حسين موسوي
لم تكن محاولة الانقلاب التي اعلنها خوان غوايدو في فنزويلا الاولى و قد لا تكون الاخيرة، غير انها تعيد الى الساحة الدولية سياسة لطالما تبنتها الولايات المتحدة على مساحة العالم و هي سياسة الانقلابات.
الامر الواضح الذي كان متوقعا في الاسابيع الاخيرة هو ان غوايدو سيلجأ الى اعلان الانقلاب بعد فشله في استمالة الجيش الى جانبه في ظل ضعف مشروعه و خطته لفنزويلا في حال نجح هذا المشروع.
الامر الواضح الاخر كان ان الولايات المتحدة كانت راضية من بروز اسم غوايدو حتى و ان كان دمية بيدها، فهو سيكون حصان طروادة الذي سيدخل واشنطن بشركاتها و سماسرتها الى كاراكاس الاولى عالميا بانتاج النفط.
و عليه كان اعلان الانقلاب مسالة وقت لا اكثر حيث حضرت واشنطن مع غوايدو الذي لم يخف تواطؤه مع ادارة دونالد ترامب منذ اللحظة الاولى.
و ما يهم اكثر ليس ان اعلان الانقلاب حصل ام لا بل لماذا؟
نقاط عدة تبرز هنا و تشير كلها الى الولايات المتحدة.
النقطة الاولى تتمثل بالسيطرة على النفط الفنزويلي الذي يغري شركات واشنطن و حيتان النفط فيها. و بالفعل كان دعم الادارة الاميركية لغوايدو مشروطا حيث اكد استعداده لمنح الشركات الاميركية امتيازات في قطاع النفط الفنزويلي.
النقطة الثانية تتمثل في سعي واشنطن لتوجيه ضربة لخصميها الروسي والصيني القويين في فنزويلا في سياق ما يعرف بالحرب التجارية التي اعلنها ترامب على موسكو و بكين، خاصة و ان الاخيرة مثلا استثمرت مليارات الدولارات في قطاع المناجم.
النقطة الثالثة تتمثل في النهج المسيطر على عمل الادارة الاميركية و الذي اتضح مع تعيين جون بولتون مستشارا للامن القومي و هو المعروف بحبه للحروب و تماهيه مع مصالح كيان الاحتلال الاسرائيلي.و اكتملت الصورة هذه بالنسبة لفنزويلا مع تعيين وزير الخارجية مايك بومبيو لاليوت ابرامز مستشارا خاصا حول فنزويلا. و ابرامز حكايته طويلة مع الانقلابات و الابادات و التطهير السياسي و التصفيات، لاسيما خلال ثمانينات القرن الماضي في غواتيمالا و نيكاراغوا و هندوراس وغيرها حيث قتل اكثر من ثلاثمئة الف شخص في حروب الالغاء التي نفذتها انظمة هذه الدول بدعم من الاستخبارات الاميركية بشخص ابرامز، الذي قاد ايضا انقلابا ضد الرئيس الفنزويلي السابق هوغو تشافيز كما كان من مهندسي العدوان على العراق عام 2003.
النقطة الرابعة تتمثل فيما كشفته التقارير عن ان مؤسس شركة “بلاك ووتر” المشبوهة و المتهمة بارتكاب جرائم في العراق بدأ التحضير منذ اشهر لارسال 5000 جندي من المرتزقة الى فنزويلا تحت عنوان “مساعدة البلاد في استعادة الديمقراطية” و هو ايضا عنوان تحرك ادارة ترامب تجاه كاراكاس، وذلك ليس مستغربا خاصة اذا ما عرفنا ان شقيقة برنس هي “بيتسي ديفوس” وزيرة التعليم في ادارة ترامب.
الانقلاب الذي اعلنه غوايدو اذا ليس نابعا من عقيدة شعبية بأن تغيير النظام بات واجبا بل من اجندة اميركية بامتياز تخدم مصالح واشنطن ولا شيء اخر. فغوايدو لم يستطع كسب ولاء الجيش ولا ولاء اغلبية الفنزويليين، و حظي فقط بمباركة واشنطن و حلفائها، ما يكشف اهداف دعم الانقلاب و هي مصلحة الولايات المتحدة اولا واخرا.
فواشنطن تريثت كثيرا قبل اعلان موقفها من محاولة الانقلاب في تركيا عام 2016، بينما كانت هي الداعية للانقلاب في فنزويلا.. فبالنسبة للاميركي يعتبر الانقلاب مرفوضا او مقبولا بحسب تأمين ذلك لمصالحها.
و سواء نجح انقلاب غوايدو ام فشل، المؤكد الوحيد ربما هو ان البلاد ستدخل مرحلة غير طبيعية مع تداخل عوامل دولية عديدة تمتد من واشنطن الى موسكو وبكين، و هذه المرحلة قد تحمل معها مشاهد عنف غير مسبوقة قد تهدد بتقسيم البلاد، لا بفعل قوة غوايدو و شعبيته المشبوهة بل بفعل الزخم الاميركي الذي يسعى لتمرير مشروع ادارة ترامب الذي ينفذه بولتون و بومبيو و ابرامز و يستفيد من تقسيم فنزويلا باقل تقدير و يهدف لايصال موظف لدى واشنطن للامساك بالبلاد يحمل جنسية فنزويلية هو خوان غوايدو. فهل ستنجح واشنطن؟ اوراقها باتت على الطاولة..و لم يبق الا العدوان العسكري على فنزويلا.