الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / شرح لدعاء الصباح المروي عن أمير المؤمنين في حلقات

شرح لدعاء الصباح المروي عن أمير المؤمنين في حلقات

24

شرح قوله (عليه السلام): (الهي هذه أزمة نفسي عقلتها بعقال مشيتك…)

ونتناول الآن مقطع جديد وهو (الهي هذه ازمة نفسي عقلتها بعقال مشيتك، وهذه اعباء ذنوبي درأتها بعفوك ورحمتك، وهذه اهوائي المضلة وكلتها الى جناب لطفك ورحمتك) …

هذا المقطع من الدعاء يتضمن ثلاث ظواهر تتصل بسلوك العبد من حيث علاقته بالوظيفة العبادية التي خلق الله تعالى الانسان من اجل ممارستها، فهناك اولا: ظاهرة “الذنوب” التي تصدر من العبد عبر اخفاقه او عدم نجاحه في الاختبار العبادي،

وهناك ثانيا: ازمات نفسية متمثلة في الاهواء التي تعصف بالعبد سواءا كانت ذات أثر شرعي الحرمة او ذات غفلة للعبد بحيث يتلهى بمتاع الحياة الدنيا،

وهناك ثالثاً: الطبيعة البشرية العامة متمثلة في تركيبة النفس بغض النظر عن مستويات السلوك الصادر عنها، حيث بدأ الدعاء بالاشارة الى هذا الجانب واتجه الى الله تعالى قائلاً: (هذه ازمة نفسي عقلتها بعقال مشيتك)، وهو ما نبدأ الحديث عنه الآن .. فماذا نستخلص من العبارة او الاستعارة المذكورة؟

من الواضح ان التركيبة النفسية للبشر تبقى محتفظة بحيادها حيال الفجور او التقوى، حيال الخير والشر، أي ان الشخصية هي التي تختار سلوكها الايجابي او السلبي بقدر وعيها وتعاملها مع وظيفتها العبادية حيث ان الله تعالى امرنا ان نتجه الى ممارسة السلوك الايجابي المتمثل بالالتزام بمبادئ الله تعالى، وامرنا بعدم ممارسة السلوك السلبي المتمثل في نواهيه تعالى.

والمهم ان مقطع الدعاء الذي نتحدث عنه بدأ بالاشارة الى ان العبد فوض امره الى الله تعالى طالباً منه التوفيق لممارسة المهمة العبادية بنحوها المطلوب طبيعياً الدعاء لم يتحدث بهذا التفصيل بل قدم لنا استعارة هي ان العبد ترك امره الى مشية الله تعالى ومن الطبيعي عندما يترك العبد الى الله تعالى نفسه فهذا يعني ضمنا انه يطلب الخير..

وهذه سمة او قاعدة بلاغية تترك قارئ الدعاء تستخلص دلالات محذوفة نظراً لوضوحها في الذهن، والمهم ان مقطع الدعاء قدم لنا هذه الظاهرة “أي ان العبد يكل امره الى مشيئة الله تعالى” قدم لنا هذه الظاهرة من خلال استعارة واضحة وعميقة وطريفة هي استعارته من الابل “زمامها” أي المقود، ثم شدة وربطة بالجبل الذي يشد ذراع الابل ومستاقه…

والسؤال الان ماذا نستخلص من الاستعارة المذكورة لا نحتاج الى تأمل طويل حتى ندرك بان الدلالة التي نستخلصها من الاستعارة المذكورة هي ان العبد ترك قيادة نفسه الى الله تعالى، وبما ان العبد في الغالب لا يدعه الشيطان بمنأى عن الانصياع الى الاهواء او الحاجات الملحة غير المشروعة لذلك يحتاج العبد الى من يكبح جماح هواه ويمسك بمقوده ويحجزه عن الاندفاع نحو هواه الدنيوي.

من هنا فان العبد بحاجة كبيرة الى توفيق من الله تعالى وتصميم من نفسه على منع نفسه من الانصياع لمتاع الدنيا العابر، وهذا ما اضطلع به مقطع الدعاء عندما توسل بالله تعالى بان يوفقه لما يرضيه تعالى، وهذا التوفيق استعار له ما لاحظناه من الزمام وضبطه حتى لا يجمح به هواه الى ما لا يرضى الله تعالى.

اتضح بجلاء ما تضمنه التعبير القائل (هذه ازمة نفسي عقلتها بعقال مشيتك) حيث ترمز الى ايكال العبد اموره الى الله تعالى.

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...