الوقت- للسينما قدرة كبيرة على كتابة التاريخ والتاثير في ثقافات الشعوب، وحتى يمكن القول إن بإمكانها إعادة بناء ثقافة جديدة للمجتمع، ومن هنا جاء دورها الكبير وحساسية الأفكار التي تطرحها من خلال الأفلام، لأنها ستؤثر في ذاكرة الشعوب، ومن هذا المنطلق دافع الأردنيون عن أصالة ثقافتهم ورفضوا أن تساهم السينما في تشويه الحقائق، وذلك من خلال اعتراضهم على تمثيل فيلم “أميرة” للمخرج محمد دياب في حفل الأوسكار القادم.
يحكي الفيلم قصة فلسطينية ولدت بعد أن تم تلقيح والدتها صناعيا بنطفة من والدها الحبيس في سجن إسرائيلي، وهي وسيلة يلجأ إليها السجناء الفلسطينيون منذ سنوات لتجاوز الشعور بتجميد حياتهم داخل السجن.
ولكن بطلة الفيلم “أميرة” تكتشف بعد أن صارت راشدة أن النطفة التي استخدمت لم تكن لوالدها وإنما لسجَّان إسرائيلي، في صدمة تجسد التبعات الهائلة للاحتلال الإسرائيلي.
وازداد الجدل حول الفيلم تمددًا خلال الأسابيع الأخيرة على وسائل التواصل الاجتماعي مع توجيه انتقادات شديدة له من أصوات ففلسطيني
“أسرة الفيلم تتفهم الغضب الذي اعترى الكثيرين على ما يظنونه إساءة للأسرى وذويهم، وهو غضب وطني نتفهمه، ولكن كنا نتمنى أن تتم مشاهدة الفيلم قبل الحكم عليه نقلا أو اجتزاء”، حسب قوله.
وكان قيام الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي بتهريب نطف لزوجاتهم اكتشاف فلسطيني لم يسبقهم إليه أحد في مسيرتهم النضالية منذ عام 2012 عندما نجح أحد الأسرى في هذه العملية وحملت زوجته بطفله الأول. وكان يتم استقبال النطف بزفة عرس لإشهار هذا الحدث حتى لا يتم فيما بعد التساؤل عن كيفية حمل الزوجة وزوجها في السجن. وعندما وضعت الزوجة الأولى طفلها وحملته ليزور والده رفض مسؤولو السجن إدخال الطفل ليزور والده لأن سجلاتهم لا تشير إلى وجود ابن له لكن الزوجة رفعت قضية في المحاكم الإسرائيلية وكسبتها. وحتى الآن يوجد أكثر من مئة طفل من سفراء الحرية جرى إنجابهم بهذه الطريقة.
لو جرى تصوير فيلم أميرة دون انحراف عن الرواية الحقيقية الفلسطينية لكان فيلم أمير جزءاً من إسناد النضال الفلسطيني لكن الذي جرى حرف القصة بطريقة أساءت لنضال الأسرى وشوهت قصص صمودهم وبطولتهم التي كان آخرها هروبهم من نفق حفروه بأظافرهم تحت سجن جلبوع.
وتساءل كثيرون: هل الوصول للأوسكار والعالمية لا يتم إلا بتشويه الحقيقة والعزف على وتر اللوبي الصهيوني في هوليوود ونقاد السينما عبر أفلام مثل جن وروابي وأميرة؟
يبدو الأمر مثل من يفشل في الهجرة إلى الغرب فيدِّعي أنه مضطهد بسبب ميول الجنسية المثلية!
في المعايير الدولية لحرية التعبير يجوز إخضاع الأفلام السينمائية للرقابة ورقابة السيناريو قبل التصوير ومشاهدة الفيلم قبل العرض لإجازته.
لقد نجحت الرقابة الشعبية في إجبار الهيئة الملكية الأردنية للأفلام على سحب ترشيح الفيلم لجوائز الاوسكارو، حتى لا نتفاجأ بأفلام مماثلة يجب إعادة أمور الرقابة على الأفلام السينمائية لوزارة الثقافة أو هيئة الإعلام وتتم محاسبة الحكومة عند وقوع أخطاء.
في الختام؛ طالما كانت السينما على وجه العموم تحمل الرؤى البصرية واللغة العالمية لتوجيه المشاهدين إلى القضايا الإنسانية والوطنية، وتوظيفها في خدمتهم، لما تحمل من قوة تأثير كبيرة في تثقيف المجتمعات وتوعيتهم بالقضايا المصيرية.
ومن منطلق أن السينما والفن العربي ساهمت في إقناع المتلقي بما ترغب به، إلا أنها كادت أن تفشل في مواكبة الجلل الأهم ألا وهو توظيفها في خدمة القضايا الوطنية وخصوصاً القضية المتمثلة بالقضية الفلسطينية.
باتت بعض الأعمال السينمائية مواد تعريفية أو وثيقة تاريخية يستند إليها في السيطرة على العقل، أو تشويه الحقائق، لذلك يكمن الخطر في توظيف بعض الأفكار في العروض الفنية والسينمائية التي تمس القضايا الوطنية.