15
الموعظة الثالثة والأربعون: التكافل الاجتماعيّ
الإمام الحسين (عليه السلام): «لا ترفع حاجتك إلّا إلى أحد ثلاثة: إلى ذي دِين أو مروة أو حسب، فأمّا ذو الدِّين فيصون دينه، وأمّا ذو المروّة فإنّه يستحي لمروّته، وأمّا ذو الحسب فيعلم أنّك لم تكرم وجهك أن تبذله له في حاجتك، فهو يصون وجهك أن يردّك بغير قضاء حاجتك»[1].
[1] الشيخ ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله)، ص247.
295
281
الموعظة الرابعة والأربعون: خدمة الناس وكفّ الأذى
الموعظة الرابعة والأربعون: خدمة الناس وكفّ الأذى
الحثّ على خدمة الآخرين وتجنّب توجيه الأذى إليهم.
محاور الموعظة
أهمّيّة خدمة الناس
ثمرات خدمة الناس
آثار الامتناع عن خدمة الناس
الآثار السلبيّة لأذيّة الناس
من أنواع الأذى
تصدير الموعظة
الإمام الصادق (عليه السلام): «قال الله -عزَّ وجلَّ-: الخلق عيالي، فأحبّهم إليّ ألطفهم بهم، وأسعاهم في حوائجهم»[1].
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص199.
296
282
الموعظة الرابعة والأربعون: خدمة الناس وكفّ الأذى
من النعم الإلهيّة الكبرى أن يوفّق الإنسان للقيام بخدمة أو معروف تجاه إخوانه؛ لأنّه لو اطّلع على ما أعدّه الله -تعالى- له من عطاء أبديّ لا ينفد لأدرك أنّ الأمر بالعكس؛ بمعنى أنّ المحتاج والمخدوم هو الذي يسدي خدمة للخادم والباذل؛ لأنّه السبب في حصوله على هذه الهبة الربّانيّة والحيويّة الفريدة. وعليه، ليس من الصواب والعقل أن تُتاح فرصة لأحدنا كي يقوم بتقديم مساعدة للآخرين وقضاء حوائجهم فيفوّت تلك الفرصة عليه.
أهمّيّة خدمة الناس
1. خدمة الناس هي خدمة لله -سبحانه وتعالى-: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «من قضى لأخيه المسلم حاجة كان كمن خدم الله -تعالى- عمره»[1].
2. خدمة الناس أفضل الأعمال: عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: «احرصوا على قضاء حوائج المؤمنين وإدخال السرور عليهم ودفع المكروه عنهم فإنّه ليس من الأعمال عند الله -عزَّ وجلَّ- بعد الإيمان أفضل من إدخال السرور على المؤمنِين»[2].
3. خادم الناس محبوب من الله -تعالى-: وفي حديث آخر: «قال الله -عزَّ وجلَّ-: الخلق عيالي، فأحبّهم إليّ ألطفهم بهم، وأسعاهم في حوائجهم»[3].
[1] الشيخ الاحسائيّ، عوالي اللآلي، ج1، ص374. [2] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج71، ص313. [3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص199.
297
283
الموعظة الرابعة والأربعون: خدمة الناس وكفّ الأذى
4. إنّه عمل أحبّه الأئمّة (عليهم السلام): الإمام الباقر (عليه السلام) عن مدى حبّه وتفضيله لخدمة المحرومين، إذ يقول: «ولأن أعول أهل بيت من المسلمين، أسدّ جوعتهم وأكسو عورتهم، فأكفّ وجوههم عن الناس، أحبّ إليّ من أن أحجّ حجّة وحجّة ومثلها ومثلها… (حتّى بلغ عشرًا) ومثلها ومثلها… (حتّى بلغ السبعين)»[1].
ثمرات خدمة الناس
1. الأمن يوم القيامة: روي عن مولانا الكاظم (عليه السلام)، أنّه قال: «إنّ للَّه عبادًا في الأرض يسعون في حوائج الناس هم الآمنون يوم القيامة»[2].
2. ألف ألف حسنة: عن الباقر (عليه السلام): «من سعى في حاجة أخيه المسلم طلب وجه الله كتب الله له ألف ألف حسنة»[3].
3. ثواب عبادة تسعة آلاف سنة: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أنّه قال: «من سعى في حاجة أخيه المؤمن فكأنّما عبد الله تسعة آلاف سنة، صائمًا نهاره قائمًا ليله»[4].
