الرئيسية / الاسلام والحياة / أبناء الرسول صلى الله عليه وأله في كربلاء

أبناء الرسول صلى الله عليه وأله في كربلاء

الفصل الثاني النبوة لا الملك

والآن نقترب من جوهر القضية التي نذر (الإمام علي) لها حياته، حتى قضى في سبيلها شهيدا.
والتي وهبها الحياة كذلك، أبناؤه من بعده، حتى قضوا في سبيلها شهداء، لا سيما ذلك البطل الممجد الشهيد (أبو عبد الله الحسين بن علي).
لقد كشف تمرد معاوية، ورفضه مبايعة (الإمام علي) عن جوهر النضال الذي تحتم على الإمام أن ينهض بأعبائه.
وكان السؤال الذي يفرض نفسه يومئذ على المجتمع الإسلامي كله، هوذا:
– لمن يجب أن تكون الغلبة ويكون البقاء..؟
للنبوة بكل هديها، وورعها، وجلالها الذي سواه في أحسن تقويم وحى الله ومنهم رسوله..
أم للملك بكل مباذخه ومباذله وتسلطه الذي باتت ترهص به على نطاق واسع أطماع الأمويين..؟؟
لقد كان أخشى ما يخشاه (الإمام) أن تقوم في الإسلام – دولة الطلقاء -!!
(٢٧)
والطلقاء، هم أولئك الذين أسلموا يوم فتح مكة راغبين أو راهبين..
وبعض هؤلاء، حسن إسلامه وصفا يقينه.
وبعضهم بقي تحت جوانحه إلى الجاهلية حنين…
وكانت الدولة المسلمة يومذاك، وبعد أن فتحت الدنيا لها وعليها.
بحاجة ماسة إلى حاكم من ذلك الطراز الرباني.. بحجة إلى واحد من أولئك الرجال الذين يمثلون فضائل أيام الوحي وعصر النبوة.
ولم يكن (الإمام علي) يومئذ الرجل الأفضل والأمثل فحسب، بل كان الرجل الأوحد الذي تتمثل فيه وتهيب به كل حاجات دينه وأمته.
وكان الخروج عليه يومذاك يشكل خروجا أكيدا على عصره النبوة بكل ما يمثله من هدى وعدالة ونور.
ولقد كانت بصيرة الإمام من النفاذ والصدق بحيث أبصرت أبعاد المصير إذا استقر السلطان في أيدي الأمويين فلقد يهون الأمر، لو بدأ النكوص بمعاوية، وانتهى به.. غير أن ” الإمام ” كان يرى ببصيرته الصادقة أن الانحراف إذا بدأ، فلن يؤذن بانتهاء..
وكان يرى أن الأمويين إذا أفلحوا في تثبيت ملكهم المنشود، فسيتحول التراث الجليل الذي تركه الرسول إلى ملك عضوض ودنيا جامحة..
ومن ثم صار دحض هذه المحاولة التعسة واجب المؤمنين كافة.
وهذه كلمات أبي سفيان التي يجتر بها نوايا أسرته وقومه، لا تدع مجالا للشك في أطماعهم وما يبتغون..
فهو يوصي أهله وذويه قائلا: ” لقد صار الأمر إليكم فلا تدعوه يفلت، وتلقفوه كالكرة.. فإنما هو الملك ولا أدري ما جنة ولا نار “..!!
(٢٨)
وهو يمر بقبر (حمزة عم الرسول) فيستعيد ذكرى الأيام الماضية ويقول (يا أبا عمارة إن الأمر الذي اجتلدنا عليه بالسيوف قد صار إلى غلمان بني أمية)..!!
وهو حتى من قديم، لم يكن يرى في الإسلام إلا ملكا.. فيوم فتح مكة، وقد صحبة العباس عم النبي إلى الرسول ليسلم، وينجو بحياته، نظر إلى الكتائب اللجبة العارمة تحمل رايات الإسلام، فإذا به ينظر إلى العباس) ويقول: ” لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما).. فيجيبه (العباس) رضي الله عنه:
(يا أبا سفيان.. إنها النبوة، لا الملك).
أجل.. هذا هو الفارق الكبير بين تفكير بني هاشم وتفكير بني أمية.. فبنو هاشم يرون الدين على حقيقته، نبوة وهدى، نورا..
وبنو أمية يرونه من خلال أمانيهم وأطماعهم. ملكا، وتسلطا، وسيادة..!!
وإن (الإمام عليا) لم يخدع إذن عن جوهر الموقف الذي اتخذه معاوية حين رفض بيعة الإمام، ولم يخدع عن عواقب هذا الموقف إذا تركه المسلمون يستشري ويتفاقم.
وإذا كانت مقاومة هذا الجنوح الخطير واجب المؤمنين.. فمن أولى المؤمنين بهذا..؟
إنهم آل بيت النبي… أهل التقوى، وأهل التضحية..!!
وهكذا شرع موكب التضحيات في مسيرة عالية، كلها قمم ومرتفعات.. مستهلا بأشرف تلكم القمم وأعلاها.. حياة الإمام الرشيد الشهيد (علي بن أبي طالب) رضي الله عنه وأرضاه…
(٢٩)

شاهد أيضاً

هل أوشك العالم على التحرر من هيمنة الدولار؟!

 أحمد فؤاد  تشخص القلوب والأبصار، في شرق العالم وغربه، إلى قرار “الاحتياطي الفيدرالي” الأميركي المتعلق ...