الدكتور محمد على آذرشب معدّ كتاب “إنّ مع الصبر نصرا“
أجرى موقع Khamenei.ir مقابلة مع معدّ كتاب “إن مع الصبر نصراً” الدكتور محمد علي آذرشب أضاء فيها على فحوى الكتاب -الذي يروي بعضااً من المذكرات الجهادية للإمام الخامنئي، باللغة العربية- والجوانب المتعلقة بعملية إعداده، متطرقاً للحديث عن علاقة القائد بالعربية واهتمامه بها لغةً وأدباً ربطاً بالمكانة التي تحظى بها في سياق مشروع بناء الحضارة الإسلامية الحديثة.
* كيف جاءت فكرة جمع ذكريات قائد الثّورة الإسلاميّة باللّغة العربيّة؟ أين ومتى تم جمع هذه الذكريات؟
السّيد القائد كانت عنده جلسات أسبوعية يتناول فيها مسائل العالم العربي وقضايا الأدب العربي واللّغة العربية بشكل واسع ودقيق قديمها وحديثها.
بداية لابد أن أذكر مقدّمة.
كل الفقهاء الكبار لديهم تذوّق للغة العربية والأدب العربي لأنّ الفقيه أساس استنباطه هو القرآن والسّنة، وإن لم يكن له ذوق أدبي لا يستطيع أن يتعمّق في القرآن والسّنة، ولا يستطيع أن يتفهّم أعماقها ويندمج شعوريّاً في هذه اللّغة. هذه مسألة هامّة.
كل الفقهاء الكبار سواءً من أهل السّنة أو الشّيعة هم إما أدباء أو شعراء، أو لهم ذائقة أدبية رفيعة في الأدب والشعر العربيين.
إضافة إلى ذلك، الأدباء الإيرانيّون المنشدون بالفارسيّة أيضا لهم تذوق أدبي للغة العربية والأدب العربي، فلا يوجد أديب كبير في إيران -سواءً من القدامى مثل حافظ وسعدي والعطار والسنائي ومولانا أو من المعاصرين- إلّا وله إلمام باللّغة العربيّة و الأدب العربي فهم يعرفون الأدباء العرب ويعرفون الشعراء العرب قديمهم وحديثهم.
السّيد الإمام الخامنئي يجمع بين الفقاهة وبين الأدب فهو أولاً فقيه، وثانياً أديب من الدرجة الأولى ولذلك ففقاهته وأدبه يتغلّبان أو يدفعان الإنسان دفعاً إلى أن يكون متعمّقاً في اللّغة العربيّة والأدب العربي.
إضافة إلى ذلك، الإمام الخامنئي يمتاز بشيءٍ آخر وهو الذّوق الأدبي.
الذّوق الأدبي هو أمر مغاير لمسألة التعرّف على الأدب العربي وعلى اللغّة العربيّة.
الأدباء الإيرانيّون والشعراء الإيرانيّون يعرفون السّيد الخامنئي باعتباره ناقداً عظيماً للأدب الفارسي، يعني حينما يجلس في جلساتهم يتناول الأدب الفارسي تناولاً ذوقيّاً نقديّاً ويدخل في أعماق التّجربة الشعوريّة للشاعر والأديب وهذه مسألة مهمّة على الصعيد النقدي.
وكذلك هذا الناقد الكبير حينما يدخل إلى أدب آخر يتذوّقه بهذا الشكل؛ حينما يتناول السّيد الإمام الخامنئي الأدب العربي يدخل أيضاً في التجربة الشعورية للشعر ويتذّوق هذا الشعر، يعني حينما ينشد الشعر العربي أحياناً لا يستطيع أن يجلس ويقوم ويتحرك مما يدلّ على تفاعله الشديد مع الأدب.
من هنا فإن فقاهته وأدبه وذوقه النقدي كانت تدفعه إلى عقد هذه الجلسات الأدبيّة الأسبوعيّة ليتناول فيها مجمل قضايا الأدب العربي و اللّغة العربيّة وأيضاً قضايا العالم العربي ويتحدّث فيها باللّغة العربيّة.
*هل كان السّيد القائد يعقد الجلسات مع الأدباء و الشّعراء العرب؟
في جلسات خاصّة مع أشخاص خاصّين كان يتحدّث باللّغة العربيّة لأنه يرى أن اللّغة العربيّة يجب أن تكون حيّة على الألسن، لا أن تُقرأ فقط في الكتب، لذلك فالإمام الخامنئي دائماً يدعو دارسي اللّغة العربيّة إلى أن يدرسوها كلغة حيّة يستطيعون أن يتكلّموا بها ويكتبوا بها وينشدوا الأشعار بها ولذلك كانت هذه الجلسات موجودة.