4. كان الله في حاجته: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «من كان في حاجة أخيه المؤمن المسلم كان الله في حاجته ما كان في حاجة أخيه»[5].
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص195. [2] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج74، ص319. [3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص197. [4] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج74، ص315. [5] الشيخ الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج16، ص367.
298
284
الموعظة الرابعة والأربعون: خدمة الناس وكفّ الأذى
5. استغفار الملائكة له: في الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ العبد ليمشي في حاجة أخيه المؤمن، فيوكّل الله -عزَّ وجلَّ- به ملكين: واحدًا عن يمينه وآخر عن شماله، يستغفران له ربّه ويدعوان بقضاء حاجته»[1].
آثار الامتناع عن خدمة الناس
1. خذلان الله في الدنيا والآخرة: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «ما من مؤمن يخذل أخاه وهو يقدر على نصرته إلّا خذله الله في الدنيا والآخرة»[2].
2. لا يذوق طعام الجنّة: وعنه (عليه السلام) في حديث آخر، قال: «أيّما مؤمن حبس مؤمنًا عن ماله وهو محتاج إليه لم يذق والله من طعام الجنّة ولا يشرب من الرحيق المختوم»[3].
3. الابتلاء بمعونة تجرّ إثمًا: عن الإمام الباقر (عليه السلام): «من بخل بمعونة أخيه المسلم والقيام له في حاجته إلّا ابتلي بمعونة من يأثم عليه ولا يؤجر»[4].
4. عدم قبول الأعمال: في الحديث عن الإمام الكاظم (عليه السلام)، قال: «إنّ خواتم أعمالكم قضاء حوائج إخوانكم والإحسان إليهم ما قدرتم وإلّا لم يقبل منكم عمل»[5].
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص195. [2] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج74، ص312. [3] الشيخ الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج16، ص38. [4] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص366. [5] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج75، ص379.
299
285
الموعظة الرابعة والأربعون: خدمة الناس وكفّ الأذى
5. يحشر مغلولًا يوم القيامة: رُوي عن الإمام الصادق (عليه السلام)، أنّه قال: «من سأله أخوه المؤمن حاجة من ضرّ فمنعه من سعة وهو يقدر عليها من عنده أو من عند غيره، حشره الله يوم القيامة مغلولة يده إلى عنقه حتّى يفرغ الله من حساب الخلق»[1].
الآثار السلبيّة لأذيّة الناس
1. الأذى من صفات المشركين: ﴿لَتُبلَوُنَّ فِي أَموَٰلِكُم وَأَنفُسِكُم وَلَتَسمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلكِتَٰبَ مِن قَبلِكُم وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشرَكُواْ أَذٗى كَثِيرٗا وَإِن تَصبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِن عَزمِ ٱلأُمُورِ﴾[2].
2. أذيّة المؤمن هي أذيّة لرسول الله (صلى الله عليه وآله): وعن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنّه قال: «من أدخل السرور على مؤمن فقد أدخله على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومن أدخل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقد وصل ذلك إلى الله -عزَّ وجلَّ-، وكذلك من أدخل عليه كربًا»[3].
3. وقوفه مقام الذلّ يوم القيامة: وعن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنّه قال: «من روى على مؤمن رواية يريد بها عيبه، وهدم مروّته، أقامه الله -عزَّ وجلَّ- مقام الذلّ يوم القيامة حتّى يخرج ممّا قال»[4].
4. سلب صفة الإيمان: عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: «المؤمن من آمن جاره بوائقه، قلت: وما بوائقه؟ قال: ظلمه وغشمه»[5].
[1] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج74، ص287. [2] سورة آل عمران، الآية 186. [3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص192. [4] الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل، ج9، ص133. [5] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص668.
300
286
الموعظة الرابعة والأربعون: خدمة الناس وكفّ الأذى
5. أذيّة المؤمن محاربة الله: عن هشام بن سالم، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)، يقول: «قال الله -عزَّ وجلَّ-: ليأذن بحرب منّي من آذى عبدي المؤمن وليأمن غضبي من أكرم عبدي المؤمن…»[1].
6. عاقبة السوء: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين الصدود لأوليائي فيقوم قوم ليس على وجوههم لحم، فيقال: هؤلاء الذين آذوا المؤمنين ونصبوا لهم وعاندوهم وعنّفوهم في دينهم، ثمّ يؤمر بهم إلى جهنّم»[2].
