السؤال ( 2 ) :
هل كان النبي [ صلى الله عليه وآله ] يقرأ قبل البعثة أم أنه كان جاهلاً بالقراءة والكتابة ؟
الجواب :
أولاً : إننا لا نستطيع وصف رسول الله [ صلى الله عليه وآله ] بالجهل ، فإنه تعبير مرفوض ومدان . .
وليكن التعبير في السؤال كما يلي : هل كان رسول الله [ صلى الله عليه وآله ] يقرأ ويكتب قبل البعثة ، أم لم يكن يقرأ ويكتب ؟
ثانياً : قال تعالى : ( وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ
بِيَمِينِكَ إِذاً لاَرْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ) . .
إن هذه الآية الشريفة تعطي : أن الله سبحانه وتعالى يريد أن يقطع دابر أية فرصة للإساءة إليه [ صلى الله عليه وآله ] ، وإلى نبوته ، فيزيل أي ريب أو شبهة يمكن أن تثار حول نبوة نبيه الأكرم [ صلى الله عليه وآله ] ، وتتأثر بها نفوس الضعفاء .
وما يوجب الريب هو أن يكون [ صلى الله عليه وآله ] قد قرأ كتب السابقين عند البشر ، أو تعلم منهم ، وأخذ عنهم . . فإذا تحقق لدى الناس أنه لم يقرأ قبل بعثته عند أحد ، فإذا جاء بهذا الدين ، وصار يعرف القراءة والكتابة بصورة إعجازية ، من دون معلم ، فإن ذلك يضطرهم إلى الإيمان والتسليم . .
فالمهم إذن هو أن لا يكون قد تعلم شيئاً عند أحد ، فإذا حصلت له هذه العلوم كفى ذلك لتحقق مصداق قوله تعالى : ( وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ) ، ولا بد لهم في هذه الحالة من الإيمان والتصديق به بمجرد أن يبعث ، ويرونه قد أصبح عارفا بالقراءة والكتابة ، وبكل هذه العلوم والمعارف والتشريعات ، التي يعجز البشر عن نيلها .
ولا حاجة بعد ذلك إلى أن يبقى النبي [ صلى الله عليه وآله ] عاجزاً عن القراءة والكتابة بنظرهم وإلى أن يموت ، فإن ذلك سيكون من حالات النقص في شخصيته عندهم . وقد ثبت بالبراهين والأدلة العقلية والنقلية ، أنه منزه عن كل عيب
ونقص .
ثالثاً : إن من الواضح : إن القراءة والكتابة لا تقصد لذاتها ، وإنما هي من العلوم الآلية التي يكون القصد إليها للتوصل إلى غيرها . وهو نيل المعارف عن طريقها . .
فإذا كانت المعارف والعلوم حاضرة لدى الرسول [ صلى الله عليه وآله ] ويراها رأي العين . وهو يخبرهم بها ، ويرون صدقه بصدقها ، فإن البحث عن وسيلة أخرى عاجزة عن إحضارها لديه ، وعن إرائتها له . . بل هي توجد له حالة تخيل وتصور لها لا أكثر ، ( 1 ) – إن البحث عن هذه
الوسيلة العاجزة – ، يصبح سفها غير مقبول . . ويكون بذلك كالذي يجد حبيبه إلى جنبه ، ثم يطلب النوم لعله يراه في عالم الرؤيا . أما الأدلة على أنه [ صلى الله عليه وآله ] لم يكن يقرأ ويكتب ، فهي غير دالة على مطلوبهم ، ونحن نذكر أجوبتها فيما يلي :
الدليل الأول :
قوله تعالى : ( وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَرْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ) ( 1 ) .
ونقول : إن الاستدلال بالآية : لا يصح لأنها إنما تدل على أنهم كانوا
يعلمون أنه لم يتعلم القراءة والكتابة عند أحد قبل أن يبعث ، وأنه لم يكن يقرأ كتباً ، ولا كتب شيئاً منها ، أو عنها . .
