خوض غمار ميدان الجهاد مسؤوليّة حتميّة لعالم الدّين
وكالة الحوزة – بين الإمام الخامنئي أنّ خوض غمار ميدان الجهاد مسؤوليّة أوليّة وبديهيّة وحتميّة لعالم الدّين وطالب العلم.
وكالة أنباء الحوزة – ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلاميّ النصّ الكامل لكلمة الإمام الخامنئي بتاريخ 13/1/2020 خلال لقاء مع أعضاء هيئة الإحياء لذكرى 4000 شهيد من طلاب الحوزات العلمية، وفي كلمته أشار قائد الثورة الإسلاميّة إلى المسؤوليّة الحتميّة والبديهيّة لعالم الدين في ما يرتبط بخوض غمار ميادين الجهاد، ذاكراً أنّ هذه الميادين لها أنواع مختلفة كالميادين السياسيّة، الاجتماعيّة، العسكريّة وغيرها؛ وفي كلّ زمانٍ ترجح كفّة واحدة منها.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين.
علماءُ الدّين الدّاعون الدّائمون إلى الخير
إحياء ذكرى العلماء وطلاب العلم الذين خدموا الجهاد ودخلوا ميدان الجهاد وجاهدوا ونالوا في نهاية المطاف سعادة الشهادة عمل جدير جداً. إنه مهم لناحية أن طلاب العلم يدعون إلى الخير دائماً. فإذا كان الداعي إلى الخير هو نفسه الرائد في مجال الخير، يكون تأثيره أكبر؛ «كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم»[1]. هؤلاء العلماء الشهداء هم أشخاص دعوا الناس بألسنتهم وأفعالهم أيضاً. في «الدفاع المقدس»، رأيتُ طلاب علم شباناً يرتدون الزي العسكري ويضعون عمامات على رؤوسهم، وقد أتوا في البداية بعنوان «مبلّغون» وسط الوحدات القتالية لتبيين أحكام الدين والنصائح للشباب المنخرطين في الجهاد، ولكي يؤدّوا واجبات طلبة العلم، لكنهم لم يكتفوا بهذا – لقد رأينا وعرفنا – فدخلوا بأنفسهم الصفوف الأمامية في ميدان الحرب واستشهد كثيرون منهم أيضاً.
الشّهادة أمر ذو سابقة لدى علماء الدين
حسناً، بشأن شهادة علماء الدين، الشهادةُ ليست بالأمر الجديد بالنّسبة إلى عالم الدّين. لدينا في كتبنا الدراسيّة الخاصّة بطلّاب العلم كتابان لشهيدين: الشهيد الأوّل[2] والشهيد الثّاني[3]، أي طالب العلم لدينا حين يدخل الحوزة العلميّة من أجل الدراسة، وبعد أن ينقضي عامان أو ثلاثة، يطالع كتاب شرح اللّمعة. اللّمعة من تأليف شهيدٍ وشرحُه لشهيدٍ آخر. كِلا الشهيدين الجليلين من العلماء البارزين وفي عداد الذين يُعدّون من ناحية المنزلة العلميّة بين الأنجم في عالم علماء الدّين. فطوال هذه الأعوام الألف من تاريخ الفقه الاستدلاليّ للشيعة كانا من بين البارزين. الشهيد الأوّل وكذلك الشهيد الثاني. لدينا أيضاً الشهيد الثالث، وطبعاً الشهيد الثالث اسمٌ يُطلق على أشخاص عدّة: الشهيدِ برغاني من قزوين، وأيضاً الشهيدِ الشيخ نور الله الشوشتري في الهند، وشهداء آخرين مختلفين. هناك أيضاً علماء دين شهداء آخرون لم يُعرفوا بأسماء كالشّهيد الأوّل أو الشّهيد الثاني أو الشّهيد الثالث، كالشّهيد مدرّس، عالم الدّين الرفيع الشّأن، والشهيد الشيخ فضل الله نوري، عالم الدّين العالي المقام. هؤلاء هم الشهداء لعالَم علماء الدين، وهناك كُثرٌ من هذا القبيل أيضاً. عليه، إنّ قضيّة الشهادة ليست أمراً جديداً في أوساط علماء الدين وليست أمراً طارئاً، وقد كان لنا شهداء عظماء.