من أنواع الأذى
1. الأذى بعد الإنفاق وتقديم العون والمساعدة: قال -تعالى-: ﴿ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَموَٰلَهُم فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ لَا يُتبِعُونَ مَا أَنفَقُواْ مَنّٗا وَلَا أَذٗى لَّهُم أَجرُهُم عِندَ رَبِّهِم وَلَا خَوفٌ عَلَيهِم وَلَا هُم يَحزَنُونَ ٢٦٢ قَولٞ مَّعرُوفٞ وَمَغفِرَةٌ خَيرٞ مِّن صَدَقَةٖ يَتبَعُهَا أَذٗى وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٞ﴾[3].
2. إذاعة الفاحشة: عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «قال النبيّ (صلى الله عليه وآله): «من أذاع فاحشة كان كمبتدئها، ومن عيّر مؤمنًا بشيء لم يمت حتّى يركبه»[4].
3. الخذلان: وعن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «ما من مؤمن يخذل أخاه وهو يقدر على نصرته، إلّا خذله الله -عزَّ وجلَّ- في الدنيا والآخرة»[5].
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص350. [2] المصدر نفسه، ص351. [3] سورة البقرة، الآيتان 262 – 263. [4] الشيخ البرقيّ، المحاسن، ج1، ص103. [5] الشيخ الصدوق، الأمالي ص574.
301
287
الموعظة الرابعة والأربعون: خدمة الناس وكفّ الأذى
4. إهانة المؤمن: عن المعلى بن خنيس، قال: سمعته يقول: «إنّ الله -عزَّ وجلَّ- يقول: من أهان لي وليًّا فقد ارصد لمحاربتي، وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي».
5. إذاعة سرّ المؤمن: عن عبد الله بن سنان، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): عورة المؤمن على المؤمن حرام؟ قال: «نعم»، قلت: أعني سفليه؟ فقال: «ليس حيث تذهب، إنّما هو إذاعة سرّه»[1].
6. إخافة المؤمن: عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من نظر إلى مؤمن نظرة ليخيفه بها أخافه الله -عزَّ وجلَّ- يوم لا ظلّ إلّا ظلّه»[2].
7. ترويع المؤمن: عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «من روّع مؤمنًا بسلطان ليصيبه منه مكروه فلم يصبه فهو في النّار ومن روّع مؤمنًا بسلطان ليصيبه منه مكروه فأصابه فهو مع فرعون وآل فرعون في النّار»[3].
[1] الشيخ الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج2، ص37. [2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص368. [3] المصدر نفسه.
302
288
الموعظة الرابعة والأربعون: خدمة الناس وكفّ الأذى
قصّة وعبرة
عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: «جاء رجل إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) فشكا إليه أذى من جاره. فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): اصبر، ثمّ أتاه ثانية، فقال له النبيّ (صلى الله عليه وآله): اصبر، ثمّ عاد إليه فشكاه ثالثة، فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله) للرجل الذي شكا: إذا كان عند رواح الناس إلى الجمعة فأخرج متاعك إلى الطريق حتّى يراه من يروح إلى الجمعة فإذا سألوك فأخبرهم، قال: ففعل، فأتاه جاره المؤذي له، فقال له: ردّ متاعك فلك الله عليّ أن لا أعود»[1].
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص668.
303
289
الموعظة الخامسة والأربعون: ستْر العُيوب
الموعظة الخامسة والأربعون: ستْر العُيوب
تعرّف أهمّيّة الستر وفضله وآثاره، والتحذير مِن تَتَبُّع العيوب والعَثرات.
محاور الموعظة
اللّه ستّار العيوب
النهي عن تتبُّع العثرات والعيوب
فضل ستر عيوب المؤمنين، وآثاره
موارد لا يَصحّ فيها الستر
تصدير الموعظة
أمير المؤمنين (عليه السلام): «لو وَجَدْتُ مُؤمنًا على فاحشةٍ، لَسَتَرتُه بِثوبي»[1].
[1] الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل، ج12، ص424.
304
290
الموعظة الخامسة والأربعون: ستْر العُيوب
الستر مِن أجلّ الأخلاق التي ينبغي للمسلم أن يتحلّى بها، لِما فيها مِن حفظٍ للأعراض وتَجاوُزٍ عن العورات وسترٍ على أصحاب المعاصي والسيّئات، وحَيلولةٍ دون إشاعة الفاحشة بين الناس. وقد نبّهَت الآيات الشريفة إلى عظيم خَطرها؛ يقول -تعالى-: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلفَٰحِشَةُ فِي ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٞ فِي ٱلدُّنيَا وَٱلأخِرَةِ وَٱللَّهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لَا تَعلَمُونَ﴾[1].
