ألف سؤال وإشكال (المجلد الأول) / الصفحات: ٢٢١ – ٢٤٠
الأسئلة
١ ـ هل تعتقدون بنظام الأسرة المصطفاة في الدين الإلهي كما يقول تعالى: إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ. ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ واللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ). (سورة آل عمران: ٣٣ ـ ٣٤) وهل هي أسرة مصطفاة للتبرك، لتبليغ الدين والحكم بين الناس؟
٢ ـ هل آل محمد وذريته (صلى الله عليه وآله وسلم) خارجون عن هذا الإختيار أم داخلون فيه؟
٣ ـ هل تعتقدون بحسد قبائل قريش لبني هاشم، وأنه كان سبباً رئيسياً لتكذيبهم للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟
٤ ـ بماذا تفسرون تأكيد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على مودة آله وعترته (عليهم السلام)؟!
٥ ـ بماذا تفسرون افتخار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بنبوته وجده عبد المطلب عندما قاتل في معركة حنين، وهل يمكن أن يفتخر سيد المرسلين بجده الكافر؟!
٦ ـ بماذا تفسرون ما ثبت عندكم عن عبد المطلب من إلهامه حفر زمزم وموقفه عند غزو أبرهة للكعبة، ورعايته الخاصة لحفيده النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!
٧ ـ بأي مبرر شرعي تردون شهادة أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن جدهم أبا طالب وآباء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كلهم كانوا مؤمنين على ملة ابراهيم (عليه السلام)؟
٨- ألا تلاحظون أن المسلمين اليوم
منقسمون كما كان العرب في زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)! فأكثرهم مع قريش المناهضين لبني هاشم، وقلة مع بني هاشم؟!
المســألة: ٥٨
من صبغ شعره بالأسود، هل يستحق جهنم؟!
ألهم الله تعالى عبد المطلب عدة سنن وتشريعات فعمل بها وعممها ما استطاع، وعندما بعث الله حفيده (صلى الله عليه وآله وسلم) جعلها جزءاً من الدين. منها الطواف حول البيت سبعة أشواط، ودية القتيل ألف ناقة، والقسامة على القوم المتهمين بالقتل، وغيرها.
ومنها سنة الخضاب بالسواد خلافاً لليهود، وخلافاً للخضاب بالأحمر والأصفر أي بالحناء والورس الذي كانت تستعمله العرب. وقد نص السهيلي في الروض الأنف:١/٧ كما نقله في المجموع: ١٨/٢٥٤ أن أول من خضب بالسواد من العرب عبد المطلب.
وقد أقر الإسلام سنة الخضاب بالسواد وجعلها مستحبة، ولم يحرم الخضاب بغيرها، بل لم يوجب في الأصل تغيير لون الشيب، وإنما جعله مستحباً في بعض الحالات.
روى الكليني في الكافي:٦/٤٨١: (عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: دخل قوم على الحسين بن علي صلوات الله عليهما فرأوه مختضباً بالسواد فسألوه عن ذلك، فمد يده إلى لحيته ثم قال: أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في غزاة غزاها أن يختضبوا بالسواد ليقووا به على المشركين).
وفي الكافي:٦/٤٨٠: (عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فنظر إلى الشيب في لحيته فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): نورٌ، ثم قال: من شاب شيبةً في الاسلام كانت له نوراً يوم القيامة).
قال فخضب الرجل بالحناء ثم جاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما رأى الخضاب قال: نورٌ وإسلامٌ، فخضب الرجل بالسواد، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): نورٌ وإسلامٌ وإيمانٌ، ومحبةٌ إلى نسائكم، ورهبةٌ في قلوب عدوكم).
وروى البخاري:٤/٢١٦: (عن أنس بن مالك: أتي عبيد الله بن زياد برأس الحسين بن علي فجعل في طست فجعل ينكته وقال في حسنه شيئاً فقال أنس: كان أشبههم برسول الله (ص) وكان مخضوباً بالوسمة) والوسمة هي السواد.