وهذا لا يمنع من أن يبعثه الله نبيا فيفاجئهم بعلوم الأولين والآخرين ، وهو لم يطلع على كتب أحد . .
ويفاجئهم بأنه في نفس هذه اللحظة قد أصبح يعرف القراءة والكتابة بكل الألسن واللغات ، ومن جملتها منطق الطير ، وتسبيح الحصى ، وغير ذلك مما ذكر في الروايات الآتية ، هذا . . مع علمهم به ، ومشاهدتهم له ، وعيشهم معه طيلة حياتهم ، بصورة جعلتهم عالِمين بعدم اتصاله بأحد ، وأنه لم يتعلم شيئاً عند أي كان من الناس . .
فطريق حصوله على المعارف والعلوم منحصر بالطريق الغيبي والوحي ، وسيكون هذا الأمر من أظهر الشواهد على نبوته ، واتصاله بالغيب .
فيقينهم بعدم معرفته بالقراءة والكتابة قبل النبوة ، وسام عظيم له . وهو خير وأوضح دليل على نبوته ، ولكن علمهم باستمرار عجزه عن القراءة والكتابة حتى بعد النبوة ، سيجعلهم ينظرون له بعين النقص ، وسيرى الكتّاب والعارفون بالقراءة أن لهم عليه امتيازا وفضلا ظاهراً . .
وسيكون علمه بالقراءة والكتابة بصورة إعجازية وعن طريق جبرائيل أدعى للطمأنينة ، وأوفق وأشد أثراً في رسوخ اليقين والإيمان .
الدليل الثاني :
إن الآيات القرآنية قد وصفت النبي [ صلى الله عليه وآله ] بالأمي ، قال تعالى :
( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ ) ( 1 ) .
وقال : ( فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ ) ( 2 ) .
والأمي هو الذي بقي كما ولدته أمه ، لا عهد له بعلم ، ولا بقراءة ، ولا كتابة .
ونقول في جوابه :
ألف : إن نفس ما أوردناه لرد الاستدلال بالآية السابقة يرد به الاستدلال بهذه الآية . وأما وصفه بالأمية واعتبارها وساماً له ، فإنما هو بلحاظ ما قبل البعثة ، أما بعدها فلعل العكس هو الصحيح ، أي أن استمرار الأمية هو الذي يعد نقصاً بنظر الناس .
ب : إن كلمة أمي كما تأتي بمعنى من لا يعرف القراءة والكتابة ، كذلك هي تأتي لبيان الانتساب إلى أم القرى ، وهي مكة . وسيأتي عن أبي جعفر [ عليه السلام ] أن المقصود بالأمي هو هذا المعنى . .
ولهذه الكلمة أيضاً معان أخر ، لا تلائم معنى عدم معرفته القراءة والكتابة ، مثل كونه منسوباً إلى أمة لم تنزّل عليها كتب سماوية ، ونحو ذلك
الدليل الثالث :
ما جرى في الحديبية :
بقي أن نشير إلى أن ما جرى في الحديبية قد يعتبره البعض صالحا للاستدلال به على استمرار أمية الرسول [ صلى الله عليه وآله ] ، على اعتبار أن النبي [ صلى الله عليه وآله ] طلب من علي أن يمحو وصف ” رسول الله ” من الكتاب ، فلم يرض [ عليه السلام ] بذلك ، فقال له الرسول [ صلى الله عليه وآله ] : ضع يدي عليها . فوضعها ، فمحاها [ صلى الله عليه وآله ] بيده ( 1 ) .
فلو كان [ صلى الله عليه وآله ] عارفا بالقراءة لقرأ هو [ صلى الله عليه وآله ] الكتاب ، ووجد الكلمة ، ومحاها من دون الحاجة إلى الاستعانة بعلي . .
ويروى أن تميم بن جراشة قدم على النبي [ صلى الله عليه وآله ] في وفد ثقيف وسألوه أن يكتب لهم كتاباً يحل فيه لهم الربا والزنى ، فكتب لهم خالد بن سعيد بن العاص كتاباً ، ثم ذهبوا به إلى النبي [ صلى الله عليه وآله ] ، فقال للقارئ : اقرأه .
فلما انتهى إلى الربا قال : ضع يدي عليها في الكتاب ، فوضع يده فقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ
الرِّبَا ) ( 1 ) الآية ، ثم محاها .
وألقيت علينا السكينة فما راجعناه . فلما بلغ الزنى وضع يده عليها وقال : ( وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً ) الآية . ثم محاه ( 2 ) .
ونقول في الجواب :
إن هذا الاستدلال لا يصح ، وذلك لما يلي :
أولاً : روى النجدي ما جرى في الحديبية فقال : ” فأخذ رسول الله [ صلى الله عليه وآله ] الكتاب فكتب : هذا ما قاضى محمد بن عبد الله ” ( 3 ) .
وفي نص آخر قالوا : ” فأخذ النبي [ صلى الله عليه وآله ] الكتاب ، وليس يحسن أن يكتب ، فكتب مكان رسول الله : هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله : أن لا يدخل الخ . . ” ( 4 ) .
فهذه الرواية تدل على أن النبي [ صلى الله عليه وآله ] قد كتب بنفسه ذلك ، على سبيل الإعجاز . . لا أنه طلب من علي [ عليه السلام ] ، أن يضع يده على الكلمة ،
فمحاها ، ثم كتب علي ، كما ذكرته الرواية الأخرى .
ثانياً : قد ذكرنا في بحث لنا سابق ( 1 ) عدم صحة قولهم : إن علياً [ عليه السلام ] قد امتنع عن محو اسم النبي [ صلى الله عليه وآله ] من الصحيفة . بل النصوص تدل على أنه [ عليه السلام ] قد امتثل كل ما أمره به الرسول [ صلى الله عليه وآله ] , فراجع .
لكن قد ذكرت الروايات أن علياً [ عليه السلام ] إنما واجه ذلك المشرك الذي اعترض وحاول أن يفرض أمرا غير مرضي ولا مقبول . وقد كان موقف النبي [ صلى الله عليه وآله ] هو التأييد لعلي [ عليه السلام ] والتسديد له في موقفه هذا ، فراجع ذلك البحث تجد تفصيل ذلك . .
وبذلك يكون ما ذكروه من أن النبي [ صلى الله عليه وآله ] قد طلب منه أن يضع يده على الكلمة التي يريد أن يمحوها ليس له أساس يصح التعويل عليه . .
ثالثاً : إن قوله [ صلى الله عليه وآله ] : ضع يدي عليها ، لا يستلزم عدم معرفته بالقراءة والكتابة ، إذ قد يكون مجلسه بعيداً عن مجلس علي بحيث لا يتمكن من قراءة ما في الصحيفة بصورة مباشرة ، فيقول له من بعيد : ضع يدي عليها ، لأن علياً [ عليه السلام ] هو المتمكن من قراءة الصحيفة .
ولو قيل : لماذا لم يستعمل النبي [ صلى الله عليه وآله ] في هذه الحالة أيضاً قدراته الغيبية والإعجازية . . فالجواب هو أن ذلك يتبع المصالح التي تقتضي ذلك ، وهو [ صلى الله عليه وآله ] أعلم بها وأعرف بمواقعها .
رابعاً : روي عن ابن عباس : أنه قال للحرورية [ الخوارج ] في جملة حديث له معهم وهو يحتج عليهم بفعل رسول الله [ صلى الله عليه وآله ] في الحديبية ؛ ويحدثهم بما جرى : ” قالوا : لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك , ولكن اكتب اسمك واسم أبيك .
فقال : اللهم إنك تعلم أني رسولك . ثم أخذ الصحيفة ، فمحاها بيده ، ثم قال : يا علي اكتب : هذا ما صالح عليه الخ ” ( 1 ) .
خامساً : لنفترض : أن ذلك لم يقنع الباحث ، فإنه سيجد نفسه غير قادر على الاستدلال بهذه الرواية التي رويت بصور مختلفة ومتناقضة نعلم بتعمد التصرف فيها ، والتلاعب بمضامينها ، فلا بد له من البحث عن أدلة أخرى ، وهي متوفرة ولله الحمد ، وسيطلع القارئ الكريم على شطر منها في ضمن الفقرات التالية في هذا البحث . .
آراء علمائنا :
وبعدما تقدم نقول :
إننا إذا رجعنا إلى ما قاله علماؤنا الأبرار فإننا نلاحظ : أن عددا منهم رضوان الله تعالى عليهم قد صرح بأنه [ صلى الله عليه وآله ] كان يعرف القراءة
والكتابة بعد بعثته .
ويظهر من الشيخ الطوسي [ رحمه الله ] : أن ذلك هو مذهب علمائنا . رحمهم الله كافة ؛ فإنه قال : ” والنبي عليه وآله السلام – عندنا – كان يحسن الكتابة بعد النبوة ، وإنما لم يحسنها قبل البعثة ” ( 1 ) .
وقال السيد جواد العاملي : ” والنبي معصوم مؤيد بالوحي : وكان عالماً بالكتابة بعد البعثة ، كما صرح به الشيخ ، وأبو عبد الله الحلي ، واليوسفي ، والمصنف في التحرير . وقد نقل أبو العباس ، والشهيد في النكت ، عن الشيخ ، وسبطه أبي عبد الله الحلي الساكتين عليه ” ( 2 ) .
وعلى كل حال ، فإن الأدلة قد دلت على أن النبي [ صلى الله عليه وآله ] كان يقرأ ويكتب ، قبل البعثة وبعدها .
أما بالنسبة لعدم قراءته وكتابته [ صلى الله عليه وآله ] قبل البعثة بصورة فعلية ، فإن ذلك لا يعني عدم قدرته على ذلك ، بل كان قادراً على ذلك ، لكنه لم يظهر ذلك للمشركين ولا لغيرهم بصورة فعلية ؛ وذلك كي تقوم الحجة عليهم ، وليدركوا الإعجاز الإلهي في ذلك . .
ولعل علماءنا الأبرار قد استندوا في ما ذهبوا إليه في هذا الأمر إلى ما صرحت به بعض النصوص من أنه [ صلى الله عليه وآله ] قد مارس القراءة
أحيانا والكتابة أحياناً ، فلاحظ ما يلي :
فما دل على أن النبي [ صلى الله عليه وآله ] كان يقرأ :
1 – ما رواه الشعبي من أنه [ صلى الله عليه وآله ] قد قرأ صحيفة لعيينة بن حصن ، وأخبر بمضمونها ( 1 ) .
2 – عن أنس قال : قال [ صلى الله عليه وآله ] : رأيت ليلة أسري بي مكتوبا على باب الجنة : الصدقة بعشر أمثالها ، والقرض بثمانية عشر ( 2 ) .
ومما دل على أن النبي [ صلى الله عليه وآله ] كان يقرأ ويكتب :
ولكن نصوصاً أخرى قد صرحت بأنه [ صلى الله عليه وآله ] كان يقرأ ويكتب بعد بعثته ، وذلك مثل :
3 – ما روى الصدوق [ رحمه الله ] بسنده عن جعفر بن محمد الصوفي ، عن أبي جعفر الجواد [ عليه السلام ] : ” فقلت : يا بن رسول الله ، لم سمي النبي الأمي ؟ !
فقال : ما يقول الناس ؟
قلت : يزعمون : أنه إنما سمي الأمي ؛ لأنه لم يحسن أن يكتب .