اللّه ستّار العيوب
لو الْتفَتَ أيٌّ مِنّا إلى نفسه، لَعَلِم كم مِن العيوب لديه سَتَرها المولى عليه، ولم يَكشِفها أمام الخلائق. والمُتأمِّل في كلمات المعصومين (عليهم السلام) وأدعيتهم -في ما يرتبط بِستر اللّه -تعالى- على عبده- يُدرك مَدى ألطافه بِخَلقه.
1. ستر الله على مَن يستحقّ الفضيحة مِن عباده
عن الإمام زين العابدين (عليه السلام): «يا إِلهي، فَلَكَ الحَمْدُ، فَكَمْ مِنْ عائِبَةٍ سَتَرْتَها عَلَيَّ فَلَمْ تَفْضَحْني، وكَمْ مِنْ ذَنْبٍ غَطَّيْتَه عَلَيَّ فَلَمْ تشْهرْني، وكَمْ مِنْ شائِبَةٍ أَلْمَمْتُ بِها فَلَمْ تَهْتِكْ عَنّي سِتْرَها، ولَمْ تُقَلِّدْني مَكْروه شَنارِها، ولَمْ تُبْدِ سَوْءاتِها لِمَنْ يَلْتَمِسُ مَعايِبي مِنْ جيرَتي وحَسَدَةِ نِعْمَتِكَ عِنْدي؟»[2].
[1] سورة النور، الآية 19. [2] الإمام زين العابدين (عليه السلام)، الصحيفة السجّاديّة، ص80، الدعاء 16.
305
291
الموعظة الخامسة والأربعون: ستْر العُيوب
2. سيّئات أخفاها اللّه على الملائكة الكاتبين
وَرد في دعاء كميل بن زياد: «… وكلّ سيّئةٍ أمَرْتَ بإثباتها الكرام الكاتبين، الذين وَكّلتَهم بِحفظِ ما يكون منّي، وجعلتهم شهودًا عَلَيّ مع جوارحي، وكنتَ أنت الرقيب عَلَيّ مِن ورائهم، والشاهد لِما خَفِيَ عنهم، وبِرحمتك أخفيتَه، وبِفضلك سترتَه…»[1].
3. طلب الستر الإلهيّ يوم القيامة
ورَد في المناجاة الشعبانيّة لِأمير المؤمنين (عليه السلام): «إلهي، قد سترْتَ عَليّ ذنوبًا في الدنيا، وأنا أحْوَج إلى سترها عَليَّ مِنك في الأخرى. إلهي، قد أحسنْتَ إليَّ إذ لم تُظهرها لِأحدٍ مِن عبادك الصالحين، فلا تفضحني يوم القيامة على رُؤوس الأشهاد»[2].
4. الستر الإلهيّ الذي يَعقب التوبة
يَروي معاوية بن وهب، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إذا تابَ العبد توبةً نصوحًا أحبَّه اللّه، فَسَتَر عليه في الدنيا والآخرة»، فقُلتُ: وكيف يَستر عليه؟ قال (عليه السلام): «يُنسي مَلَكَيْه ما كَتَبا عليه مِن الذنوب، ويوحي إلى جوارحه: اكتُمي عليه ذنوبه، ويوحي إلى بقاع الأرض: اكتُمي ما كان يَعمل عليك مِن الذنوب. فيَلْقى اللّه حين يَلقاهُ، وليس شيءٌ يَشهد عليه بِشيءٍ مِن الذنوب»[3].
[1] الشيخ الطوسيّ، مصباح المتهجّد وسلاح المتعبّد، ص849. [2] السيّد ابن طاووس، الإقبال بالأعمال الحسنة في ما يعمل مرّة في السَنة، ج3، ص297. [3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص430.
306
292
الموعظة الخامسة والأربعون: ستْر العُيوب
5. شِدّة ستر اللّه على عبده
ورَد في الحديث الشريف: «إنّه يُؤتى يوم القيامة بِعَبدٍ يبكي، فيقول اللّه -سبحانه- له: لِمَ تبكي؟ فيقول: أبكي على ما سينكشِف عنّي مِن عوراتي وعيوبي عند الناس والملائكة. فيقول اللّه: عبدي، ما افْتَضَحْتُك في الدنيا بِكَشْف عيوبك وفواحشك، وأنت تعصيني وتضحك. فكيف أفضحُك اليوم بِكَشْفِها، وأنت تعصيني وتبكي؟»[1].
النهي عن تتبُّع العثرات والعيوب
أمَرَنا الإسلام بالتعامل مع الآخرين على قاعدة حُسن الظاهر، وأن نحمل المؤمن على الأحسن، ما دمنا نَجِدُ لِذلك محملًا، بل إنّ الشريعة حَرّمَتْ تتبُّع عورات الناس وعَثراتهم، عادّةً ذلك نوعًا مِن التجسُّس الممنوع -شرعًا وأخلاقًا-، لِما يُسبّب مِن هَدْمٍ للبناء الاجتماعيّ، وقضاءٍ على تماسكه ولُحْمَته.
1. حُرمة إذاعة سِرّ المؤمن
عن عبد اللّه بن سِنان: قلتُ له[2]: عَورة المؤمن على المؤمن حرام؟ قال (عليه السلام): «نعم»، قلتُ: يعني سُفْلَيْه؟ قال (عليه السلام): «ليس حيث تذهب، إنّما هو إذاعة سِرِّه»[3].
[1] الشيخ النراقيّ، جامع السعادات، ج2، ص209. [2] للإمام الصادق (عليه السلام). [3] الشيخ الطوسيّ، تهذيب الأحكام في شرح المقنعة، ج1، ص375.
307
293
الموعظة الخامسة والأربعون: ستْر العُيوب
2. تتبُّع العثرات وإحصاؤها لِلحديث بها أقربُ إلى الكفر
عن الإمام الباقر (عليه السلام): «إنّ أقرب ما يكون العبد إلى الكفر أنْ يُواخي الرجلُ الرجلَ على الدين، فيُحصي عليه عثراته وزلّاته، لِيُعَنّفه بها يومًا ما»[1].
3. المتتبّع لِلعورات مِن جُملة المنافقين
عن النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله): «يا معشر مَن آمن بِلسانه ولَمْ يخلص الإيمان إلى قلبه، لا تتَّبِعوا عورات المؤمنين، فإنّه مَن تتبّع عورات المؤمنين تَتَبَّع اللّه عورته، ومَن تتبّع اللّهُ عَورته فَضَحَه وَلَوْ في جَوْف بيتِه»[2].
4. مُذيع الذنْب كفاعله
عن الإمام الصادق (عليه السلام): «مَن اطَّلَعَ مِن مؤمنٍ على ذنْبٍ أو سيّئة فَأَفشى ذلك عليه، ولَم يَكتمها، ولَم يستغفر اللّه له، كان عِند اللّه كعامِلها، وعليه وِزْر ذلك الذي أفشاه عليه، وكان مَغفورًا لِعامِلها، وكان عقابُه ما أفشى عليه في الدنيا مَستورًا عليه في الآخرة، ثمّ يَجِد اللّه أكرم مِن أن يُثنِّي عليه عقابًا في الآخرة»[3].
5. كذِّبْ سَمْعك وبَصَرك، ولا تَكُن ممَّن يُحبّون أن تشيعَ الفاحشة
عن الإمام الكاظم (عليه السلام) -في خِطابه إلى محمّد بن الفضيل-: «يا محمّد، كذِّبْ سَمْعَك وبَصَرك عن أخيك، وإنْ شَهِدَ عندك خَمسون قَسّامة. وقال لك قولًا فَصَدِّقْه وكَذِّبْهم، ولا تُذيعَنّ عليه شيئًا تشينُه
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص355. [2] الشيخ البرقيّ، المحاسن، ص104. [3] الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل، ج9، ص134 – 135.
308
294
الموعظة الخامسة والأربعون: ستْر العُيوب
به، وتَهدِم به مُروءته، فيكون مِن الذين قال اللّه -عزَّ وجلّ-: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلفَٰحِشَةُ﴾[1]»[2].
6. الأمر بالحُكم على الظاهر مِن دون الدخول إلى الباطن
عن النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله): «إنّي لَم أُؤْمَر أن أُنقّب عن قلوب الناس، ولا أشقّ بُطونهم»[3].
فضْل ستر عيوب المؤمنين، وآثاره
كفى بِستر العيوب فضلًا أنّه مِن أوصاف اللّه -تعالى-، الذي مِن شِدّة اعتنائه بِستر الفواحش، أناطَ ثبوت الزنا -وهو أفْحشها- بِما لا يمكن اتّفاقُه إلّا نادرًا، وهو مُشاهدة أربعةِ عدول الزنا -كالميل في المكحلة-. فانْظُر إلى أنّه -تعالى- كيف أسبَلَ الستر على عُصاة خَلْقِه في الدنيا بِتضييق الطُرُق المؤدّيةِ إلى كَشْفِه[4].
1. اسْتُر أخاك بِما تطيق
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لِأمير المؤمنين (عليه السلام): «لَوْ رأيتَ رجلًا على فاحشة؟ قال: أستره. قال: إن رأيته ثانيًا؟ قال: أستره بِإزاري ورِدائي -إلى ثلاث مرّات-. فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله): لا فتى إلّا عليّ». وقال (صلى الله عليه وآله): «اسْتُروا على إخوانكم»[5].
[1] سورة النور، الآية 19. [2] الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال، ص247. [3] الشيخ الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج1، ص390. [4] الشيخ النراقيّ، جامع السعادات، ج2، ص209. [5] الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل، ج12، ص424.
309
295
الموعظة الخامسة والأربعون: ستْر العُيوب
2. الستر في الدنيا والآخرة
قال (صلى الله عليه وآله): «مَن سَتَر على مُسلمٍ، سَتَرَه اللّه -تعالى- في الدنيا والآخرة»[1].
وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «… ومَن سَتَر على مؤمن عَورةً يخافها، سَتَر اللّه عليه سَبعين عورة مِن عَورات الدنيا والآخرة…»[2].
موارد لا يَصحّ فيها الستر
الأصل في ذِكر العيوب هو المَنْع، ولكنّ الشريعة الإسلاميّة استَثْنَتْ جُملةً مِن الموارد مِن حُرمة إذاعة العيوب، بل إنّ بعضها لا يَصحّ فيها الستر. وقد تعرّض لها الفقهاء وعُلَماء الأخلاق في كُتُبِهم ومَجاميعهم. وهي:
1. تَظَلُّم المظلوم بِذِكر ظُلْم الظالم عِندَ مَن يرجو رَفْعَه الظُلم عنه
قال -سبحانه-: ﴿لَّا يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلجَهرَ بِٱلسُّوءِ مِنَ ٱلقَولِ إِلَّا مَن ظُلِمَ﴾[3]؛ عن ابن عباس: «لا يُحبّ اللّهُ الجهرَ بالسوء مِن القَول، لكنّ مَن ظُلِمَ فلا حَرَجَ عليه أنْ يُخبِر بِما نِيل منه»[4].
2. نُصْح المستشير
إنّ النّصيحة واجبة لِلمُستشير، وخِيانته قد تكون أقوى مَفسدة مِن مفسدة عدم الستر؛ قال النبيّ (صلى الله عليه وآله) لِفاطمة بنت قيْس -المُشاورة في
[1] الفيض الكاشانّي، المحجّة البيضاء في تهذيب الأحياء، ج3، ص375. [2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص200. [3] سورة النساء، الآية 148. [4] الشيخ الطوسيّ، التبيان في تفسير القرآن، ج3، ص371.
310
296
الموعظة الخامسة والأربعون: ستْر العُيوب
خِطابها-: «مُعاوية صُعلوك لا مال له، وأبو الجهم لا يَضَعُ العصا على عاتِقه»[1].
3. تحذير المسلم مِن شَرّ الوقوع في الضرر لِدُنيا أو دين
فإنّ مصلحة دَفْع فتنة الشر والضرر أَوْلى مِن هَتْك شرّ المُغتاب، كالمبتدع الذي يُخاف مِن إضلاله الناس، فإذا رأيتَ مَن يتردّد إلى مُبتدِعٍ أو فاسق، وخِفْتَ أن يتعدّى إليه بِدعته أو فِسقه، فَلَكَ أن تكشِفَ مساوئه؛ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إذا رأيتم أهل الرَيْب والبِدَع مِن بَعدي فَأَظهِروا البراءة منهم، وأكثِروا مِن سَبِّهِم والقَولِ فيهم والوقيعة، وباهِتوهُم، كي لا يَطْمَعوا في الفساد في الإسلام، ويَحذَرهم الناس، ولا يتعلّمون مِن بِدَعِهم، يَكتُب اللّه لكم بِذلك الحسنات، ويَرفع لكم به الدرجات في الآخرة»[2].
