الوقت – وصلت ابتكارات الحرس الثوري الإيرانيّ إلى مرحلة بات أصحاب التاريخ العريق في السلاح البحريّ يستفيدون منها. فكرة الإستفادة من الزوارق السريعة المجهّزة بأسلحة خفيفة ومتوسّطة من أهم الأولويات العسكرية في الحروب، وهي من إبداع القوات المحلية في الحرس الثّوري الإيراني. وعلى الرغم من أن هذه الزوارق كانت في حرب إيران السابقة تفتقد للتكنلوجيا والتجهيزات، إلّا أنها بإمكاناتها المتواضعة أثبتت جدارتها وأهميّتها، وشجّعت القوات الإيرانية على تطويرها وتجهيزها. وبات الخليج الفارسي اليوم مليئاً بالزوارق المجهّزة الحاضرة للدّفاع عن حدود الوطن.
قبل الثورة الإسلامية، كانت التجهيزات العسكرية بكاملها أجنبية، وبالتالي كان العدوّ يعلم تماما نقاط ضعفها. لذلك كان على الحرس أن يعدّل تقنياتها ويطوّرها. تتوّجت أول خطوة بزوارق ذات سرعة 37 كلم في الساعة. وبعدها، منذ حوالي الثلاثين سنة، باتت إيران تنافس القوات الأمريكية.
في ذلك الوقت كان زورق عاشوراء السريع من أشهر القوارب الإيرانية، رغم أنه لم يكن مجهّزا سوى بألغام بحرية، صواريخ 107 بمدى 8.5 كلم تقريبا، وبندقية عيار 12.7 وقاذفات صواريخ أرض جو في بعض الأحيان.
في الحرب المفروضة ردّت القوات الإيرانية على حوالي 100 عملية اعتداء. في البداية كانت تضرب سفينة للعدوّ بعد ضرب ستة سفن لها، بعدها تغيّرت المعادلة وباتت واحدة مقابل واحدة، لتتطوّر فيما بعد وتصبح ثلاثة سفن مقابل كل سفينة. في تلك العمليات أظهرت الزوارق السريعة قدرتها على المواجهة، وقام الحرس الثوري بتجهيزها بطوربيدات وبصاروخ كروز، في خطوة لم يكن لها مثيل في العالم.
رقم قياسي في تصنيع الزوارق السريعة
أحد نماذج الطوافات الإيرانية، زورق بسرعة 148 كلم في الساعة. تم الكشف عنه في مقابلة مع قائد القوات البحريّة الإيرانية منذ عامين، وكان قيد التجربة، ليدخل العام الماضي مرحلة التصنيع الفعلية، حاملا على متنه صاروخ كروز الذي يبلغ مداه حوالي 100 كلم تقريبا. ويبدو أن هذا الصاروخ مجهّز بمحرّك نفّاث وبأبعاد قريبة من صاروخ نصر.
بالإضافة إلى ذلك، أجرى الحرس الثوري اختبارات على طوافات تفوق سرعتها الـ200 كلم في الساعة، في رقم قياسي يساوي ثلاثة أضعاف سرعة الطوافات في الجيش الأمريكي، وضعفي سرعة الطوافات في الجيوش العالمية.
بالتالي لم يستطع أحد كسر شوكة أمريکا في هذا المجال سوى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وقد ظهر ذلك في المناورات الأمريكية، ومن السهل البحث عن اعترافات من القيادة الأمريكية بهذا الشأن. ولأن أمريكا والغرب غير قادرين على الوصول إلى القدرات الإيرانية في هذا المجال باتوا مضطرين إلى تغيير معادلاتهم البحرية. وهم يعملون على تقليد التكتيكات الإيرانية في المجال البحري. وإدخال الطوافة “بلايد رانر” إلى القوات البحرية البريطانية هي خير دليل على ذلك.
“بلايد رانر” في خدمة حرس الثورة
في البداية صُمم بلايد رانر كقارب للسباق، وكان الأسرع بين كل مثيلاته. هذه النقطة لم يغفل عنها القادة في الحرس الثوري، الذين سارعوا إلى العمل على شرائه. كالعادة واجه الطلب الإيراني رفضا من المصنّعين، لكن الجانب الإيراني لم يستسلم وعمل على تدبير عملية الشراء بطريقة ما. ونجح في ذلك قبل حوالي الثمانية أعوام عبر وسيط في أفريقيا الجنوبية، حيث أُرسل الزورق السريع عبر سفينة إلى الشواطئ الإيرانية.
لم يلتفت أعداء إيران الى الموضوع في بداية الأمر، إلا أن القوات الأمريكية أرسلت من يعيق وصوله عند فهمهم لما حصل، لكنهم لم ينجحوا في ذلك بسبب الإصرار الإيراني. كانت السفينة الأمريكية تصل إلى مسافة 500 من السفينة الناقلة، وتهدف إلى عدم السماح لها بمتابعة المسير، إلا أنها سرعان ما غادرت بعد وصولها إلى مسافة 65 كلم من الشواطئ الإيرانية.
وبينما كان بلايد رانر للسباق البحري فقط، بالإضافة إلى تصنيعه، أضاف إليه المصممون الإيرانيون، رادارا بشعاع 30 كلم وزوّدوه بصواريخ 107 وقواذف صواريخ وطوربيد، ورشاش من عيار 12.7، وسمّي بـ”سراج 1″ وهو اليوم في المياه الإيرانية في الجنوب، تحت خدمة القوات البحرية.
بعدما شاهدت بريطانيا فعالية بلايد رانر الكبيرة، عملت على الإستفادة منه في عمليات إجراء القانون والدوريات السريعة في مدينة لندن. وقد قاموا بتجهيزه برادارات مسح سطحية وكاميرات مراقبة، كما عملوا على نوعين منها، أولهم مع سائق والثاني يُتحكّم به عن بعد.
النموذج الثاني من بلايد رانر تستفيد منه القوات الإيرانية منذ ما يقارب العشر سنوات، يسير بسرعة 93 كلم في الساعة ومجهز برادار وصواريخ. ويمكن الإستفادة منه في تفجيره عن بعد، وأحد الأمثلة على ذلك ما فعله اليمنيون بقوات العدوان السعودي، حيث ألحقوا بناقلاتهم أضراراً فادحة.
هذا غيض من فيض الأسلحة البحرية التي يمتلكها الحرس الثوري الإيراني في دفاعه عن بلاده التي لطالما فداها بكل ما يملك، وألحق بمبغضيها أشد العقاب. ومن المؤكد أن القيادات الإيرانية تخبئ في جعبتها الكثير من المفاجآت التي يرغب العدوّ بمعرفتها، إلا أنه لن يكتشفها إلا في حال ارتكب حماقة واعتدى على حدود الجمهورية الإسلامية.