يرى الباحث والمحلل السياسي المتخصص في شؤون الخليج سايمون هندرسون، أن زيارة الملك السعودي الى واشنطن، أتت لرأب التباين بين الولايات المتحدة والسعودية والتأسيس لمدى استراتيجي، رغم أن إدارة أوباما هي في عامها الأخير، والحالة الصحية والذهنية للملك سلمان لا تساعده في الأداء الديبلوماسي والعلاقات الخارجية طويلاً…
لكن هذه الزيارة يقف وراء تنظيمها في الكواليس ولي ولي العهد، محمد بن سلمان، الشاب الطموح الصاعد بسرعة في مسار السياسة، بصفته الملك المستقبلي الذي يحظى بفرصة بقاءٍ في الحكم لمدة طويلة، على أساس أن التغيرات التي حدثت في البيت السعودي تؤشر إلى أن بقاء ولي العهد الحالي محمد بن نايف في الحكم بعد وفاة أو تنازل سلمان، لن تكون طويلة لأنه ليس له وريثٌ ذكر، وأن طموح محمد بن سلمان لن يستطيع الانتظار ليصبح ملكاً.
ويوضح بالقول، أن العاهل السعودي الذي يبلغ من العمر 79 عاماً، يُفسح في المجال أمام نجله لإدارة الأمور منذ الآن خاصة أنه يعتبر «مهندس» البيت الداخلي السعودي للحفاظ على نفوذ «السديريين»، وإقصاء كافة المقربين من الملك الراحل عبدالله من جهة، ومن جهة أخرى استعراض القوة السعودية الإقليمية- تحت سلطة الجناح السديري- والتي هندسها أيضاً محمد بن سلمان عبر الحرب على اليمن، مما ورط السعودية بوحول مستنقعٍ يصعب الخروج منها، سيما وأن المعارضين لمحمد بن سلمان يأخذون عليه اعتداده بنفسه وتهوره في اتخاذ القرارات.
وذهب بعض المحللين، في أن الزيارة الأخيرة للملك سلمان تشبه لقاء الملك المؤسس عبد العزيز بن سعود مع الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، وهو اللقاء الذي وضع الخطوط العريضة للتحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة قبل سبعين عاماً، لكن هذا التحليل أمرٌ مبالغٌ فيه وغير واقعي، لأن حاجة روزفلت لعبد العزيز لا يطلبها أوباما ولن يطلبها أي رئيس أميركي مستقبلي من أي ملك سعودي سواء كان سلمان أو نجله، وأميركا روزفلت التي كانت تبحث عن موطئ قدم في صحراء آبار النفط، بدأت رحلة العودة من الشرق، وباشرت بإنتاج النفط الصخري في أراضيها، وهي اليوم ليست بنفس الحاجة لإسترضاء السعودية التي فشِلت أن تكون حليفاً وبقيت مجرد أداة وسط المتغيرات التي عصفت بالمنطقة، وفشل السعودية بأن تكون حليفاً يُعتمد عليه استراتيجياً مَرَده الى أنها مملكة مبنية سياسياً على رمال وتعتمد في الحفاظ على وجودها الذاتي على مبدأ «مات الملك، عاش الملك»، فكيف تُبنى معها علاقاتٌ استراتيجية وسط صراعات الأجنحة العائلية؟!
وحيث أن زيارة سلمان الى واشنطن، تزامنت عن قصدٍ أو غير قصد مع مناقشات الكونغرس للإتفاق النووي الإيراني، فإن العاهل السعودي قد أغفل، أن الكونغرس لا يستطيع إلا أن يوافق على الإتفاق لتجنب فيتو من الرئيس، سيما وأن أميركا ستكون محرجة ديبلوماسياً مع شركائها في «الخمسة زائد واحد» ما لم يصوت الكونغرس بالإيجاب ويرفع العقوبات الأميركية عن إيران أسوةً بما فعلته الدول الغربية الأخرى، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنه خيرٌ للغرب وأميركا وحتى لإسرائيل والسعودية ومعها دول الخليج (الفارسي) التابعة، أن يتم تطبيق هذا الإتفاق بسلاسة وإلتزام، لأنهم ليسوا بحجم المواجهة مع إيران في حال الإخلال معها بالعهود والمساس بحقها في إنتاج الطاقة النووية للأغراض السلمية، والإعلان الذي صدر عن الملك السعودي من واشنطن بتأييد الإتفاق النووي مع إيران جاء متأخراً، بعد محاولات غير ذات جدوى بَذَلَها سلمان خلال المحادثات مع أوباما، تماماً كالفشل في إقناعه بتأخير واشنطن إنتاج النفط الصخري الذي يؤثر سلباً على استراتيجية الإنتاج السعودي وسط استمرار انخفاض أسعار النفط.
ما يَحكُم السياسات السعودية هي السذاجة في تناول الأمور الكبرى عبر التبسيط وبسط اليد بالمال وإبرام صفقات المشاريع وشراء الأسلحة من أميركا، وإذا كانت السعودية تخشى لجوء أميركا الى استبدالها بإيران، فهي أيضاً أغفلت أن أميركا تنظر الى إيران أنها جمهورية ذات نظام سياسي ثابت وأنها لا تحيد عن ثوابت ثورتها، وأنها أيضاً واضحة في مواقفها وقادرة على التحالف والخصومة بِحرية نابعة من قوتها الذاتية، وأن إيران لا يُمكن أن تكون ولا ترضى أن تكون يوماً في مقام السعودية في علاقتها بأميركا، طالما أن السياسة الأميركية متمادية في الظلم بدءاً من القضية الفلسطينية واستمرار العدوان الصهيوني، مروراً بقضايا المستضعفين عبر العالم التي تُعتبر أميركا الشيطان الأكبر فيها، وانتهاء بملف الإرهاب الذي تراه إيران من منظورها الواقعي كقوة إقليمية أنه أخطر الملفات على أمن الإقليم بينما تراه أميركا أداة زرع إسرائيليات وتمزيق أنظمة وأوطان.
ولابد من متابعة الأداء السعودي في محاربة الإرهاب الذي تزعَمه وتتزعمه أميركا، أن تركيا أذعنت للرغبات الأميركية بتوجيه بضع ضربات على تجمعات تنظيم داعش، وبريطانيا وفرنسا أعلنتا منذ أيام عن النية في بدء ضرب داعش في سوريا، بينما السعودية هي الوحيدة التي لا تجرؤ على المشاركة العلنية، لأن داعش هي في قلب المملكة وتضم كل الرافضين للنظام السعودي والحانقين على العائلة المالكة، وينتظرون أوامر العمليات من قيادات الخارج في حال هاجمت السعودية تجمعاتهم في العراق وسوريا، وهذا ما جعل أميركا تطوي صفحة السعودية كحليف استراتيجي يُعتمد عليه، باستثناء أعمال التدمير والقتل والتهجير التي تُرتكب في اليمن، ودعم ما يُسمى بالمعارضة السورية المعتدلة.
ختاماً، كل ما حققه وقد يحققه الملك سلمان في رحلة النَفَس الأخير لسياسات التخبط السعودية، هو كما العادة، استغلال نقطة ضعف أميركا في إغرائها بالصفقات سواء عبر الإستثمارات أو شراء الأسلحة مقابل حد أدنى من الإستثمار الإعلامي السعودي عن علاقات استراتيجية وهمية، لا مصداقية أميركا تضمنها ولا مملكة مبنية على الرمال تحكمها شريعة «مات الملك عاش الملك» قادرة على الإلتزام بها…