أحياناً كان السّيد الخامنئي في حديثه يتطرّق إلى بعض ذكرياته قبل الثّورة الإسلاميّة وهي تتعلّق بالسّجون والمعتقلات والنفي والتشريد والتأليف والثّقافة وعمله الثّقافي وعمله العلمي، وكان يتحدّث في هذه الموضوعات استطراداً.
قيل له في إحدى تلك الجلسات أنت تتحدّث الآن باللّغة العربيّة وتتطرّق أحياناً إلى بعض ذكرياتك حول السجون والمعتقلات و المسائل الثّقافية والعمليّة باللّغة العربيّة، حبّذا لو تفضّلت بالحديث عن حياتك الأدبية والثّقافية والعلميّة والجهاديّة منذ البداية بالعربية، وبدون أي تأخير استجاب وبدأ يتحدث باللّغة العربيّة عن هذه الذكريات التي سُجِّل بعضها وکُتِب بعضها الآخر، ثم بعد ذلك خرجت بهذا الشكل الذي ترونه في الكتاب.
* حتى أيّ فترة من حياة الإمام الخامنئي تمتد هذه الذكريات؟
طبعاً الذكريات تنتهي عند انتصار الثّورة الإسلامية.
أراد السّيد القائد أن يستمرّ ولكنه وجد أن هناك أولاً أشغال متراكمة، وثانياً هناك تعقيدات تحيط بالموضوع يتوجب التفكير بها، لأن الأمور لم تكن كما كانت عليه قبل الثّورة حين كانت المواجهة بين جبهتين وهما جبهة الطّاغوت والجبهة الإسلاميّة.
بعد انتصار الثّورة الإسلاميّة تعدّدت هذه الجبهات مع الأسف والحديث عنها يكون معقّداً، لذا توقّف عند انتصار الثّورة الإسلاميّة.
*في بعض الأحيان نرى أن الإمام الخامنئي يقوم بتوجيه خطاب باللّغة العربيّة إلى الجمهور العربي، كما أن سماحته ألقى أبياتاً من الشعر باللّغة العربيّة في بعض لقاءاته مع الشّعراء و الأدباء و تحدّث حول محبّته للّغة العربيّة.
ماهو سبب اهتمام قائد الثّورة الإسلاميّة باللّغة العربيّة والأدب العربي؟
طبعا أنا ذكرت لك أن فقاهته وأدبه وذوقه الأدبي جميعها دفعته إلى ذلك، ولكن هناك شيءٌ آخر وهو أن انتماءه الحضاري هو الذي رَغَّبه في اللّغة العربيّة، وهنا أودّ أن أقف عند هذه المسألة وأقول إن اللّغة العربيّة ليست لغة العرب فقط، وإنما لغة الدّائرة الحضارية التي يقول عنها “مالك بن نبي”:
أينما وجدت المسلمين في مكان معين وجدت أنهم يتحدّثون بدرجة أو بأخرى باللّغة العربيّة، ويقرأون بدرجة أو بأخرى باللّغة العربيّة -على الأقل- القرآن والصلاة والأدعيّة والأذكار.
لذلك لا نقول أنها لغة العرب، إنما اللّغة العربيّة هي لغة الحضارة الإسلاميّة.
بالمناسبة، اللّغة الفارسيّة أيضاً هي لغة الحضارة الإسلاميّة لأنها تأثرت وامتزجت باللّغة العربيّة، ولذلك تجد مثلاً أن “إقبال اللاهوري” -الّذي لم يأت يوماً إلى إيران- ينشد كل دواوينه باللّغة الفارسيّة، وهكذا تجد أن اللّغة الفارسيّة منتشرة في آسيا الوسطى وفي جنوب شرقي آسيا وفي الهند وفي باكستان، مما يدلّ على أن اللّغة الفارسيّة باعتبارها ارتبطت بلغة القرآن وباللّغة العربيّة، أصبحت أيضاً لغة الحضارة الإسلاميّة.
فاهتمام السّيد الخامنئي بالدرجة الأولى باللّغة العربيّة كأديب وفقيه وناقد يرجع أيضاً إلى اهتمامه بالحضارة الإسلاميّة.
كما تعلمون، الإمام الخامنئي يركّز على مقولة معيّنة و يؤكّد عليها وهي ضرورة استئناف مسيرة الحضارة الإسلاميّة على مستوى العصر أو ما يسمّيه “الحضارة الإسلاميّة الحديثة”.
