تشهد آيات الذكر الحكيم على أنّ النبيّ الأكرم جاء ـ وبالإضافة إلى المعجزة الخالدة: القرآن الكريم ـ بعدد من المعاجز والأفعال الخارقة للعادة ولم يكتفِ لهداية الناس وإرشادهم بالقرآن فقط، بل كلّما اقتضت الحاجة ودعت الضرورة جاء وبإذن الله بالمعجزة اللازمة.
المعجزة الثانية: معراج النبي
إنّ الإسراء بالنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى من المعاجز التي ادّعاها النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) لنفسه وأكّدها القرآن الكريم وبصراحة تامّة حيث قال سبحانه: {سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [سورة الإسراء: 1]
ولا شك أنّ هذه الرحلة الطويلة وفي منتصف الليل من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى والتي تمّت في فترة قياسية في زمن كانت فيه وسائط النقل بدائية جداً يُعدُّ معجزة كبيرة من معاجز النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد أثبت القرآن الكريم تلك المعجزة ودافع عنها بقوة في سورة النجم بحيث لم يبقِ شكّاً في القضية، بل انّ القرآن الكريم يخبرنا انّ هذ الرحلة النبوية لم تنحصر بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، بل تجاوزت ذلك إلى عالم آخر أبعد من هذه المسافة كثيراً، إذ تشير انّ هذه الرحلة قد انتهت عند (سدرة المنتهى) [سورة النجم:13ـ 18]
ونحن لسنا بصدد البحث في تفاصيل حادثة المعراج تلك، وهل انّ هذا المعراج كان جسمانياً أو روحانياً؟ أو…، كذلك لسنا بصدد الردّ على الإشكالات الصبيانية الواهية التي قد تثار بوجه تلك القضية والدفاع عنها. بل إنّنا في مقام التركيز على نقطة واحدة وهي أنّ القرآن الكريم قد أثبت هذه المعجزة للنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وتطرق لها في سورتي الإسراء والنجم ودافع عنها بقوة. ومع ذلك كلّه كيف جاز للمسيحييّن ومقلّديهم الادّعاء:
(انّ المسلمين ينسبون إلى نبيهم مجموعة من المعاجز، ولكنّ الإنسان تنتابه الحيرة والعجب حينما يرى أنّ القرآن الكريم لم يذكر من تلك المعاجز شيئاً ولا أخبر عنها). ونحن بدورنا أيضاً نتعجب من هؤلاء الذين ينسبون أنفسهم إلى العلم والفكر كيف يا ترى يفسّرون هذه الآيات الواردة في القرآن الكريم؟! وكيف جاز لهم القول بأنّ القرآن الكريم لم ينسب للنبي أي معجزة؟!
ثمّ إنّ الروايات والأحاديث الإسلامية حول معراج النبي بدرجة من الكثرة بحيث يستحيل القول إنّها جميعاً من الأحاديث المجعولة والموضوعة. والحقّ انّ الإنسان ينتابه العجب والحيرة من منهج هؤلاء الذين يدرسون حياة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث تراهم يذعنون ويسلّمون أمام خرافة وقصّة خيالية ينقلها الطبري عن طريق الآحاد، وهي قصة (الغرانيق)، ويستدلّون بذلك لإثبات روح المساومة والخضوع عند النبي الأكرم، أو أنّهم يعتمدون على ما نسب للسيدة خديجة (عليها السلام) مع (ورقة بن نوفل)
حول رسالة النبي، وينطلقون من تلك القصة لإثبات أنّ النبي لم يكن على يقين من أمره، ولكنّهم في نفس الوقت يتجاهلون الأحاديث والروايات المتواترة التي نقلها الطبري نفسه وغيره من المفسّرين والمؤرّخين ويشطبون على ذلك كلّه. إنّ هؤلاء الكتّاب المتعصبين قد حكموا مسبقاً ثمّ راحوا يبحثون عن الدليل لدعم مدعاهم، فتشبّثوا بما يناسب حكمهم ونظريتهم بكلّ غثّ واكتفوا حتّى بالخبر الواحد، ولكنّهم أعرضوا عن المئات من الروايات والأحاديث، لا لشيء إلاّ لأنّها لم تنسجم مع معتقدهم وحكمهم، بل تنافيه بصراحة تامة.