وفي وسائل الشيعة:١/٤٠٣: (عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه سئل عن قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): غيروا الشيب ولاتشبهوا باليهود، فقال: إنما قال ذلك والدين قلٌّ، وأما الآن وقد اتسع نطاقه وضرب بجرانه، فامرؤٌ وما اختار). انتهى.
ومعناه أن الأمر بتغيير الشيب ليس للوجوب، بل هو لإثبات الرخصة في مورد توهم الحظر والتحريم، كما يعتقد اليهود.
وتدخلت بطون قريش في هذا التشريع كعادتها لحساسيتها من عبدالمطلب وأولاده، وتمسكت بالخضاب الأحمر والأصفر، فنتج عن ذلك أن ولدت أحاديث تُحَرِّم الخضاب بالسواد، وتَحْرِم صاحبه من الجنة والشفاعة، وتسوِّد وجهه يوم القيامة!!
قال ابن قدامة في المغني:١/٧٦: (وعن الحكم بن عمر الغفاري قال: دخلت أنا وأخي رافع على أمير المؤمنين عمروأنا مخضوب بالحناء وأخي مخضوب بالصفرة، فقال عمر بن الخطاب: هذا خضاب الاسلام، وقال لأخي رافع: هذا خضاب الإيمان. وكره الخضاب بالسواد. قيل لأبي عبد الله تكره الخضاب بالسواد؟ قال: إي والله)!
بل روى الحاكم:٣/٥٢٦ قصة أخرى جعل رأي الخليفة عمر حديثاً قال: (دخل عبد الله بن عمر على عبد الله بن عمرو وقد سوَّدَ لحيته، فقال عبد الله بن عمر: السلام عليك أيها الشويب! فقال له ابن عمرو: أما تعرفني يا أبا عبد الرحمن؟ قال بلى أعرفك شيخاً فأنت اليوم شاب! إني سمعت رسول الله (ص): الصفرة خضاب المؤمن، والحمرة خضاب المسلم، والسواد خضاب الكافر).
وروى النسائي:٨/١٣٨: (عن ابن عباس رفعه أنه قال قوم يخضبون بهذا السواد آخر الزمان كحواصل الحمام لايريحون رائحة الجنة). وقال النسائي: والناس في ذلك مختلفون والله تعالى أعلم، لعل المراد الخالص، وفيه أن الخضاب بالسواد حرامٌ أو مكروهٌ، وللعلماء فيه كلام، وقد مال بعض إلى جوازه للغزاة ليكون أهيب في عين العدو، والله تعالى أعلم). ورواه أبو داود في: ٢/٢٩١، وأحمد:١/٢٧٣، والبيهقي:٧ /٣١١.
وفي مجمع الزوائد:٥/١٦٣: روايةً موثقة عند ابن حنبل وابن معين وابن حبان عن أبي الدرداء قال قال رسول الله (ص): من خضب بالسواد سوَّد الله وجهه يوم القيامة)!.
ولذا أجمع فقهاؤهم على ذم الخضاب بالسواد، وأغلبهم على أنه ذمَّ تحريم، وقليل منهم على أنه ذم تنزيه!
وسئل ابن باز كما في فتاويه:٤/٥٨، طبعة مكتبة المعارف بالرياض:
س: ما مدى صحة الأحاديث التي وردت في صبغ اللحية بالسواد فقد انتشر صبغ اللحية بالسواد عند كثير ممن ينتسبون إلى العلم؟
جواب: (في هذا الباب أحاديث صحيحة كثيرة، وذكر حديث حواصل الحمام، وقال بعده: وهذا وعيدٌ شديد، وفي ذلك أحاديث أخرى كلها تدل على تحريم الخضاب بالسواد وعلى شرعية الخضاب بغيره). انتهى.