التوجّه الحضاري للإمام الخامنئي كان أيضاً من العوامل التي جعلته يرتبط باللّغة العربيّة أكثر فأكثر لأن اللّغة العربيّة هي من العوامل التي من شأنها أن تجمع الأمة الإسلاميّة من المحيط إلى المحيط في دائرة واحدة، ولذلك اهتم بها، وترون أنه يغتنم كلّ فرصة للتحدث إلى الآخرين باللّغة العربيّة، حينما يجلس مع الأدباء والشعراء العرب في جلسات تطول أحياناً لأربع أو ست ساعات، أو عندما يزور العرب الإيرانيين في خوزستان.
هنا في المحافل والمؤتمرات الدولية حينما يرى مجموعة كبيرة من العرب يحاول أن ينشد بعض الأبيات باللّغة العربيّة، وتذكرون عندما تحدّث مع المجتمعين في مؤتمر الصحوة الإسلاميّة واستعان بأبياتٍ من شعر “أبي فراس الحمداني”.
قال السّيد القائد إنّني رأيت المصريين في أيّام المحنة ساكتين، فلسطين تعاني، البلدان العربيّة تعاني، مصر تعاني وهم ساكتون فتعجّبت من هذا الأمر، فقلت لهم بلسان الحال:
“أراكَ عصِيَّ الدَّمعِ شيمتُكَ الصّبرُ/ أما لِلهوى نهيٌ عليكَ ولا أمرُ؟”
ثم أجابوني هم أيضاً بلسان الحال حينما تدفقوا للساحات والشوارع وقالوا:
“بَلى أنَا مُشتاقٌ وعِندِيَ لَوعةٌ/ وَلَكنَّ مِثلي لا يُذَاعُ لهُ سِرُّ”.
وهكذا عندما يلتقي بالشعراء العرب أو الأدباء العرب ينشد من حين لآخر أشعاراً باللّغة العربيّة مما يدلّ على أنه يرى هذه اللغة، لغة الحضارة الإسلاميّة ومن العوامل التي تؤدّي إلى وحدة الأمّة حضاريّاً.
*نظراً لتأليف هذا الكتاب للمرة الأولى باللّغة العربيّة كيف تتوقّعون أن تكون ردّة فعل النّخب والعلماء وجمهور العالمين العربي و الإسلامي حيال هذا الكتاب؟
في اعتقادي أنه سوف يّقدّم للعالم العربي درساً جديداً في انتماء الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة للحضارة الإسلاميّة.
مع الأسف الشديد مرّت علينا سنوات عجاف أُريدَ فيها أن يكون هناك حديث عن عرب وعجم، عن شّيعة وسّنة، وعن تُرك وإلى آخرِه، مما يعني أنهم أرادوا أن يثيروا الحزازيات القومية والحزازيات الطائفية من أجل أن يفرّقوا بين المسلمين، وهذا الكتاب سوف يقدِّم للعرب نموذجاً عن الانتماء الحضاري لإيران و للجمهوريّة الإسلاميّة إلى الأمة الإسلاميّة بشكل عام، وأعتقد أنه سوف يُزيل الكثير من الجدران والكثير من الهواجس والحساسيّات التي أُريدَ لها أن تُقام بين الإيرانيين والعرب وسوف يكون جسراً جيّداً للتواصل بين الإيرانيين والعرب.
إضافة إلى ذلك سوف يطّلع العرب على السّبب الذي أَهّل الإمام الخامنئي (دام ظله) ليكون قائداً، وهذا يعني أن القائد في الجمهوريّة الإسلاميّة لم يأت دفعة واحدة إلى الساحة، وإنّما مرّ بتجارب عظيمة كثيرة جعلته مؤهّلاً للقيادة، وهذا الكتاب يقدِّم كيف أن السّيد الخامنئي مرّ بسنوات كفاح فكري وعلمي وجهادي من أجل أن تتبلور شخصيته ويتأهّل بحمد الله وقوّته لقيادة الأمّة.
*بالنظر إلى أن قائد الثّورة الإسلاميّة أهدى هذا الكتاب -في مقدّمته- للشباب العربي.
برأيكم، ما سّبب اهتمام الإمام الخامنئي بالشباب العرب للمرّة الثانية خلال عام واحد؟
الشباب أكثر الناس حساسيّة تجاه أوضاع الأمّة، يعني إذا رأيت الشيوخ ربما سكتوا وتراجعوا وخرجوا من الساحة، تجد الشباب يدخلون الساحة لأنهم لم يرتبطوا مادياً بالمصالح الضيّقة الآنيّة، وإنما يعيشون أهدافهم الكبرى.
الشاب بطبيعته يعيش المثل العليا، لا يتقوقع في ذاتيته، ولا يتقوقع في أنانيته، وهذه المثل العليا تدفعه نحو التطلّع إلى مستقبل الأمّة.
