الرئيسية / الاسلام والحياة / الحسين عليه السلام سماته وسيرته 10

الحسين عليه السلام سماته وسيرته 10

13 – الحب والبغض
أن يحب الإنسان أولاده ونسله ، فهذا أمر طبيعي جدا ، أما أن يربط حبهم
بحبه ، فهذا أمر آخر ، فليس حبهم ملازما لحبه ، وليس لازما أو واجبا – في كلالأحوال – أن يحبهم كل من أحب جدهم .
لكن الرسول فرض الربط بين الحبين ، حب أولاده ، وعترته ، وحبه هو صلى
الله عليه وآله وسلم ، فكان يشير إلى الحسن والحسين ، ويقول :
[ 116 ] من أحبني فليحب هذين .
إن عاطفة الحب بين الرسول والأمة ، ليس هو العشق فحسب ، بل هو أيضا
حب العقيدة والتقديس والإجلال والسيادة ، لما تمتع به الرسول من ذاتيات
جمالية وكمالية ، وأبوة ، وشرف ، وكرامة ، وجلال ، وعطف ، وحنان ، وصفات متميزة .
وإذا كان الحسنان ، قد استوفيا هذه الخصال ، وبلغا إلى هذه المقامات حسباونسبا ، فمن البديهي أن محب الرسول ، سيحبهما ، بنفس المستوى ، لما يجد فيهما مما يجد في جدهما الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .

ولأجل هذا المعنى بالذات ، نجد الرسول يعكس تلك الملازمة ، فيقول : في
نصوص أخرى : من أحبهما فقد أحبني ، فيجعل حبه متفرعا من حبهما ، بعد
أن جعل في النص الأول حبهما متفرعا من حبه .
فإذا كان سبب الحب ومنشؤه واحدا ، فلا فرق بين الجملتين : من أحبني
فليحب هذين ، ومن أحبهما فقد أحبني .
والنصوص التي أكد فيها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على حب آل
محمد ، ومنهم الحسين عليه السلام ، كثيرة جدا ، روى منها ابن عساكر قسما
كبيرا ( 1 ) .
ويتراءى هذا السؤال :
: لماذا كل هذه التصريحات ، مع كل ذلك التأكيد ؟ وإن المؤمنين بالرسالة
والرسول ، لا بد وأنهم يكرمون آل الرسول ، ويودونهم ، ويحبونهم حب
العقيدة والإيمان !
وعلى أقل التقادير ، مشيا على أعراف من قبيل : لأجل عين ألف عين تكرم .
والمرء يحفظ في ولده ، تلك الأعراف التي كانت سائدة بين أجهل البشر في
ذلك العصر ، فكيف بالذين ملأتهم تعاليم الإسلام وعيا ؟
هذا ، مع الغض عما كان لأهل البيت النبوي ، من الكرامة والشرف والمكانة
العلمية والعملية ، مما لا يخفى على أحد من المسلمين .
فإذا نظرنا إلى آثارهم ومآثرهم ، فهل نجد أحدا أحق بالحب والتكريم
منهم ؟ وأولى بالتفضيل والتقديم ؟
فلماذا كل ذلك التأكيد من جدهم الرسول على حبهم ، وربط ذلك بحبه هو ؟
إن هذا السؤال تسهل الإجابة عنه ، إذا لاحظنا أن الرسول صلى الله عليه وآله
وسلم قد أضاف على نصوص الملازمة الثانية : من أحبهما فقد أحبني ، قوله :
[ 118 – 123 ] ومن أبغضهما فقد أبغضني ( 1 )
عجبا ، فكيف يفترض وجود من يبغض الحسن والحسين ؟
ولماذا يريد أحد ممن ينتمي إلى دين الإسلام ، أن يبغض الحسن أو
الحسين ؟ !
وهذه الأسئلة أصعب من السؤال السابق ، قطعا ، إذ يلاحظ فيها : أن الرسول
صلى الله عليه وآله وسلم قد فرض وجود من يبغض الحسنين ، وربط بين
بغضهما ، وبغضه هو !
ثم هناك ملاحظة في مسألة البغض ، وهي أن الملازمة فيه ، من طرف واحد ،
وقد كان في الحب من الطرفين
فلم يرد في البغض : من أبغضني فقد أبغضهما ؟
وقد يكون السبب في الملاحظة الثانية : أن فرض بغض النبي صلى الله عليه
وآله وسلم ، في المجتمع الإسلامي ، أمر لا يمكن تصوره ولا افتراضه ، إذ هو
يساوي الكفر بالرسالة ذاتها ، وبالمرسل والمرسل أيضا .
لكن بغض آل الرسول ، فهو على فظاعته ، قد تحقق على أرض الواقع ،
فقد كان في أمة الرسول بالذات من أبغض الحسنين ، ولعنهما على منابر
الإسلام ، بل وجد في الأمة من شهر السيف في وجهيهما ، وقاتلهما .
وهل قتل الحسين عليه السلام على يد أناس من غير أمة جده الرسول
محمد ؟ ! ولماذا ؟
إن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أعلن بالنص المذكور – الذي هو من
دلائل النبوة – أن بغضه ، وإن لم يفترضه المسلم مباشرة ، ولا يتمكن المنافق
والكافر من إظهاره علانية ، إلا أنه يتحقق من خلال بغض الحسن والحسين ، لأن :
من أبغضهما فقد أبغض النبي ، لما في بغضها من انتهاك المثل التي يحتذيانها ،
ونبذ المكارم التي يحتويانها ، ورفض الشرائع التي يتبعانها ، وهي نفس المثل ،
والمكارم ، والشرائع ، التي عند الرسول نفسه صلى الله عليه وآله وسلم فبغضهما
ليس إلا بغضا له صلى الله عليه وآله وسلم ولرسالته .
ولقد رتب النتائج الوخيمة على بغضهما في قوله صلى الله عليه وآله وسلم :
[ 131 ] من أحبهما أحببته ، ومن أحببته أحبه الله ، ومن
أحبه الله أدخله جنات النعيم .
ومن أبغضهما أو بغي عليهما ، أبغضته ، ومن أبغضته
أبغضه الله ، ومن أبغضه الله أدخله نار جهنم ، وله عذاب
مقيم ( 1 ) .
لكن الذين أسلموا رغما ، ولم يتشربوا بروح الإسلام ، وظلت نعرات
الجاهلية عالقة بأذهانهم ، ومترسبة في قلوبهم ، جعلوا كل الذي ورد عن الرسول
صلى الله عليه وآله وسلم من النصوص في حق أهل بيته الكرام ، واردا بدافع
العاطفة البشرية ، نابعا عن هواه في أبناء ابنته معرضين عن قدسية كلام الرسول
الذي حاطه بها الله ، فجعل كلامه وحيا ، وحديثه سنة وتشريعا ، وطاعته فرضا ،
ومخالفته كفرا ونفاقا ، وجعل ما ينطق بعيدا عن الهوى ، بل هو وحي يوحى ،
فأعرضوا عن هذه النصوص الآمرة بحب الحسنين ، والناهية والمتوعدة على
بغضهما ، بأشد ما يكون ، ونبذوها وراءهم ظهريا ، فعدوا على آل الرسول ظلما ،
وعسفا ، وتشريدا ، وسبا ، ولعنا ، وقتلا .
وخلف من بعد ذلك السلف ، خلف أضاعوا الحق ، وأعرضوا عن أوامر
النبي ونواهيه ، واتبعوا آثار سلف وجدوه على أمة ، وهم على آثارهم يهرعون .
فبعد أن ضيع السلف على آل محمد فرصة الخلافة عن النبي ، وتولي
