ما بين التسارع السياسي والعسكري.. الدولة السورية ترسم خارطة المنطقة
من منبج في ريف حلب الى مقار السفارات العربية في دمشق تغيرات سياسية وميدانية
أبعد من اعادة تمركز لقوات الجيش السوري، هي نتائج انتشاره في منطقة منبج، التي تشكل فاتحة انطلاق للجيش السوري باتجاه انجازات جديدة، بعد ان فرض المشروع الامريكي مع بعض الدول العربية، قواعد تفاوض سياسي واشتباك عسكري وامني، في تلك المنطقة، الا انه بعد سبع سنين عجاف، تقدم الجيش وكان صاحب الكلمة الفصل في كل ما يجري على الاراضي السورية.
مدينة منبج الواقعة في شمال شرق محافظة حلب شمالي سوريا، وعلى بعد 30 كلم غرب نهر الفرات، يفصلها عن حلب حوالي 80 كلم، شكلت في وقت سابق قاعدة خلفية لاستراحة مقاتلي داعش الداخلين من تركيا، قبل توزعهم على مناطق الاشتباك في الداخل السوري، واطلقت عليها بعض الصحف البريطانية في السابق لقب لندن الصغرى، لكثر ما وصل اليها ارهابيون من بريطانيا، وهنا لابد لنا قبل الدخول في اهمية تطورات منبج، ان نحيط القارئ بأهمية هذه المدينة، التي تشكل طريقا استراتيجية تربط بين الرقة وقلب أوروبا، بالاضافة الى قاعدة انطلاق للجيش السوري لتحرير منطقة عفرين، وحصار ما تبقى من مجموعات مسلحة تابعة لتركيا في تلك المنطقة، بالاضافة الى كونها طريق عبور اقتصادي يصل مناطق الحسكة والقامشلي ودير الزور بمناطق حلب وريفها حتى حدود ريف اللاذقية وادلب، ومن الناحية العسكرية، اثارت المدينة اهتمام قوات الاحتلال الامريكي والفرنسي ودفعتهم لاقامة قواعد عسكرية فيها، بالتزامن مع استغلال قوات سورية الديمقراطية للمنطقة فأقامت فيها مركز امداد ودعم لوجستي كبير.
الا ان هذا الحراك السياسي والعسكري تجاه منبج، حرك صقيع الاجواء في عواصم عدة، انطلاقا من اهميتها التي ذكرناها، حيث افشل التحرك السريع للجيش السوري، المخططات التركية في تلك المنطقة، بعد ان تعلم الاكراد من درس عفرين، واصبحت لديهم قناعة مطلقة ان من يحمي الاراضي السورية، والشعب السوري، هي الدولة والجيش السوري، لا امريكا ولا فرنسا ولا اي دولة احتلال اخرى، وهذه المعرفة مهدت للدخول السريع للجيش السوري، الذي نفذ مهامه الدستورية في حماية أراضي بلاده، وكل ذلك مبني على قواعد اساسية في الدولة السورية، واهمها ان الولايات المتحدة الامريكية ستخرج هي وكل دولة دخلت بشكل غير شرعي للبلاد، وان السيناريو الجاهز والواضح هو تجربتهم في لبنان والعراق، عندما انسحب الامريكي يجر خلفه ذيول الخيبة، وهذا بالتحديد ما دفع الاكراد الى الطلب من الدولة السورية الدخول الى منطقة منبج وريفها.
دخول الجيش السوري كان مربكاً، جعل امريكا واتباعها في المنطقة يتأرجحون بين الصدمة العسكرية والسياسية، فالدولة السوري في ظل كل تلك المتغيرات السياسية في محيطها، استطاعت اتخاذ هذا القرار، ونُفذ عبر جيش اصبح يملك من الخبرة ما تكفي لتدرس في الاكاديميات العسكرية، في حين كان الاخر يستعرض بقواته العسكرية عبر ارتال دخلت من معبر جرابلس، تساندها مجموعات ارهابية تابعة لتجمع الحمزات وما يسمى بالجيش السوري الوطني، الا ان ذلك كله فقط لغاية سياسية واضحة، وهي تقوية موقفهم التفاوضي حول موضوع شرق الفرات، وهو الذي قطع الطريق اليه الجيش عندما ثبت نقاطه على تماس مع تلك القوات، كون المؤسسة العسكرية السورية هي القوة القانونية الدستورية، التي من حقها الدخول الى اي منطقة ضمن اراضي الدولة السورية.
الانجاز العسكري الجديد للجيش السوري سيكون له نتائج على الارض، ومنها العمل على انهاء وجود اي قوة عسكرية غير شرعية في شمال وشمال شرق سورية بشكل كامل، مع مراعاة كل التوازنات الاقليمية والدولية، في تلك المنطقة، بعد تراجع بعض القوى عن مكابرته، والتي مشت في طريق الزامي الى دمشق، وسيتبعها الكثير من تلك المجموعات، وفق اجندة يحددها السياسي السوري.
*حسين مرتضى