الرئيسية / كلامكم نور / دراسات في نهج البلاغة

دراسات في نهج البلاغة

منهج الإصلاح والعدالة
في
نهج البلاغة

أهداف الدرس

1- أنْ يتعرّف الطالب إلى وجود الانحراف عن العدالة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
2- أنْ يعدِّد عوامل الانحراف في جسم الأمّة الإسلاميّة.
3- أنْ يتعرّف إلى منهج الإمام عليّ عليه السلام في إصلاح الانحراف وتطبيق العدالة.

العدل في الإسلام

من المبادئ الإنسانيّة الّتي قام عليها الإسلام من خلال رسالته وتعاليمه هي تحقيق العدل بين الناس، والقضاء على الظلم والجور، لهذا نجد أنّ جميع نواحي التشريع الإسلاميّ قد ارتبطت بشكلٍ مباشر بالعدالة والمساواة.

وإنّ أرقى مهمّة حمل لواءها ورفع شعارها الأنبياء والمرسلون عليهم السلامهي العمل على تربية المجتمعات البشريّة، وإنقاذ الناس من الجهل والظلم، والعمل على إصلاح النوع الإنسانيّ، وإلغاء الامتيازات، فكان العمل لأجل تحقيق العدالة الاجتماعيّة أعظم هدفٍ من أهداف بعثة الأنبياءعليهم السلام، قال تعالى: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ﴾1.

وهذا ما سعى من أجله النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم الّذي أرسى قواعد العدالة، وشيَّد أركان المساواة بين جميع الخلق، وجعل المبدأ أنّه لا ميزة ولا فضل لأحدٍ على أحدٍ إلّا بالتقوى، وقدّم للبشريّة أرفع التعاليم والآداب على مستوى العدالة الإنسانية.

ومن بعده صلى الله عليه وآله وسلم جاء الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ليُكمل هذه المسيرة المباركة ويُحافظ على مبادئ العدل بين الناس، ويرفض كلّ أشكال

________________________________________
1- سورة الحديد، الآية: 25.

الانحراف والتعدّي على الحقوق، ومهادنة الباطل على حساب الحقّ، ويأبى إلّا أنْ يكون الناس سواسية في دولته العادلة، ما أزعج الكثيرين من النفعيّين والوصوليّين فراحوا يكيدون له المكائد وينصبون له الأفخاخ، والإمام عليّعليه السلامماضٍ في نهجه لا يخشى أحداً منهم.

الانحراف عن سياسية النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم

دلّت الأحداث التاريخيّة بعد عصر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم على مدى الاستغلال الواضح لشريعته السمحاء، فما لبثت الأمّة الإسلاميّة بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أن تحوّلت عن مسارها الصحيح لتُصبح وسيلة لتحقيق المصالح الشخصيّة، والانتقام من صاحب الرسالة الّذي دمّر عروش الظالمين والمستبدّين. وتجلّى ذلك في وصول بني أميّة إلى المواقع الأساسيّة في الحكم فأمعنوا في الانحراف، والتحكّم بمقدّرات الأمّة وإمكاناتها، وكلّ همّهم الملذّات والشهوات. وفي وصفه لهذه المرحلة التاريخيّة، والحالة الّتي وصل إليها الأمويّون في سياستهم يقول الإمام عليّ عليه السلام:

“والله لا يزالون حتّى لا يدعوا لله مُحرّماً إلّا استحلّوه، ولا عقداً إلّا حلّوه، وحتّى لا يبقى بيتُ مَدَر ولا وَبَر إلّا دخله ظلمهم، ونَبا به سوءُ رعيهم، وحتّى يقوم الباكيان يبكيان: باكٍ يبكي لدينه، وباكٍ يبكي لدنياه..”2.

ومن هنا فقد واجه الإمام عليه السلام لدى تسلّمه زمام الحكم مشاكل عديدة مثل الفقر المدقع والغنى الفاحش، وتعامل الولاة مع الإنسان على أساس نسبه وعشيرته دون مراعاة المقاييس الدينيّة والاجتماعيّة، وعدم المساواة في التوزيع الماليّ والاقتصاديّ.
________________________________________
2- نهج البلاغة، الخطبة 96.

هذا ما دفع الإمام عليّاً عليه السلام إلى رفع شعاره الأساس لمرحلة ولايته وحكمه، وهو تحقيق منهج الإصلاح والعدالة، وأعلن ذلك بقوله: “… وأيمُ الله لأُنصِفنَّ المظلوم من ظالمه، ولأقودَنّ الظالم بخزامته، حتّى أورِدَهُ منهل الحقّ وإن كان كارهاً”3.

عوامل الانحراف في الأمّة الإسلاميّة

حدّد الإمام عليّ عليه السلام في نهج البلاغة الأسباب الرئيسة لانحراف الأمّة عن خطّ النبوّة والرسالة، وأرجع جميع الأسباب إلى أصلٍ واحد وهو انحراف الحاكم، يقول عليه السلام: “وقد علمتم أنّه لا ينبغي أنْ يكون الوالي على الفروج والدِّماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين البخيل، فتكون في أموالهم نهمتهُ4، ولا الجاهل فيضلّهُم بجهله، ولا الجافي فيقطعهم بجفائه، ولا الحائف5 للِدُّولِ 6 فيتّخذ قوماً دون قوم، ولا المُرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق، ويقف بها دون المقاطع7 ، ولا المُعطِّل للِسُّنّة فيُهلِكَ الأمَّة”8.

هذه الصفات العامّة السلبيّة الّتي ذكرها الإمام عليه السلام كانت الطابع الّذي تميّز به الولاة والحكّام في تلك الفترة. ويُمكن إيجاز أهمّ الممارسات المنحرفة الّتي قاموا بها بالأمور التالية:

1- العطاء غير العادل

خلافاً لسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسياسته في التسوية بين الناس في العطاء،
________________________________________
3- نهج البلاغة، الكتاب 136.
4- النهمة، بفتح النون وسكون الهاء، إفراط الشهوة والمبالغة في الحرص.
5- الحائف، من الحَيْف، أي الظلم والجور.
6- الدُوَل، جمع دُولة بالضم، وهي المال، لأنّه يُتدَاول أي يُنقل من يدٍ ليد، والمراد من يحيف في تقسيم الأموال فيفضِّل قوماً في العطاء على قومٍ بلا موجب للتفضيل.
7- المقاطع، الحدود التي عيّنها الله لها.
8- نهج البلاغة، الكتاب 131.

وعدم تفضيل أحدٍ منهم على أحد، فقد جرى الخليفة الثاني على خلاف ذلك، وفضّل السابقين على غيرهم، وفضّل المهاجرين على الأنصار، والعرب على العجم…9

ولم يكن ذلك على أساس التقوى والعمل الصالح، ما أعاد الروح القبليّة والجاهليّة من جديد.

2 – توزيع المال على الأقرباء

فقد خصّص عثمان آله وذويه وغيرهم من أعيان قريش بالهبات الضخمة، ما أثار اعتراض الناس، وفي ذلك يقول عليه السلام: “إلى أنْ قام ثالث القوم… وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع”10.

3 – نشوء أصحاب الأموال

وذلك بسبب ترك الأغنياء دفع الزكاة (بغطاء من الخليفة الثالث)، وتدفّق الثروات على المدينة ومكّة واستئثار الخواصّ بها، فانتشر في المدينة أنواع اللهو وأوجد الخليفة الثالث طبقتين من الشعب:

الأولى: طبقة الارستقراطيّين، وهم أصحاب الثروات الضخمة.

الثانية: طبقة الفقراء والمحرومين.

يقول المسعوديّ: “وفي أيّام عثمان.. بلغت ثروة الزبير خمسين ألف دينار وألف فرس، وألف عبد… وكانت غِلّة طلحة من العراق كلّ يوم ألف دينار. وحين مات زيد بن ثابت خلّف من الذهب والفضّة ما كان يُكسّر بالفؤوس…”11.
________________________________________
9- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج8، ص11.
10- نهج البلاغة، الخطبة 3.
11- مروج الذهب، المسعودي، ج 2، ص 341- 343.

4- الولاة المعادون للإسلام

ففي عهد عثمان وصل إلى الحُكم مجموعة من الناس عُرِفت بعدائها للإسلام. ومن الطبيعيّ أنْ ينعكس ذلك على كلّ مظاهر العدالة، فقد ولّى عثمان – كما قال ابن أبي الحديد – أمور المسلمين من لا يصلح لذلك ولا يؤتمن عليه، ومن ظهر منه الفسق والفساد، ومن لا علم له عنده، مراعاةً منه لحرمةِ القرابة…12

شاهد أيضاً

مركز السيدة زينب الطبي يستخدم احدث الاجهزة المختصة في مجال فحص العيون

استخدم مركز السيدة زينب (عليها السلام) الطبي التابع لقسم الشؤون الطبية في العتبة الحسينية المقدسة ...