسها يقاسي الإنسان الشدائد
والقوارع والمصائب الهائلة ، ويبذل النفس والنفيس دونها .
هي التي جعلت رسول الله صلى الله عليه وآله يقبل الصحابي العظيم عثمان بن
مظعون وهو ميت ، ودموعه تسيل على خديه كما جاء عن السيدة عائشة ( 1 ) .
هي التي دعت النبي صلى الله عليه وآله إلى أن يبكي على ولده الحسين السبط ،
ويقيم كل تلكم المآتم ويأخذ تربة كربلاء ويشمها ويقبلها ، إلى آخر ما سمعت من
حديثه .
هي التي جعلت السيدة أم سلمة أم المؤمنين تصر تربة كربلاء على ثيابها .
هي التي سوغت للصديقة فاطمة أن تأخذ تربة قبر أبيها الطاهر وتشمها .
هي التي حكمت على بني ضبة يوم الجمل أن تجمع بعرة جمل عايشة أم
المؤمنين وتفتها وتشمها كما ذكره الطبري .
هي التي جعلت عليا أمير المؤمنين عليه السلام أخذ قبضة من تربة كربلاء لما
حل بها فشمها وبكى حتى بل الأرض بدموعه ، وهو يقول : يحشر من هذا الظهر
سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب .