الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / شبهات و ردود – المحقق السيد محمد رضا الحسيني الجلالي

شبهات و ردود – المحقق السيد محمد رضا الحسيني الجلالي

الشريعة الاسلامية من معين السنة النبوية بين حماية العلماء و تزييف العلمانيين

القسم الخامس

7 ـ منهج التوثيق

إنّ الطريقة المعروفة في توثيق المعلومات ، هي الاعتماد على نقل النصوص بالرجوع إلى المصادر التي تشكّل موارد ثقة وإقناع ، والهدف قطع الطريق على المعارضين والتأكّد من المحتويات ، وإضفاء الاطمئنان بالنتائج . ويحاول أن تحدّد النصوص بشكل مضبوط ، وفي اُطر مميّزة بالأقواس ، مع الإشارة الواضحة إلى الكلمات الناقصة أو المبدّلة ، والإرجاع إلى المصادر المحدّدة كذلك ، وتعيين مواضع النصّ فيها بالجزء والصفحة غالباً ، والفصل والباب أحياناً . كلّ ذلك ، وصولا إلى الهدف والمذكور بدقّة وافية وسرعة أكثر . وتتأكّد هذه الطريقة لو كانت الدراسة تبحث عن موضوع علميّ أو تراثي ، لابدّ فيه من الاستشهاد بالمنقولات ومتابعتها .

 

وهذا ما يفتقده الكتاب الذي يعالج القصص والروايات ، أو عرض الأفكار للتسلية ، أو لبث المعلومات و ليس بصدد المناقشة و البحث . وموضوع تاريخي تراثي مثل « تدوين السنّة » لابدّ وأن تكون طريقة التوثيق فيه هي الطريقة المتداولة عند العلماء والمحقّقين ، إذ يعتمد أساساً على النصوص والروايات التي هي بحاجة إلى توثيق وضبط ، ومصادر ومراجع . أمّا الدخول في هذا الموضوع ، وتجاوز أعراف الطريقة المتعارفة فهو مؤدٍّ إلى عدم الثقة بالعمل ، وسقوطه علميّاً . وهكذا اتّبع مؤلّف « تدوين السنّة » وهو على قدر كبير من الجسارة ، منهجاً ، يفتقد كثيراً من عناصر البحث العلمي الرصين ، فلا مصادر مميّزة ، ولا مواضع محدّدة ، ولا نصوص مضبوطة . أمّا ذكر المصادر بلا ذكر المؤلّفين ، وخاصّة في غير المصادر المعروفة ، وكذا نسبة بعض المنصادر إلى مؤلّفين آخرين ، وكذلك ذكر المؤلّف من دون اسم الكتاب ، وذكر اسم الكتاب بصورة مغلوطة ، فاُمور تجعل القارئ يدور في فراغات و متاهات . و نذكر فيما يلي مجموعة من المفارقات التي سجّلناها ، و ملاحظاتنا عليها :
1 ـ يقول في ص 272 : « رواه الدارقطني في كتاب نصب الراية » . ويلاحظ أنّ « نصب الراية » إنّما هو للزيلعي ، ولم يعرف للدارقطني كتاب بهذا الاسم .

2 ـ ينقل في ص 33 عن : « المناقب : المكّي » و في ص318 الهامش 27 : « المكّي » فقط وكذلك ص243 هامش2 وص244 هامش6 . أمّا في ص196 فنجد « المكّي : محمّد بن علي المكّي المتوفّى سنة 386هـ » ولم يذكر الكتاب لا متناً ولا هامشاً; كما ليس لهذا المكّي ذكر في فهرس الأعلام ـ المهزوز الذي وضعه في آخر الكتاب ـ حتّى يجمع موارد ذكره ويوحّدها!
3 ـ يذكر في ص232 هامش 83 مصدراً باسم « أعلام النبلاء » من دون مؤلّف ، وكذا في ص257 هامش 48 ، أمّا في هذه الصفحة هامش 49 فهو يقول : « سير أعلام النبلاء : الذهبي »!
4 ـ يقول في ص272 هامش 4 « الجصّاص ، الطحاوي » من دون ذكر كتبهم و في ص 272 الهامش 4 : « السيوطي » من دون ذكر كتاب له ، مع أنّ السيوطي له عشرات المؤلّفات .
5 ـ يقول في ص294 هامش55 : « المغني » من دون ذكر للمؤلّف .
6 ـ و إهمال ذكر الجزء ، أو الصفحة ، أو كلاهما ، فهو أمر لم تخل منه صفحة من صفحات الكتاب .
7 ـ ونسبة الكتب إلى غير مؤلّفيها ففي ص 59 هامش 2 : جامع بيان العلم ، لابن عبدالله ، بينما مؤلّفه : ابن عبدالبرّ . وفي ص203 هامش8 وقع في خلط غريب ، حيث حاول أن يترجم لابن عبدالبرّ صاحب « الاستيعاب » فقال : « ابن عبدالبرّ ، هو الإمام عبدالله بن عبدالكريم بن فرّوخ المتوفّي سنة 264هـ يقول عنه ابن حنبل : إنّه كان يحفظ سبعمائة الف حديث عن رسول الله » . بينما صاحب « الاستيعاب » هو يوسف القرطبي ، المتوفّى 463هـ . وفي ص229 هامش 72 يقول : « جاء في الإصابة لابن عبدالبرّ » وكذا الهامش 74 .

بينما قد نقل عن « الإصابة ، لابن حجر » مكرّراً ، وليس لابن عبدالبرّ كتاب باسم « الإصابة » . 8 ـ وفي ص203 يقول ما نصّه : « يقول شارح مسلم : الثبوت ( ان . . . ) » . ويدلّ تنقيطه على أنّه يجهل أنّ مصدره هو شرح « مسلّم الثبوت » وهو كتاب في الاُصول ، معروف متداول! ولكن من أين وكيف نقل المؤلّف هذا النصّ ، وهو لا يعرف اسم المصدر؟! 9 ـ وفي ص43 يروي عن ابن الأثير في « اُسد الغابة » لكنّه في الهامش 20 يخرّج عن « المستدرك للحاكم ، وتقييد العلم ، وجامع بيان العلم » .

ومؤلّفو كلّ هذه الكتب يسبقون ابن الأثير بقرون من الزمن! و مثل هذه التصرّفات توجب الريب لدى القارئ ، في صحّة ما ينقله المؤلّف ، ولو كان اتّخذ ذلك منهجاً خاصاً به لأنّه على قدر كبير من الجسارة ، فهو استهتار باُصول التوثيق العلمي في استخدام المصادر ، ذلك الأمر الذي عدّه حتّى الغربيّون ضرورياً في الدراسة عن موضوع هامّ مثل تدوين السنّة . ولا تدلّ هذه التصرّفات إلاّ على بُعد المؤلّف عن المصادر التي يدّعي النقل منها ، ولا تبقى ثقة بالآراء التي فرّعها على مثل هذه التصرّفات الضحلة ، الساقطة علميّاً . وهناك تصرّفات تعدّ جناية وخيانة! من قبيل : أنّه يحاول أن ينقل عن المذهب الإمامي الاثني عشري ، في مواضع عديدة من كتابه ، ويستشهد بفقههم ، ويبدو وكأنّه واقف على تراثهم ومتّصل بهم ، لكنّه لم يراجع من مصادرهم إلاّ ( 4 ) كتب هي :
ص 34 كتاب « أمالي المرتضى » حيث نقل عنه في ص 68 أمراً من أخبار الجاهلية ، و هو كتاب معروف في الأدب و المحاضرات . و كتاب « مروج الذهب ، للمسعودي » وهو كتاب تاريخ قديم لا يتّسم بصبغة مذهبية معيّنة . ويذكر في ص 160 هامش 4 ، و ص 129 ـ 130 كتاب « الكافي : للكليني » . وآخر ما ينقل عنه كتاب « الوصايا والمواريث ، للكرباسي » . فهل المصادر عن المذهب الإمامي تنحصر في هذه؟! وهل هذه هي أهمّ مصادر الفقه الإمامي؟! وهي تملأ المكتبات والأعين كثرةً وانتشاراً! والموقف عينه يلتزمه مع المذهب الزيدي ، فعلى الرغم من ذكره لكتاب « المجموع » للإمام زيد الشهيد ، لكنّه لم يعتمد شيئاً من مصادر الزيديّة في الفقه ، على كثرتها ، وأكثرها مطبوع متداول! إنّ موقف المؤلّف من المصادر والمؤلّفين ، وطريقة ذكرها ، يوحي بعدم وقوفه عليها مباشرة ، بل إنّما ينقل بواسطة مصادر اُخرى ، ولهذا وقع في هذه المجموعة من المفارقات الخاطئة ، فكيف يبقى وثوق بما ينقله ، حتّى النصوص المحدّدة؟! إمّا الأخطاء المطبعيّة ، فلا يحاسب عليها ، لأنّها ضرورية في الطباعة العربية ، من قبيل لزوم ما لا يلزم في القافية الشعرية ، لكن لا بأس بإيراد ما سجّلناه ، إسهاماً في التنبيه عليها ، وقد وضعنا التصحيح بين قوسين . ص42 : راجح ( رافع ) ص44 : عمر ( عمرو ) ص 53 : جبر ( جبير ) ص 63 : ميم ( نعيم ) ص 107 : يشوع ( يوشع ) ص 129 : نجران ( حرّان ) ص166 هامش 56 : الفاضل ( الفاصل ) . أمّا الأغلاط التي وقع فيها على أثر بعده عن الثقافة الإسلامية وتراثها ، فقد سجّلنا منها :
1 ـ ص 88 و 89 عند ذكر « آسية » امرأة فرعون التي ورد اسمها في قصّة موسى ، يحاول التنديد بالحديث ، فيقول : « أليست هي التي قال عنها القرآن أنّها راودت ( يوسف ) عن نفسه في الآيتين 23 و24 من سورة يوسف » . فيلاحظ أنّه قد اختلط عليه فرعون موسى ، وفرعون يوسف ، ولا يهتمّ المؤلّف لبعد العصرين ـ عصر موسى وعصر يوسف ـ ما دام يجد في تشابه الأسماء منفذاً يوصله إلى الطعن في الحديث ، إن لم يستهدف القرآن أيضاً!! 2 ـ في ص104 يقول : « قتل مع الحسين 72 رجلا من بني هاشم ، بينهم 17 رجلا من أولاد فاطمة » . وأعاد الكلام في ص75 فقال : « قتل فيها 72 رجلا من بني هاشم ـ اُسرة النبي ( صلى الله عليه وآله )ـ بينهم 16 رجلا من أولاد فاطمة » . والملاحظ : أنّ الشهداء في كربلاء 72 رجلا لم يكونوا من بني هاشم ، بل من سائر القبائل العربية ، والموالي ، أمّا من كان من بني هاشم فهم العدد الآخر 17 وفيهم عدد من أولاد فاطمة ( عليها السلام ) ، وليس كلّهم من أولادها!

شاهد أيضاً

السياسة المحورية ونهضة المشروع القرآني لتقويض المصالح الغربية العدائية

فتحي الذاري مأخذ دهاليز سياسة الولايات المتحدة الأمريكية والمصالح الاستراتيجية في الشرق الأوسط تتضمن الأهداف ...