هذه هي الحال أيضاً في أوساط علماء الدّين من أهل السنّة، ولا يختص الأمر بالشّيعة. كان لدينا أشخاص في الحرب وفي المراحل شتّى بعد الحرب أيضاً. في المدة الأخيرة، استُشهد الشهيد شيخ الإسلام[4] الذي كان من العلماء الشديدي التأثير والإفادة في كردستان، واستُشهد أيضاً عدد من الشّهداء الآخرين في هذه المنطقة أو غيرها.
غياب التّزاحم بين العمل العلميّ وكون المرء عالماً وبين الجهاد
حسناً، هذه هي افتخارات علماء الدين. لا ينبغي أن ننظر من هذا البُعد، أنه كيف سيكون الأمر بالمقارنة مع سائر الفئات. هذه [المسألة] من الدرجة الثانية والثالثة. ينبغي أن ننظر إليها من هذا البعد: إنّ طالب العلم الشهيد في عالَم الدعوة إلى الخير هو ذلك الذي دخل ميدان الدعوة بروحه. هذه [نقطة] مهمة جداً. نحتاج اليوم، بين العلماء الشباب وبين الفضلاء الشباب، إلى هذه الروحية من أجل أن يعرفوا أن كون المرء عالِمَ دينٍ وكونه مُلّاً عظيماً ومجتهداً عالي المقام لا يعني الانعزال والانزواء عن ميدان الجهاد، إنما عالم الدين، ومرجع التقليد، والأستاذ البارز من الدرجة الأولى في الحوزة العلمية، كإمامنا [الخمينيّ] العظيم، قد دخل ميدان الجهاد، وأدى ذلك الجهاد العظيم الذي لم يكن هناك على مر تاريخ الشيعة مثله بهذه العظمة والنتائج. لقد كان عالماً ومحققاً وفقيهاً وأصولياً وحكيماً وعارفاً. إنّ إنساناً علمياً بارزاً في مستوى الإمام الجليل كان المجاهد الأول في زمانه بل في عدد من الأزمنة، كما كان في أعلى مرتبة. لذلك لا ينبغي أن يُبنى تصوراً [مفاده] أنه إذا أردنا أن يكون الواحد منا عالماً ومرجعاً ومحققاً ومدرّساً عالي المقام في الحوزة، فلا بد من الابتعاد عن عمل الجهاد وساحته وما إلى ذلك! كلّا، إن الدخول إلى ساحة الجهاد هو واجبنا. علينا أن نجاهد.
الجهادُ المسؤوليّة القطعيّةُ والأوّليّة لطلّاب العلم
للجهاد أنواع متعدّدة. قد ترجحُ في وقت من الأوقات كفّة الجهاد العلميّ. نعم، لدينا حالات من هذا القبيل ترجح فيها كفّة الجهاد العلميّ. وفي وقت، قد ترجحُ كفّة الجهاد العسكريّ، وفي وقت آخر، قد ترجح كفّة الجهاد السياسيّ، وفي آخر، ترجحُ كفّة الجهاد الاجتماعيّ والخوض في الأنشطة الاجتماعيّة. في هذه الحالات كافّة، يجب أن يشعر طلّاب العلم لدينا وفضلاؤنا الشّباب بالمسؤوليّة، وأن يعلموا بأنّ الشّعور بالخطاب موجّهٌ إليهم بالدّرجة الأولى، لأنّ مسؤوليتنا الأولى والأساسيّة بصفتنا مجتمع علماء الدين هي الدّعوة إلى الخير، العملُ الذي كان ينهض به الأنبياء. هذه مسؤوليتنا الأوليّة. وأفضل وسيلة للدّعوة إلى الخير هي العمل. العمل في ميدان الخير وميدان الدّعوة. لذلك إنّ خوض غمار ميدان الجهاد مسؤوليّة أوليّة وبديهيّة وحتميّة لعالم الدّين وطالب العلم. لا يوجد أدنى شكّ في هذا الأمر. ذاك الذي يعتزل ميدان الجهاد يجب أن يلتفت إلى أنّ ميدان الجهاد هو أساس القضيّة. لحسن الحظ، [نرى هذه الروحية] بين طلاب العلم المبجلين لدينا. الآن، السادة أجروا إحصاء الشهداء. المرحوم الأميني (رض) صاحب [كتاب] الغدير لديه كتاب بعنوان شهداء الفضيلة، وقد أحصى هؤلاء العلماء الشهداء أنفسهم على مرّ التاريخ. [بالطبع] ليس كلهم، فقد تمكن من العثور على بعضهم. هو أحصى من القرنين الرابع والخامس وما بعدهما، ولم يحصِ ما قبل ذلك. على مر الزمن أيضاً هناك أشخاص كثيرون استشهدوا أو كانوا في ميدان الجهاد والنضال ولم ينالوا الشهادة لكنهم كانوا مجاهدين في سبيل الله. [أسماء] هؤلاء لم يرد ذكرها قهراً في تلك الكتب. حسناً إنها ثقافة باعثة على الفخر لمجتمع طلاب العلم، ونأمل أن تستمر هذه الروحية والحالة، إن شاء الله.
إحياء ذكرى الشّهداء وسيلةٌ للأهداف والأعمال المقبلة
توصيتي للأصدقاء والإخوة الأعزاء الذين يقيمون إحياءات الذكرى هذه ألا يُنظر إليها بعنوان الهدف. إنها وسائل وأدوات. ثمة أعمال كثيرة ينبغي فعلها تبعاً لهذه الإحياءات. يتطلب إيجادُ أساليب العمل مجموعاتٍ فكرية، مجموعات من أهل الفكر، [أيْ] الذين هم من أهل الفكر والثقافة والفن، وأن يجلسوا ويجدوا الأساليب المختلفة. كما قلنا للسادة،[5] إن الترويج لأسماء هؤلاء ولصورهم، وتبيان سيَرهم، وترويج وصاياهم وطبع نسخها، وتبيان المواقف التي تعرضوا لها وفعلوها في هذا الجهاد، أمور مهمة للغاية. يجب نشرها. وإن شاء الله، يكون الجميع في مقام الاستفادة من روحانية هؤلاء الأجلّاء. نرجو أن يؤيّدكم الله – إن شاء الله – وأن يوفقكم ويُعينكم حتى تتمكنوا من إنجاز الأعمال اللازمة في هذا الصدد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الهوامش:
*في بداية هذا اللقاء، قدّم تقريراً كلّ من حجة الإسلام والمسلمین الشيخ عبد الله حاجي صادقي (ممثل الولي الفقيه في «حرس الثورة الإسلامية» ورئيس المجلس الأعلى لوضع سياسات المؤتمر) وحجة الإسلام والمسلمين السيد يوسف طبطبائي نجاد (إمام جمعة أصفهان).
[1]. الكافي، ج. 2، ص. 78.
[2]. الشيخ شمس الدين محمد بن مكي بن أحمد العاملي النبطي الجزيني.
[3]. الشيخ زين الدين بن علي بن أحمد الجُبعي العاملي.
[4]. الماموستا محمد شيخ الإسلام، عضو «مجلس خبراء القيادة». استشهد على يد عناصر مرتزقة في 27 رمضان 1430 (2009).
[5]. كلمته في لقاء مع أعضاء هيئة مؤتمر الإحياء لذكرى 2000 شهيد من محافظة بوشهر، 13/1/2020.