بل الشباب هم أكثر الناس تطلّعاً إلى مستقبل الأمّة، لأنّهم لم ينشدّوا إلى الماضي بقدر انشدادهم القلبي إلى المستقبل.
ضضمن هنا فإن مخاطبة الشباب يعني مخاطبة الجيل الذي سوف يصنع المستقبل، ويؤكّد القائد في حديثه إلى الشباب على أن يكونوا أولاً مفعمين بالأمل وهذه مسألة مهمة جداً.
هناك عوامل عديدة في عالمنا الإسلامي تحاول بثّ اليأس والاستكانة في نفوس الشباب، لكن الإمام الخامنئي يحاول أن يبعث الأمل في النفوس وأن يبث فيها روح التوكُّل على اللّه والاستناد إلى القوّة الأزليّة لربّ العالمين من أجل أن يندفع الشباب نحو بناء مستقبلهم وبناء بلدانهم وإزالة الفجوة التي يُريد المستعمرون إيجادها بين أجزاء الأمّة الإسلاميّة.
*هل تستحضرون ذكرى مع سماحة السّيد الإمام الخامنئي لتذكروها لنا؟
كنت في معرض الكتب. تعلمون أنه في طهران یُقام معرض اسمه معرض الكتاب السنوي، والسّيد الخامنئي يهتمّ جدّاً بأن يحضر في هذا المعرض، ويقضي عادة نصف يوم تقريباً أو عدّة ساعات في التجوّل في هذا المعرض.
مرّة كان يتجوّل وكنت خلفه، وهو لا يعلم بوجودي خلفه.
وصل إلى غرفة من غرف المعرض اسمها غرفة “انتشارات قومس” وقومس اسم مدينة من مدن إيران التي مرّ بها “أبو تمام” وهو في طريقه إلى خراسان. قال “أبو تمام” في ذلك الوقت:
“يَقْولُ في قومس قومي وَقَدْ أخَذَتْ***منّا السُرى وُخطَى المُهْريّةِ القُوْدِ.
أمْطَلَعَ الشَمْسِ تَبْغِيْ أنْ تُؤَمَّ بِنا***فَقُلْتُ: كَلاّ، وَلَكِنْ مَطْلَعَ الجُوْدِ”
السّيد الخامنئي ردّد هذه الأبيات مع نفسه وأنا كنت خلفه وقلت: أحسنت أبا تمام.
التفت فرآني.
طبعاً هذه الأبيات هي أبيات صعبة وأبو تمام شعره صعب، حتّى قيل له: لِمَ تقول ما لا يُفهَم؟ ومع ذلك جرت هذه الأبيات الصعبة على لسان السّيد الخامنئي بهذه السهولة.
أحياناً السّيد الخامنئي يرى بعض المتهافتين على المال والمتاع، فيردّد في نفسه: “وقد دقّت ورقّت واسترقّت فضول العیش أعناق الرجال”.
وهو يشرح هذا ويقول طلب العيش شيء مشروع، لكن الناس يهيونون أنفسهم ويُسقطون أنفسهم من أجل طلب فضول العيش.
هذه من الأبيات التي يكرّرها سماحة السّيد الإمام الخامنئي.
وطبعاً لا بأس أن أذكر لكم أنه في سجن “قزل قلعه” عاش السّيد الخامنئي مع بعض السجناء العرب وكانت أجمل الساعات تلك التي قضاها في السجون مع هؤلاء الإخوة العرب وكان يعلِّمهم ويُدَرِّسهم اللّغة الفارسيّة ويعلمهم المسائل الشرعيّة ويهتم برفع مستواهم الفكري والعلمي، وهؤلاء الإخوة ما زالوا يتردّدون على السّيد وهم على علاقة به، وأيضاً وقت حصاد التمر يأتون بشيءٍ من التمر إليه.
هذه العلاقة بقيت مستمرة لأنها علاقة قلبيّة وحميميّة بين السّيد وهؤلاء الإخوة من العرب.
*في النهايّة نرغب أن نسمع منكم أي تعليق أو تفصيل متعلق بالكتاب ومراحل تجميعه وتأليفه…
كما تعلمون، الإمام تحدث بشكل شفهي والحديث الشفهي فيه شيءٌ من التكرار أو فيه شيءٌ –ربما- من الضعف في تركيب الجمل، ولذلك فإنه أولاً مرّ بعدة مراحل من إزالة المكرّرات، إلى ترتيبه ترتيباً منطقيّاً، وصولاً لترميم بعض الجمل ليكون مؤهَّلاً للطباعة، وجزا اللّه خيراً أولئك الذين عملوا كل هذا العمل وجهّزوه ليُطبع و یُقدَّم إلى العالم العربي