وأنه لم يكن المقصود منه إلا تفريق كلمة المسلمين وتشتيت وحدتهم وعلى أي حال فإن عقيدة الشيعة تمثل روح الإسلام وجوهره ليس فيها – والحمد لله – انحراف عن ولا مجافاة لهدي الإسلام وتعاليمه وبهذا تطوي الصفحات الأخيرة من هذا التقديم آملا من الله تعالى أن يكون عملي خالصا لوجهه الكريم، وأن يثبنا عليه أنه تعالى ولي ذلك والقادر عليه.
(٧٧)
ولاء الشيعة لأئمة أهل البيت عليهم السلام وقبل الحديث عن الغلو نتحدث – بإيجاز – عن ولاء الشيعة لأئمة الهدى عليهم السلام وما يتعلق بذلك لنرى هل فيه غلو وتطرف كما يتهمهم به بعض خصومهم أو أن ذلك لا نصيب له من الواقع، وفيما يلي ذلك.
(٧٨)
الولاء للأئمة لم يكن ولاء الشيعة للأئمة الطاهرين عليهم السلام ناشئا عن عاطفة أو عصبية، وغير ذلك مما يؤول أمره إلى التراب، وإنما كان ناشئا عن الأدلة الحاسمة فقد فرضت عليهم وعلى كل مسلم مودتهم، قال تعالى: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) (1) فقد حصرت الآية الكريمة أجر ما عاناه النبي (ص) من الجهود والمصاعب في أداء رسالته الخالدة بمودة أهل بيته الذين هم حملة رسالته ووعاة كتابه، كما تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في لزوم حبهم ومودتهم فقد قرنهم بمحكم التنزيل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وذلك في حديث
(1) سورة الشورى: آية 23.
(٨١)
الثقلين الذي أجمع المسلمون على روايته، والإيمان بصحته، وقد ضمن النبي (ص) فيه لأمته أن لا تزيع عن طريق الهدى والصواب إن تمسكت بكتاب اله تعالى وبعترته، كما شبههم النبي (ص) بسفينة نوح فقال: مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى.
وخاطبهم الإمام الشافعي بقوله:
يا آل بيت رسول الله حبكم فرض من الله في القرآن أنزله ويقول الفرزدق في رائعته:
من معشر حبهم دين وبعضهم كفر وقربهم منجى ومعتصم إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم وقد قنع الشاعر حرب بن المنذر بن الجارود باليسير من دنياه لأنه ظفر بولاء أهل البيت عليهم السلام يقول:
فحسبي من الدنيا كفاف يقيمني وأثواب أكفان أزور بها قبري وحسبي ذوي قربى النبي محمد فما سألنا إلا المودة من أجر (1) ويقول الشاعر الموهوب السيد الحميري الذي ذاب في ولائه لأهل البيت:
إني امرؤ حميري غير جدي رعين وأخوالي ذو يزن ثم الولاء أرجو النجاة به يوم القيامة للهادي أبي حسن (2) وقد رد عبد الله بن كثير السهمي على من جعل حبه لأهل البيت ذنبا قال:
إن امرءا أمست معايبه حب النبي لغير ذي ذنب وبني أبي حسن ووالدهم من طاب في الأرحام والصلب أيعد ذنبا أن أحبهم بل حبهم كفارة الذنب (3).
(1) البيان والتبين 3 / 365.
(2) البيان والتبين 3 / 36.
(3) نفس المصدر.
(٨٣)