فقال [ عليه السلام ] : كذبوا عليهم لعنة الله ، أنّى ذلك ، والله يقول في محكم كتابه : ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ
وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ) ( 1 ) .
فكيف كان يعلمهم ما لا يحسن ؟ . والله ، لقد كان رسول الله [ صلى الله عليه وآله ] يقرأ ويكتب باثنين وسبعين لساناً ، أو قال : بثلاثة وسبعين لساناً ، وإنما سمي الأمي ، لأنه كان من أهل مكة . ومكة من أمهات القرى ، وذلك قول الله عز وجل : ( لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا ) ” ( 2 ) .
4 – عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : قال أبو عبد الله [ عليه السلام ] : إن النبي [ صلى الله عليه وآله ] كان يقرأ ويكتب ، ويقرأ ما لم يكتب ( 3 ) .
5 – وروى الصدوق بسنده عن علي بن أسباط وغيره ، رفعه عن أبي جعفر [ عليه السلام ] قال : قلت : إن الناس يزعمون : أن رسول الله [ صلى الله عليه وآله ] لم يكتب ولا يقرأ .
فقال : كذبوا لعنهم الله أنّى يكون ذلك ، وقد قال الله عز وجل : ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ
مُبِينٍ ) ( 1 ) .
فكيف يعلمهم الكتاب والحكمة وليس يحسن أن يقرأ ويكتب ؟ !
قال : فلم سمي النبي الأمي ؟
قال : لأنه نسب إلى مكة ، وهو قول الله عز وجل : ( لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا ) ، فأم القرى مكة ، فقيل أمي لذلك ( 2 ) .
6 – وعن الشعبي أنه قال : ما مات النبي [ صلى الله عليه وآله ] حتى كتب ( 3 ) .
وقال المجلسي : قال الشعبي وجماعة من أهل العلم : ما مات رسول الله [ صلى الله عليه وآله ] حتى كتب وقرأ . وقد اشتهر في الصحاح وكتب التواريخ قوله [ صلى الله عليه وآله ] : ايتوني بدواة وكتف اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبداً ( 4 ) .
ونقول : إن استدلاله [ رحمه الله ] بالفقرة الأخيرة غير خال عن النظر والمناقشة فإن قوله : اكتب لكم يتلاءم مع أمره لبعض من حضر بذلك . .
7 – ونقل السيوطي عن أبي الشيخ ، من طريق مجالد ، قال : حدثني عون بن عبد الله بن عتبة , عن أبيه قال : ما مات النبي [ صلى الله عليه وآله ] حتى قرأ وكتب . فذكرت هذا الحديث للشعبي . فقال صدق . سمعت أصحابنا يقولون ذلك ( 1 ) .
8 – عن أبي عبد الله [ عليه السلام ] قال : ” كان علي [ عليه السلام ] كثيرا ما يقول : اجتمع التيمي والعدوي عند رسول الله [ صلى الله عليه وآله ] ، وهو يقرأ : ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ ) بتخشع وبكاء ، فيقولان : ما أشد رقتك لهذه السورة .
فيقول رسول الله [ صلى الله عليه وآله ] : لما رأت عيني ، ووعى قلبي ، ولما يرى قلب هذا من بعدي .
فيقولان : وما الذي رأيت ، وما الذي يرى ؟ !
قال : فيكتب لهما في التراب : تنزل الملائكة والروح الخ . . ( 2 ) .
فإن ظاهر هذه الرواية أنه [ صلى الله عليه وآله ] قد مارس الكتابة فعلاً . .
وقد ظهر مما تقدم : أنه لا مجال للقول بأنه [ صلى الله عليه وآله ] لم يكن يقرأ ويكتب . وأن الصحيح هو خلاف ذلك ، سواء قبل بعثته [ صلى الله عليه وآله ] أو بعدها . ولكن ذلك قد كان بصورة إعجازية ، على النحو الذي أوضحناه في ثنايا هذا البحث . .