وقد فات ابن باز وأمثاله أن أبا بكر وعمر قبلا في زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الخضاب بالسواد ولو أنه خضاب عبد المطلب، وأنهما اختضبا بالسواد في زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (مسند أحمد:٣/١٠٠و:٣/١٠٨و١٦٠و١٧٨)، وأن النهي عن الخضاب به والأمر بخضاب الجاهلية بالأصفر والأحمر كان بععد النبي فقط، ومنه ولدت أحاديث النهي عن السواد! وأن بعض أئمتكم كالزهري الذي روى عنه البخاري في صحيحه نحو١٢٠٠حديثاً، تجرأ في القرن الثاني وخالف سنة عمر بعد أن خفَّت حدة المسألة، وكان يصبغ شيبه بالسواد ويقول إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر بتغيير الشيب ولم يحدد لون الصبغ!
قال أحمد:٢/٣٠٩: (قال رسول الله (ص):إن اليهود والنصارى لايصبغون فخالفوهم. قال عبد الرزاق في حديثه: قال الزهري: والأمر بالإصباغ، فأحلكها أحب إلينا. قال معمر: وكان الزهري يخضب بالسواد).
الأسئلة
١ ـ بماذا تفسرون التشريعات التي سنها عبد المطلب ثم أنزلها الله تعالى على نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!
٢ ـ ما رأيكم بفتوى تحريم الخضاب بالسواد؟
٣ ـ على فرض تحريم الخضاب بالسواد شرعاً، هل يستحق من فعله أن يكون من أهل جهنم؟
٤ ـ ما رأيكم في تدخلات عمر حتى في الأحكام الشرعية! وهل توافقون على كلمة أم سلمة التي رواها البخاري:٦/٦٩ عن عمر نفسه: (فقالت أم سلمة عجباً لك يا بن الخطاب دخلت في كل شئ، حتى تبتغي أن تدخل بين رسول الله (ص) وأزواجه!)؟!
المســألة: ٥٩
حب عمر لبني هاشم..وفضيحته التي صارت فضيلة!
إقرأ معي في البخاري:١/٣٢: (باب الغضب في الموعظة والتعليم):
(عن أبي بردة عن أبي موسى قال: سئل النبي (ص) عن أشياء كرهها فلما أكثر عليه غضب، ثم قال للناس سلوني عما شئتم! قال رجل: مَنْ أبي؟ قال أبوك حذافة! فقام آخر فقال: مَن أبي يا رسول الله؟ فقال أبوك سالم مولى شيبة! فلما رأى عمر ما في وجهه قال: يا رسول الله إنا نتوب إلى الله عز وجل!
باب: من برك على ركبتيه عند الإمام أو المحدث: عن الزهري قال أخبرني أنس بن مالك أن رسول الله (ص) خرج فقام عبد الله بن حذافة فقال من أبي؟ فقال أبوك حذافة، ثم أكثر أن يقول سلوني! فبرك عمر على ركبتيه فقال: رضينا بالله رباً وبالاسلام ديناً وبمحمد (ص) نبياً، فسكت!).انتهى.
هل رأيت الأمور الغريبة في النص؟!
يقول البخاري: أكثروا السؤال على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فغضب! وجعل البخاري عنوان الباب الغضب في التربية والتعليم، يعني غضب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)!
ثم قال البخاري: قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): سلوني عما شئتم!
فكيف غضب من أسئلتهم، ثم قال لهم سلوني ما شئتم؟!
فسألوه هل هم أولاد شرعيون، أو أولاد زنا؟!!
فما هذا السؤال العجيب، وما المناسبة؟!
وما هذا الجواب من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث بلغ غضبه أوجه، وجبرئيل إلى جنبه! فبرَّأ صحابياً، وفضح آخر على رؤوس الأشهاد، وأعلن أنه ابن زنا!
ثم أصرَّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على المسلمين: سلوني سلوني سلوني!
فقام عمر وأعلن التوبة؟! فهدَّأ الموقف وسكت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)!
فما هي القصة، وما سبب هذا الغضب والتحدي والفضح النبوي!
وما سبب هذه التوبة العمرية، التي اختصرها البخاري وفصلها غيره، حتى رووا أنه قبَّل رجل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يسترضيه!