حكم الأمة ، وقهروهم على الانعزال عن مواقع الإدارة ، وغصبوا منهم أريكة
الإمامة ، وفرغوا أيديهم عن كل إمكانات العمل لصالح الأمة ، وأودعوا المناصب
المهمة والحساسة في الدولة الإسلامية بأيدي العابثين من بني أمية والعباس .
وبعد أن أضاع الخلف على آل محمد فرص إرشاد الأمة وهدايتها
تشريعيا ، فلم يفسحوا لفقههم أن ينشر بين الأمة ، ومنعوهم من بيان الأحكام
الإلهية ،
وحرفوا وجهة الناس عنهم ، إلى غرباء دخلاء على هذا الدين وأصوله ،
– وسننه ومصادر معرفته وفكره .
فأصبحت الأمة لا تعرف أن لآل محمد صلوات الله وسلامه عليهم فقها يتصل
– بأوضح السبل وأصح الطرق – برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة ،
ويستقي أحكامه من الكتاب والسنة ، من دون الاتكال على الرأي والظن ، بل
بالاعتماد على أصول علمية يقينية .
وأمست الأمة لا تعرف أن علوم آل محمد ، محفوظة في كنوز من التراث
الضخم الفخم ، يتداوله أتباعهم حتى اليوم .
ولكن لما كتبت السنة الشريفة وجمعت ودونت ، وبرزت للناس المجموعة
الكبيرة من أحاديث الرسول الداعية إلى حب آل محمد ، وقف الخلف على
حقيقة مرة ، وهي : كيف كان موقف السلف من آل محمد ؟ وأين موقع آل
محمد في الإسلام حكما وإدارة ، وفقها وتشريعا ؟
فأين الحب الذي أمر به الرسول ، لأهل بيته ؟
وكيف لا نجد في التاريخ من آل محمد إلا من هو مقتول بالسيف ، أو بالسم ،
أو معذب في قعر السجون وظلم المطامير ، أو مشرد مطارد ، أو مهان مبعد ؟
فكيف يكون البغض ، الذي نهى عنه الرسول لأهل بيته ، إن لم يكن هكذا ؟
فلما وقف الجيل المتأخر على هذه الحقيقة المرة ، وخوفا من انكشاف
الحقائق ، ولفظاعة أمر البغض المعلن ، ولكي لا تحرقهم ناره المتوعد بها ، لجأوا
إلى تحريف وتزوير ، انطلى على أجيال متعاقبة من أمة الإسلام .
وهو ادعاء حب آل الرسول ، مجرد اسم الحب ، الفارغ من كل ما يؤدي إلى
إعطاء حق لهم في الحكم والإدارة ، أو الفقه والتشريع .
وقد صنفوا على ذلك الأحاديث وجمعوا المؤلفات ، محاولين إظهار أنهم
المحبون لآل محمد ، متناسين ، ومتغافلين : أن الحب – الذي يؤكد عليه
الرسول لنفسه ولأهل بيته ، صلى الله عليه وآله وسلم – ليس هو لفظ الحب ، ولا
الحب العشقي الفارغ من كل معاني الولاء العملي ، والاقتداء والاتباع
والتأسي ، ورفض المخالفة ، ونبذ المخالفين .
فلو أظهر أحد الحب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يعمل بشريعته
وخالف الأحكام التي جاء بها ، ولم يتعبد بولايته وقيادته وسيادته ، ولم يلتزم
بنبوته ورسالته لم يكن محبا له صلى الله عليه وآله وسلم .
فكيف يكون محبا لآل محمد عليهم السلام من لم يتابعهم في فقههم ، ولم
يأخذ الشريعة منهم ، ولم يقر بإمامتهم ، ولم يعترف بولايتهم ، ولم يسند إليهم
شيئا من أمور دينه ولا دنياه ؟ ؟
أنها إحدى الكبر .
فضلا عمن واجه آل محمد بالقتل واللعن والتشريد ، فهل يحق لمثلهم
أن يدعوا حب الرسول ؟ واتباعه ؟ وهو الذي يقول : ومن أبغضهم أبغضني ؟
فكيف بمن قتلهم ولعنهم على المنابر ؟ وسبي نساءهم وأولادهم في البلاد ؟
وإن من التغابي أن يرتدي في عصرنا الحاضر بعض السلفيين ، تلك العباءة
المتهرئة ، عباءة التحريف للحقائق ، فينادي : علموا أولادكم حب الرسول وآل
الرسول ، ويطبع كتابا بهذا الاسم !
متجاهلا معنى حب الحسين – مثلا – وقد مضى على استشهاده أكثر من ألفوثلاثمائة وخمسين عاما وكيف يكون الحب للأموات ؟ !
أليس بتعظيم ذكرهم ، ونشر مآثرهم ، الاستنان بسنتهم ، واتباع طريقتهم ،
والتمجيد بمواقفهم ، ونبذ معارضتهم ، ورفض معانديهم ، ولعن قاتليهم
وظالميهم ؟
فكيف يدعي حب الحسين ، من يمنع أن يجري في مجلس ذكر الحسين ،
والتألم لمصابه ، وذكر فضائله ، والإعلان عن تأييد مواقفه ، وإحياء ذكراه سنويا بإقامة المحافل والمجالس ؟
أو من يحرم ذكر قاتله بسوء ، وذكر ظالميه بحقائقهم ؟
أو من يحاول أن يبرر قتله ، ويوجه ما جرى عليه ، بل يعظم قاتله ويمجده ،
ويصفه بإمرة المؤمنين ؟
ويقسو على محبيه ، وذاكريه ، والباكين عليه ؟ ومع ذلك يدعي حبه ، ويدعو إليه إن التلاعب بكلمة : الحب ، إلى هذا المدى ليس إلا تشويها لقاموس اللغة
العربية ، ومؤدى ألفاظها ، وتجاوز على أعراف الأمة العربية ، وهذا تحميق
للقراء ، واستهزاء بالثقافة والفكر والحديث النبوي .
إنها سخرية لا تغتفر !

شاهد أيضاً

السياسة المحورية ونهضة المشروع القرآني لتقويض المصالح الغربية العدائية

فتحي الذاري مأخذ دهاليز سياسة الولايات المتحدة الأمريكية والمصالح الاستراتيجية في الشرق الأوسط تتضمن الأهداف ...