4. غيبة المتجاهر بالفِسق في ما تجاهر به
فإنّ مَن لا يبالي بِظهور فِسقه بين الناس، لا يَكرَه ذِكْره بِالفسق، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إذا جاهر الفاسق بِفِسقه، فلا حُرمة له ولا غيبة»[3].
[1] حبيب الله الهاشميّ الخوئيّ، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، ج8، ص375. [2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص374. [3] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص93.
311
297
الموعظة السادسة والأربعون: حسن الجوار
الموعظة السادسة والأربعون: حسن الجوار
بيان جملة من الحقوق والواجبات المترتّبة على مجاورة الناس بعضهم لبعض.
محاور الموعظة
تفسير حسن الجوار
بركات حسن الجوار
الجار قبل الدار
إيذاء الجار
تفقّد الجار
تصدير الموضوع
﴿وَٱعبُدُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُشرِكُواْ بِهِ شَئٗا وَبِٱلوَٰلِدَينِ إِحسَٰنٗا وَبِذِي ٱلقُربَىٰ وَٱليَتَٰمَىٰ وَٱلمَسَٰكِينِ وَٱلجَارِ ذِي ٱلقُربَىٰ وَٱلجَارِ ٱلجُنُبِ وَٱلصَّاحِبِ بِٱلجَنبِ﴾[1].
[1] سورة النساء، الآية 36.
312
298
الموعظة السادسة والأربعون: حسن الجوار
أوصت الشريعة بمراعاة حسن الجوار وأولته عناية خاصّة معتبرةً حسن الجوار من أفضل مكارم الأخلاق التي ينبغي أن يتمتّع بها المسلم، وأنّ الجار له حرمته وقدسيّته التي لا يجوز التهاون بها.
فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ما زال جبرئيل (عليه السلام) يوصيني بالجار حتّى ظننت أنّه سيورّثه»[1].
تفسير حسن الجوار
عن الإمام الكاظم (عليه السلام): «ليس حسن الجوار كفّ الأذى، ولكن حسن الجوار الصبر على الأذى»[2].
بركات حسن الجوار
1. امتثال أمر الله: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «عليكم بحسن الجوار فإنّ الله أمر بذلك»[3].
2. نموّ الرزق: عن الإمام عليّ (عليه السلام): «حسن الجوار يزيد في الرزق»[4].
3. عمران الديار: عن الإمام عليّ (عليه السلام): «حسن الجوار يعمر الديار، ويزيد في الأعمار»[5].
[1] الشيخ الطوسيّ، الأمالي، ص514. [2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص667. [3] الشيخ الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج1، ص486. [4] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص666. [5] المصدر نفسه، ص667.
313
299
الموعظة السادسة والأربعون: حسن الجوار
4. زيادة الإخوان: عن الإمام عليّ (عليه السلام): «من حسن جواره كثر جيرانه»[1].
وعن الإمام عليّ (عليه السلام): «من أحسن إلى جيرانه كثر خدمه»[2].
الجار قبل الدار
والسؤال عن الجار قبل الدار؛ لأنّ الجار قد يكون مصدر سعادة وأنس وقد يكون مصدر إزعاج وتعاسة ممّا يؤثّر على حياة الإنسان، فعن الإمام عليّ (عليه السلام): «جاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: يا رسول الله! إنّي أردت شراء دار، أين تأمرني أشتري؟ في جهينة أم في مزينة أم في ثقيف أم في قريش؟ فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): الجوار ثمّ الدار، الرفيق ثمّ السفر»[3].
وعن الإمام عليّ (عليه السلام): «سل عن الجار قبل الدار»[4].
جار السوء
قال لقمان (عليه السلام): «حملت الجندل والحديد وكلّ حمل ثقيل، فلم أحمل شيئًا أثقل من جار السوء»[5].
وفي الحديث إشارة لطيفة، وهي أنّ جار السوء عليك أن تتحمّله.
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يا عليّ! أربعة من قواصم الظهر:.. وجار سوء في دار مقام»[6].
[1] الشيخ الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج1، ص486. [2] المصدر نفسه. [3] الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل، ج8، ص210. [4] الشيخ الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص284. [5] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص766. [6] الشيخ الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص73.
314
الولاية الاخبارية موقع اخباري وثقافي لمن يسلك الطريق الی الله