لكي تحصل على أجوبة لهذه الأسئلة عليك أن تجمع أشلاء هذه القصة في الصحاح، ولاتغترَّ إذا وجدتها قطعاً مجزأة، ووجدت فوق القطعة منها عنواناً مضللاً لتغطيتها!
وستجد أن بعض قطعها مفيدة جداً كالتي رواها مسلم وبيَّن فيها أن غضب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن من أسئلة المسلمين كما زعم البخاري! بل كان لشئ كريه بلغه عن أصحابه! فصعد المنبر وخطب وطلب منهم أن يسألوه (عن أنسابهم) وتحداهم فخافوا وبكوا، فقام عمر وتاب!!
قال مسلم في صحيحه:٧/٩٢: (عن أنس بن مالك قال: بلغ رسول الله (ص) عن أصحابه شئ فخطب! فقال: عرضت عليَّ الجنة والنار فلم أر كاليوم في الخير والشر، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم
كثيراً. قال فما أتى على أصحاب رسول الله (ص) يوم أشد منه!! قال غطَّوْا رؤسهم ولهم خنين! قال فقام عمر فقال: رضينا بالله رباً وبالاسلام ديناً وبمحمد نبياً! قال فقام ذاك الرجل فقال: من أبي؟ قال أبوك فلان، فنزلت: يا أيها الذين آمنوا لاتسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم! انتهى. وروى جزء منها في: ٣/١٦٧
فالمسألة إذن غضبٌ نبوىٌّ لما بلغه عن (أصحابه) وخطبةٌ نبوية نارية بحضور جبرئيل.. وتحدٍّ نبوي لهم في أنسابهم.. وبكاء أصحاب الفرية من الخوف.. وأن ذلك اليوم كان أشد يوم مر عليهم مع نبيهم.. وأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أجابهم وطعن في نسبهم وتحداهم أن يسألوه عن نسبهم.. فسأله بعضهم عن نسبه ففضحه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).. فقام عمر إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبرك عند رجليه وقبل قدمه! وأعلن توبته وتوبتهم!!
فأين هذا مما فعله البخاري فنسب الذنب إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنه غضب في تعليمه للمسلمين من سؤال سألوه؟!
وأين بروك التلميذ بين يدي أستاذه من بروك عمر على أقدام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!
لاحول ولا قوة إلا بالله، فقد بلغ من براعة البخاري أنه قطع قصة الحديث وجعله ستة أشلاء، واخترع لكل قطعة منه عنواناً، أو عقد باباً (مناسباً)، واتهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بسوء الخلق!! كل ذلك للتغطية على عمر!
ففي:١/٣١: (عقد له باباً باسم: باب الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأى ما يكره.
فجعله من نوع غضب المدرس والواعظ!
وفي ص٣٢: (جعله من نوع تأدب التلميذ بين يدي معلمه فسمى الباب: باب من برك على ركبتيه عند الإمام أو المحدث!
وفي ص١٣٦: (وضع جزءً منه تحت عنوان: باب وقت الظهر عند الزوال! بحجة أن خطبة النبي (ص) النارية القاصعة كانت عند الزوال!
وفي:٤/٧٣: (جعل جزءً منه تحت عنوان: ما جاء في قول الله تعالى وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه.. بحجة أن الراوي قال: قام فينا النبي (ص) مقاماً فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم!
وفي: ٧/١٥٧: (عقد له باباً باسم باب التعوذ من الفتن! وكأن الموضوع كان حديثاً هادئاً عاماً لكل الأمة عن الفتن الآتية، وأن عمر قال: رضينا بالله رباً وبمحمد رسولاً… نعوذ بالله من الفتن!
وفي:٨/١٤٢: (عقد له باباً باسم: باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه وحشر فيها آية: لاتسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم! مع أنه كان ينبغي أن يسمي الباب: باب وجوب امتثال أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أمر بالسؤال، لأن موضوع الآية التي حشرها كراهة السؤال، وموضوع الحديث أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المكرر المشدد لقريش أن يسألوه!
