وتقول الشيعة :
1 – أمر الإمامة بيد اللّه سبحانه .
2 – ويجب عليه نصب الإمام .
3 – وإنّه قد فعل ( 1 ) .
أمّا أنّ أمرها بيده ، فيدلُّّ عليه الكتاب والسُنّة ، ومن ألطف ما وجدته من السُنّة في هذا الباب ، ما رواه أرباب السير :
« وذكر ابن إسحاق : أنّه صلّى اللّه عليه [ وآله ] وسلّم عرض نفسه على كندة وكلب ، أي إلى بطن منهم يقال لهم : بنو عبد اللّه ، فقال لهم : إنّ اللّه قد أحسن اسم أبيكم ، أي : عبد اللّه ، أي : فقد قال صلّى اللّه عليه [ وآله ] وسلّم : أحبّ الأسماء إلى اللّه عزّ وجلّ عبد اللّه وعبد الرحمن . ثمّ عرض
عليهم فلم يقبلوا منه ما عرض عليهم .
وعرض على بني حنيفة وبني عامر بن صعصعة ، أي فقال له رجل منهم :
أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك ، ثمّ أظفرك اللّه على من خالفك ، أيكون لنا الأمر من بعدك ؟
فقال : الأمر إلى اللّه يضعه حيث شاء .
فقال له : أنقاتل العرب دونك – وفي رواية : أنهدف نحورنا للعرب دونك ، أي : نجعل نحورنا هدفاً لنبلهم – فإذا أظهرك اللّه كان الأمر لغيرنا ؟ ! لا حاجة لنا بأمرك . وأبو عليه » ( 1 ) .
فإنّ هذا الخبر جديرٌ بالملاحظة الدقيقة . .
لقد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم – حين عرض نفسه على تلك القبيلة ودعاهم إلى التوحيد – في أصعب الظروف وأشقّها ، إنّه كان يطلب من القوم – حسب هذه الأخبار – أن يؤمنوا به ويحموه من كيد المشركين وأذاهم . . « فيردّون عليه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أقبح الردّ ، يقولون له : أُسرتك وعشيرتك أعلم بك حيث لم يتبعوك » .
إنّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم كان يعنيه حتّى الرجل الواحد يؤمن به ويتّبعه ويمنعه من أن يلحقه الأذى من قريش وغيرها .
ومع كلّ هذا ، فلمّا طلبت منه تلك القبيلة أن يعدَهم برئاسة إن أظفره اللّه على من خالفه ! أجاب بكلّ صراحة وبلا أيّ تردّد : « الأمر إلى اللّه يضعه حيث شاء » أي : ليس أمر خلافته من بعده بيده ، كما لم يكن أمر نبوّته بيده . .
إنّ هذا الخبر لمن أقوى الأدلّة السمعية على إنّ نصب الإمام بيد اللّه سبحانه وتعالى ، وليس الأمر بيد الرسول فضلا عن أن يترك إلى الناس ! !
وأمّا وجوب النصب على اللّه ، فلوجوه ، منها : وجوب اللطف عليه .
وأمّا أنّه قد نصب الإمام بعد النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، فيدلُّ عليه الآيات الكثيرة من القرآن الكريم ، والأحاديث القطعية عن النبيّ العظيم ، وهذا هو موضوع كتب الإمامة التي ألّفها علماء الإمامية .
من هو الإمام بعد النبيّ ؟ !
تقول الشيعة : إنّ اللّه سبحانه ورسوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قد عيّنا عليّاً ونصباه خليفةً بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم .
ويقول أهل السُنّة : بأنّ الخليفة بعد النبي هو أبو بكر ، باختيار من الناس .
وقد تمّ استدلال الشيعة الإمامية على إمامة عليٍّ بعد رسول اللّه في
ثلاثة فصول :
1 – الأدلّة على إمامته من الكتاب والسُنّة .
2 – الدليل على إمامته من العقل ، وهو يتشكّل من قياس صغراه من الحديث والسيرة والتاريخ : إنّ عليّاً كان أفضل الخلق بعد النبيّ ; وكبراه من العقل : إنّ تقدّم المفضول على الفاضل قبيح .