والحمد لله ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين .
عصمة علي [ عليه السلام ] . . وما جرى في الحديبية . .
————————————————————–
( 3 ) صحيح البخاري ج 2 ص 73 ط سنة 1309 .
( 4 ) صحيح البخاري ج 3 ص 37 ط سنة 1309 ه . ق . ومسند أحمد ج 4 ص 298 والكامل في التاريخ ج 2 ص 204 . وخصائص علي بن أبي طالب [ عليه السلام ] للنسائي ص 150 و 151 والأموال ص 233 وسنن الدارمي ج 2 ص 238 والسنن الكبرى ج 8 ص 5 وراجع : التراتيب الإدارية ج 1 ص 173 .
( 1 ) البحث هو بعنوان : ” موقف علي [ عليه السلام ] في الحديبية ” ، صادر عن المركز الإسلامي للدراسات .
( 1 ) الرياض النضرة ج 2 ص 277 وإحقاق الحق [ الملحقات ] ج 8 ص 522 . وراجع : مسند أحمد ج 1 ص 342 وخصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب للنسائي ص 148 و 149 وغير ذلك . .
( 1 ) المبسوط ج 8 ص 120 وراجع تفسير التبيان ج 8 ص 216 .
( 2 ) مفتاح الكرامة ج 10 ص 10 .
( 1 ) المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج 8 ص 98 عن تفسير النقاش .
( 2 ) سنن ابن ماجة ج 2 ص 812 والمفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج 8 ص 97 عنه .
( 1 ) سورة الجمعة الآية 3 .
( 2 ) علل الشرايع ص 124 والبحار ج 16 ص 132 وبصائر الدرجات ص 245 والبرهان [ تفسير ] ج 4 ص 332 ونور الثقلين ج 2 ص 78 وج 5 ص 322 ومعاني الأخبار والاختصاص .
( 3 ) البحار ج 16 ص 134 وبصائر الدرجات ص 247 والبرهان ج 4 ص 333 ونور الثقلين ج 5 ص 322 .
( 1 ) سورة الجمعة الآية 2 .
( 2 ) البحار ج 16 ص 133 وعلل الشرايع ص 125 وتفسير البرهان ج 2 ص 332 وج 2 ص 40 ونور الثقلين ج 5 332 وبصائر الدرجات ص 246 وتفسير العياشي ج 2 ص 78 .
( 3 ) الجامع لأحكام القرآن ج 13 ص 352 والتراتيب الإدارية ج 1 ص 173 والبحار ج 16 ص 135 .
( 4 ) البحار ج 16 ص 135 .
( 1 ) الدر المنثور ج 3 ص 131 .
( 2 ) الكافي ج 1 ص 249 ونور الثقلين [ تفسير ] ج 5 ص 323 و 633 .
( 1 ) راجع : تاريخ الطبري ج 2 ص 283 والبداية والنهاية ص 200 .
( 1 ) راجع : الأمالي للمفيد ص 235 والأمالي للشيخ الطوسي ص 11 . وراجع : نهج البلاغة ج 2 ص 171 .
( 1 ) راجع : سيرة ابن هشام القسم الثاني ص 319 وتاريخ الطبري ج 2 ص 283 .
( 1 ) راجع : تفسير القمي ج 2 ص 314 .
( 1 ) سورة الأعراف الآية 172 .
( 1 ) سورة التكوير الآية 5 .
( 1 ) الإسراء الآية 44 .
( 1 ) فصلت الآية 11 .
( 1 ) عقاب الأعمال : ص 208 وبحار الأنوار ج 27 ص 55 .
( 1 ) الموطأ [ المطبوع مع تنوير الحوالك ] ج 1 ص 93 وجامع بيان العلم ج 2 ص 244 .
العلّامة السيّد جعفر مرتضى العاملي
https://t.me/wilayahinfo