لكن البخاري يقصد بكراهة السؤال كراهة إلحاح المعلم على تلاميذه بقوله سلوني! وأن الخطأ كان من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لإلحاحه عليهم أن يسألوه عن آبائهم! وأن موقف عمر هو تصحيح خطأ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كما هي عادته!!
ماذا قال شراح البخاري؟
لاخبر عند شراح الصحاح عن القضية! فلا رأوا ولا سمعوا ولا قرؤوا، ولا شموا رائحة شئ يستوجب التساؤل والبحث!!
قال شيخ الشراح ابن حجر في فتح الباري: (قوله قال رجل: هو عبد الله بن حذافة بضم أوله وبالذال المعجمة والفاء، القرشي السهمي، كما سماه في حديث أنس الآتي.
قوله فقام آخر: هو سعد بن سالم مولى شيبة بن ربيعة، سماه ابن عبدالبر في التمهيد في ترجمة سهيل بن أبي صالح، وأغفله في الإستيعاب ولم يظفر به أحد من الشارحين، ولا من صنف في المبهمات ولا في أسماء الصحابة، وهو صحابي بلا مرية، لقوله فقال من أبي يا رسول الله؟ ووقع في تفسير مقاتل في نحو هذه القصة أن رجلاً من بني عبد الدار قال من أبي؟ قال سعد: نسبه إلى غير أبيه، بخلاف ابن حذافة! وسيأتي مزيد لهذا في تفسير سورة المائدة.
قوله فلما رأى عمر.. هو بن الخطاب.. ما في وجهه، أي من الغضب، قال: يا رسول الله إنا نتوب إلى الله، أي مما يوجب غضبك، وفي حديث أنس الآتي بعد أن برك عمر على ركبتيه، فقال: رضينا بالله رباً وبالاسلام ديناً وبمحمد نبياً، والجمع بينهما ظاهر، بأنه قال جميع ذلك فنقل كل من الصحابيين ما حفظ، ودل على اتحاد المجلس اشتراكهما في نقل قصة عبد الله بن حذافة…..
قوله: باب من برك: هو بفتح الموحدة والراء المخففة يقال: برك البعير إذا
استناخ، واستعمل في الآدمي مجازاً.
قوله: خرج، فقام عبد الله بن حذافة: فيه حذف يظهر من الرواية الأخرى والتقدير: خرج فسئل فأكثروا عليه، فغضب! فقال سلوني فقام عبد الله.
قوله: فقال رضينا بالله رباً.. قال ابن بطال: فهم عمر منه أن تلك الأسئلة قد تكون على سبيل التعنت أو الشك، فخشي أن تنزل العقوبة بسبب ذلك! فقال رضينا بالله رباً الخ. فرضي النبي (ص) بذلك، فسكت!
قوله وقال سلوني: في حديث أنس المذكور فصعد المنبر فقال: لاتسألوني عن شئ إلا بينته لكم. وفي رواية سعيد بن بشير عند قتادة عن أبي حاتم: فخرج ذات يوم حتى صعد المنبر، وبيَّن في رواية الزهري المذكورة في هذا الباب وقت وقوع ذلك وأنه بعد أن صلى الظهر، ولفظه: خرج حين زاغت الشمس فصلى الظهر فلما سلم قام على المنبر فذكر الساعة ثم قال: من أحب (!) أن يسأل عن شي فليسأل عنه فذكر نحوه.
قوله: فقام رجل فقال يا رسول الله من أبي… بيَّن في حديث أنس من رواية الزهري اسمه، وفي رواية قتادة سبب سؤاله، قال فقام رجل كان إذا لاحى أي خاصم دعي إلى غير أبيه، وذكرت اسم السائل الثاني، وأنه سعد، وأني نقلته من ترجمة سهيل بن أبي صالح من تمهيد بن عبد البر.
وزاد في رواية الزهري الآتية بعد حديثين فقام إليه رجل فقال: أين مدخلي يا رسول الله؟ قال: النار! ولم أقف على اسم هذا
الرجل في شئ من الطرق كأنهم أبهموه عمداً للستر عليه!