3 – الموانع من إمامة أبي بكر وصاحبيه ، وذلك بالنظر إلى : تعريف الإمامة ، والغرض منها ، والشروط المعتبرة في الإمام . . . .
ولقد أقامت الإمامية الحجج المعتبرة في هذه الفصول الثلاثة « بالتي هي أحسن » .
التزام الإمامية بالجدل بالتي هي أحسن :
ومن ذلك احتجاجهم على القائلين بإمامة أبي بكر بما يصدّقونه ويعتقدون به من الأدلّة والحجج ، واستنادهم إلى كتب القوم وأقوال علمائهم كما هي القاعدة الأصلية في المناظرة . .
ففي الاستدلال بحديث غدير خمّ على إمامة عليٍّ عليه السّلام . .
يقول الشيعي :
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : « ألستُ أَولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ ! قالوا : بلى .
قال : فمن كنت مولاه فعليٌّ مولاه ، اللّهمّ والِ مَن والاه ، وعادِ مَن
عاداه . . . » .
فإذا قال بعض أهل السُنّة : هذا كذب ( 1 ) ، لم يقله رسول اللّه !
قال الشيعي : أخرجه فلان وفلان . . . من أعلام أهل السنّة ( 2 ) .
وإذا قال الخصم : وأين كان عليٌّ في ذلك اليوم ؟ ! كان باليمن . . . ( 3 ) .
اضطرّ الشيعي لأن يقول : روى قدومه من اليمن : فلان وفلان . . . من أهل السُنّة ( 4 ) .
فإن عاد فقال : صدر الحديث : « ألستُ أَولى . . . » لا أصل له ( 1 ) .
قال الشيعي : رواية فلان وفلان . . . من أهل السُنّة . . . ( 2 ) .
فإن أنكر مجيء « المولى » بمعنى « الأَولى » ( 3 ) .
أخرج له الشيعي قائمة بأسماء كبار اللغويّين من أهل السُنّة القائلين بمجيء « المولى » بمعنى « الأَولى » ( 4 ) .
ويستدلّ الشيعي بقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم :
« أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها ، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها » .
ويعترض بعض أهل السُنّة بأنّه كذبٌ على رسول اللّه ( 5 ) .
فيجيب الشيعي : أخرجه فلان وفلان . . . ( 1 ) وصحّحه فلان وفلان . . . ( 2 ) من أهل السُنّة .
فيرجع الخصم ليقول : فأبو بكر و . . . أبواب كذلك ! ( 3 ) .
لكنّ الشيعي يثبت له – وعلى ضوء كتب أهل السُنّة – جهل أبي بكر وصاحبَيه بأبسط المسائل الدينية ، حتّى عرّفهم بها المغيرة بن شعبة وأمثاله من جهلة الصحابة ! ( 1 ) .
فيلتجئ بعضهم إلى أن يقول : ليس « عليٌّ » في الحديث علماً ، بل هو وصف للباب ، أي : مرتفع ! ( 2 ) .
فاستهجن منه ذلك غير واحد من علماء طائفته وسخر منه آخرون ( 3 ) . .
* ويستدلّ الشيعة بالحديث في قصّة الطير :
فقد أُتي النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بطير ليأكله ، فقال :
« اللّهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك وإلى رسولك يأكل معي من هذا الطير » .
فجاء عليٌّ فأكل معه .
فاضطراب كلام أعلام الخصوم في مقام الجواب عن هذا
الاستدلال :
فزعم أحدهم بأنّ هذا كذبٌ موضوعٌ ! ( 1 ) .
لكن قد أخرجه فلان وفلان . . من الأئمّة الكبار . . من أهل السُنّة . . وله أسانيد كثيرة ، رجالها ثقات ، بتوثيق من فلان وفلان . . . من علماء الجرح والتعديل ، من أهل السُنّة ( 2 ) . .
فجعلوا يتشبّثون – في ردّ هذا الحديث الصحيح سنداً ، والصريح في أفضلية عليٍّ أمير المؤمنين عليه السّلام – باحتمالات باردة ، وبتعلّلات سخيفة . . . .
لعلّ الدعاء كان لكراهة الأكل وحده !
ولعلّ عليّاً كان الأحبّ إلى اللّه والرسول في الأكل فقط !
شاهد أيضاً
الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ
أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...