صنع في أمريكا عبارة أصبح المواطن اللبناني يقرأها كثيرا ، فسوق الإستهلاك اليومي أصبحت تغص بالبضائع الأمريكية التي تشهد إقبالاً ملحوظاً في الآونة الأخيرة وحجة المستهلك ” البضائع الأمريكية أصلية ليست كالبضائع الوطنية ” وكأن البضائع الوطنية يطبع عليها عند إنتاجها ” غير أصلية ” أو ” لا تدوم طويلاً ” . المقارنة بين المنتج الأمريكي وسواه من المنتجات الوطنية أو المستوردة من البلاد العربية يسلط الضؤء على إهمال الدولة اللبنانية للقطاع الصناعي فضلاً عن إهمال وزارة الإقتصاد لمعايير الجودة التي تفرض على التجار المستوردين .
فقد حفل العام الماضي بفضائح عن منتجات منتهية الصلاحية تعج بها الأسواق اللبنانية ، منها الوطني ومنها المستورد منذ سنوات عديدة ولعل ما يدفع المواطن اللبناني إلى الإتجاه نحو سوق البضائع الأمريكية هو فقدان الثقة بكل ما هو عربي ، من منتجات ومواد إستهلاكية ، والثقة بالمنتج الغربي إستمدت من آراء الخبراء الذين يؤكدون ان عمليات الإنتاج في البلاد الغربية تخضع لرقابة شديدة فضلاً عن مجموعة كبيرة من معايير الجودة التي تلزم بها المصانع والمعامل والتي تعد نوعاً ما مفتقدة في بلادنا العربية ، يعني وبالخلاصة فإن إهمال الدولة اللبنانية لجودة المنتجات فيها على مر السنوات الماضية خلق دافعاً عند المواطن للبحث عن منتجات بديلة يستطيع الوثوق بها .
كيفية غزو البضائع الأمريكية للسوق اللبنانية
أول تجربة بحسب أحد التجار بدأت إبان الإحتلال الامريكي للعراق عام 2003 ، آنذاك قرر عدد من التجار اللبنانيين شحن بضائع أمريكية إلى لبنان وتصديرها إلى العراق وبالتالي بيعها لعناصر الجيش الأمريكي الموجودين هناك. وكما يقول المثل أصبحت ” مصائب قوم عند قوم فوائد ” ، تطورت التجارة ولاقت رواجاً فتم فتح بعض متاجر للبضاعة الأمريكية في لبنان ، كان عددها محدوداً والإستثمار فيها يعد مغامرة إلى أن لاقت رواجاً في السوق المحلي وأصبح الطلب عليها يتزايد حتى صارت تأخذ حيزاً في حياة المواطن اللبناني فتطور الإستثمار في البضائع الأمريكية حتى أصبح لديها سوق في منطقة بئر حسن في الضاحية الجنوبية لبيروت .
اما كيفية إستيراد البضائع ، فالعملية تتم بجهود فردية بالإعتماد على المعارف في الولايات المتحدة بقوم التجار بتحضير ما يسمى بطلبيات بضائع وإرسالها إلى المصدر الأساس في أميركا الذي بدوره يشحن الطلبيات إلى لبنان. وهناك طريقة أخرى يسافر عبرها التاجر نفسه إلى الولايات المتحدة لتجميع البضائع بنفسه وشحنها إلى لبنان .
أسعار البضائع ومدى الإقبال عليها
بالطبع فإن البضائع الأمريكية تختلف بأسعارها عن سائر المنتجات والبضائع الأخرى ، و هي تعد باهظة نوعاً ما وذلك يعود لرسوم الجمارك التي تفرض عليها بالإضافة إلى رأسمالها الذي يتفاوت بين شهر وآخر في الولايات المتحدة .
وسبب التفاوت يعزى في بعض الأحيان إلى الوقت المتبقي للبضائع حتى إنتهاء صلاحيتها وهذا ما يجعل في تجارة البضائع الأمريكية أمراً مريباً خاصة وإن كانت أسعارها أقل من أخواتها في المحال الأخرى .
اما عن الإقبال عليها فيجيب صاحب أحد محال البضائع الأمريكية في منطقة بنت جبيل ” هذه البضائع لها زبائنها فهناك من يقصد المحل خصوصاً لشراء البضائع الأمريكية مع العلم أننا نبيع كافة الأنواع ، هناك الوطني وهناك الأمريكي “.
الرقابة عليها ودور الدولة
وبعد استعراض ظاهرة تفشي البضائع الأمريكية في السوق اللبنانية وتزايد الطلب عليها لا بد من السؤال عن دور الدولة في ضبط التجارة الجديدة خاصة وأن في لبنان ما يكفي من مشاكل الأمن الغذائي وهي التي لطالما إعتادت على “مواجهتها” جمعية حماية المستهلك التابعة لوزارة الإقتصاد ،بعد التحقق تبين وبحسب مدير عام وزارة الإقتصاد فؤاد فليفل أن هذه البضائع تعامل معاملة البضائع الوطنية والمستوردة من الشرق الأوسط بل إن الرقابة تشدد عليها في بعض الأحيان لأن بعضها يحوي كتابات عبرية من غير المسموح إدخالها إلى لبنان .
وفي سؤال عن هامش التلاعب بهذه البضائع أكد فليفل أنها أكثر أماناً من البضائع الأخرى إذ تحتوي بأغلبها على ما يسمى “bar code” يسمح بتبيان تاريخ إنتهاء الصلاحية مع تاريخ المنشأ بالإضافة إلى السعر الأصلي للمنتج .
وبالنسبة لضبط أسعارها فقال فليفل أن تسعيرتها بقيت للتجار حيث عمدت وزارة الإقتصاد إلى خلق جو من المنافسة في إعطاء الحرية للتجار في تسعير هذه البضائع .
إذاً غزو أمريكي للبنان هذه المرة ليس بالسلاح أو حرب الأيديولوجيا بل يمكن الإطلاق عليه ” غزو بموارد الإستهلاك”. موارد إفتقد اللبناني جودتها في بلادهم فأصبح ينشدها من بلاد الغرب .