وللطبراني من حديث أبي فراس الأسلمي نحوه، وزاد: وسأله رجل في الجنة أنا؟ قال: في الجنة، ولم أقف على اسم هذا الآخر.
ونقل ابن عبد البر عن رواية مسلم أن النبي (ص) قال في خطبته: لايسألني أحد عن شئ إلا أخبرته، ولو سألني عن أبيه، فقام عبد الله بن حذافة، وذكر فيه عتاب أمه له وجوابه، وذكر فيه فقام رجل فسأل عن الحج فذكره، وفيه: فقام سعد مولى شيبة فقال مَن أنا يا رسول الله؟ قال أنت سعد بن سالم مولى شيبة. وفيه فقام رجل من بني أسد فقال: أين أنا؟ قال: في النار! فذكر قصة عمر…
قوله: فلما رأى عمر ما بوجه رسول الله (ص) من الغضب.. بين في حديث أنس أن الصحابة كلهم فهموا ذلك، ففي رواية هشام فإذا كل رجل لافاً رأسه في ثوبه يبكي، وزاد في رواية سعيد بن بشير: وظنوا أن ذلك بين يدي أمر قد حضر! وفي رواية موسى بن أنس عن أنس الماضية في تفسير المائدة: فغطوا رؤوسهم ولهم خنين.. زاد مسلم من هذا الوجه: فما أتى على أصحاب رسول الله (ص) يوم كان أشد منه!
قوله: فقال إنا نتوب إلى الله عز وجل.. زاد في رواية الزهري: فبرك عمر على ركبته فقال رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً. وفي رواية قتادة من الزيادة نعوذ بالله من شر الفتن. وفي مرسل السدي عند
الطبري في نحو هذه القصة: فقام إليه عمر فقبل رجله وقال رضينا بالله رباً فذكر مثله، وزاد: وبالقرآن إماماً فاعف عفى الله عنك فلم يزل به حتى رضي)!
الحادثة في بعض روايات أهل البيت (عليهم السلام)
قال النيشابوري في الفضائل ص١٣٤: (عن سليم بن قيس يرفعه إلى أبي ذر والمقداد وسلمان قالوا: قال لنا أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب: إني مررت بفلان يوماً فقال لي: ما مثل محمد في أهل بيته إلا كمثل نخلة نبتت في كناسة! قال: فأتيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فذكرت ذلك له، فغضب غضباً شديداً، فقام فخرج مغضباً وصعد المنبر ففزعت الأنصار ولبسوا السلاح لما رأوا من غضبه، ثم قال: ما بال أقوام يعيرون أهل بيتي؟! وقد سمعوني أقول في فضلهم ما أقول، وخصصتهم بما خصهم الله تعالى به، وفضل علياً عليهم بالكرامة وسبقه إلى الاسلام وبلائه، وأنه مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي! ثم إنهم يزعمون أن مثلي في أهل بيتي كمثل نخلة نبتت في كناسة! ألا إن الله سبحانه وتعالى خلق خلقه وفرقهم فرقتين، وجعلني في خيرها شعباً وخيرها قبيلة، ثم جعلهم بيوتاً فجعلني في خيرها بيتاً، حتى حصلت في أهل بيتي وعشيرتي وبني أبي، أنا وأخي علي بن أبي طالب….أنا خير النبيين والمرسلين، وعلي خير الوصيين، وأهل بيتي خير بيوت أهل النبيين، وفاطمة ابنتي سيدة نساء أهل الجنة أجمعين.
أيها الناس: أترجون شفاعتي لكم وأعجز
عن أهل بيتي…
أيها الناس: لو أخذت بحلقة باب الجنة ثم تجلى لي الله عز وجل، فسجدت بين يديه ثم أذن لي في الشفاعة، لم أوثر على أهل بيتي أحداً.
أيها الناس: عظموا أهل بيتي في حياتي وبعد مماتي، وأكرموهم وفضلوهم لا يحل لأحد أن يقوم لأحد غير أهل بيتي، فانسبوني من أنا؟!
قال فقام الأنصار وقد أخذوا بأيديهم السلاح، وقالوا: نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، أخبرنا يا رسول الله من آذاك في أهل بيتك حتى نضرب عنقه؟!!
قال: أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، ثم انتهى بالنسب إلى نزار، ثم مضى إلى إسماعيل بن إبراهيم خليل الله، ثم مضى منه إلى نوح، ثم قال: أنا وأهل بيتي كطينة آدم (عليه السلام) نكاح غير سفاح!
سلوني، والله لا يسألني رجل إلا أخبرته عن نسبه وعن أبيه!
فقام إليه رجل فقال: من أنا يا رسول الله؟ فقال: أبوك فلان الذي تدعى إليه! قال فارتد الرجل عن الاسلام.
ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلم) والغضب ظاهر في وجهه: ما يمنع هذا الرجل الذي يعيب على أهل بيتي وأهلي وأخي ووزيري وخليفتي من بعدي وولي كل مؤمن ومؤمنة بعدي، أن يقوم ويسألني عن أبيه، وأين هو في جنة أم في نار؟!
قال فعند ذلك خشي فلان على نفسه أن يذكره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويفضحه بين الناس فقام وقال: نعوذ بالله من سخط الله وسخط رسوله،
المســألة: ٦٠
هل تقبلون بدعة إسقاط المحرمات عن أهل بدر؟
وفي البخاري:٥/١٠، في قصة حاطب بن بلتعة الذي خان المسلمين وكتب إلى مشركي مكة أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قاصد إليهم بجيشه، قال: (فقال عمر إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فلأضرب عنقه، فقال: أليس من أهل بدر؟ فقال ((صلى الله عليه وآله وسلم)): لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة، أو فقد غفرت لكم. فدمعت عينا عمر وقال: الله ورسوله أعلم). انتهى. ورواه مسلم: ٧ /١٦٨
الأسئلة
١ ـ هل تعتقدون أن جميع المسلمين البدريين مغفور لهم مهما عملوا، حتى لو ارتكبوا المحرمات، وخانوا الإسلام والمسلمين؟!
ألا يتناقض ذلك مع قانون المجازاة وقانون العدل الإلهي؟!
٢ ـ ما قولكم فيمن شرك في قتل عثمان من البدريين أو أهل بيعة الشجرة هل يحاسبون على ذلك أم يغفر لهم؟
المســألة: ٦١
هل تشمل الشفاعة من لم يعتقد بعدالة الصحابة؟
من تناقضات المخالفين لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) أنهم يوسعون الشفاعة من جهة لتشمل من يحبونهم من المنافقين وحتى اليهود والنصارى! فإذا وصلوا إلى من يخالفهم في صحابتهم المفضلين ضيقوا عليهم الشفاعة وحكموا بحرمانهم منها!
روى الديلمي في فردوس الأخبار:٢/٤٩٨ح٣٣٩٨: (عن عبد الرحمن بن عوف عن النبي (ص) أنه قال: شفاعتي مباحة إلا لمن سب أصحابي)!!
وفي:١/٩٨ح١٩٦: (عن عبد الرحمن بن عوف أيضاً وفيه: فشفاعتي محرمة على من شتم أصحابي). (ورواه في حلية الأولياء كما في كنز العمال:١٤/٣٩٨).
وروى الشيرازي في الألقاب وابن النجار كما في كنز العمال:١٤/٦٣٥: (عن أم سلمة قالت قال رسول الله (ص): نعم الرجل أنا لشرار أمتي! فقال له رجل من مزينة: يا رسول الله أنت لشرارهم فكيف لخيارهم؟ قال: خيار أمتي يدخلون الجنة بأعمالهم، وشرار أمتي ينتظرون شفاعتي. ألا إنها مباحةٌ يوم القيامة لجميع أمتي إلا رجل ينتقص أصحابي). انتهى. (وحياة الصحابة:٣/٤٥).
https://t.me/+uwGXVnZtxHtlNzJk