الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / أسرار الصلاة – الجليل الشيخ الجوادي الآملي 07

أسرار الصلاة – الجليل الشيخ الجوادي الآملي 07

وقد تقدّم أنّ لكلّ موجود في عالم الطبيعة له وجود تامّ وكامل لدى الله سبحانه ، ويشهد له ما ورد في خصوص الصلاة ، وما لها من المقدّمات والأركان

والشرائط ، كما رواه عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، عن أبي عبد الله – عليه السّلام – قال : قال : ما تروي هذه الناصبة ؟ فقلت : جعلت فداك في ما ذا ؟ فقال : في أذانهم وركوعهم وسجودهم ، فقلت : إنّهم يقولون : إنّ أبيّ بن كعب رآه في النوم ! فقال عليه السّلام : كذبوا ، فإنّ دين الله – عزّ وجلّ – أعزّ من أن يرى في النوم ، قال : فقال له سدير الصيرفيّ : جعلت فداك ، فأحدث لنا من ذلك ذكرا ، فقال أبو عبد الله عليه السّلام : إنّ الله – عزّ وجلّ – لمّا عرج بنبيّه – صلَّى الله علة وآله – إلى سماواته السبع . إلى أن قال : ثمّ قيل لي : ارفع رأسك يا محمّد ، فرفعت رأسي فإذا أطباق السماء قد خرقت ، والحجب قد رفعت ، ثمّ قيل لي :

طاطئ رأسك انظر ما ترى ؟ فطأطأت رأسي فنظرت إلى بيت مثل بيتكم هذا ، وحرم مثل حرم هذا البيت ، لو ألقيت شيئا من يدي لم يقع إلَّا عليه ، فقيل لي : يا محمّد ، إنّ هذا الحرم وأنت الحرام ، ولكلّ مثل مثال . ثمّ أوحى الله يا محمّد ، ادن من صاد ، فاغسل مساجدك وطهّرها وصلّ لربّك ، فدنا رسول الله – صلَّى الله عليه وآله – من صاد – وهو ماء يسيل من ساق العرش الأيمن – فتلقّى رسول الله – صلَّى الله عليه وآله – الماء بيده اليمنى ، فمن أجل ذلك الوضوء باليمنى ، ثمّ أوحى الله – عزّ وجلّ – إليه ، أن اغسل وجهك فإنّك تنظر عظمتي ، ثمّ اغسل ذراعيك اليمنى واليسرى فإنّك تلقى بيدك كلامي ، ثمّ امسح رأسك بفضل ما بقي في يدك من الماء ، ورجليك إلى كعبيك فإنّي أبارك عليك وأوطئك موطئا لم يطأه أحد غيرك ، فهذا علَّة الأذان والوضوء « 1 » .

إنّ فقه هذا الحديث الشريف يتكفّل لعدّة من المعارف السرّيّة ، ولعلَّه يتّضح في ثنايا هذه الرسالة ، والذي يشار اليه هنا هو : أنّ للوضوء وكذا للماء وجودا كاملا في العرش ، والماء هو الجاري من نهر صاد ، الذي قد عرفت إحدى سور القرآن به ، وأنّ للوضوء المعهود حكمة أشير إلى نبذ منها ، وهو : أنّ الوجه الناضر والناظر إلى عظمة
الربّ لا بدّ وأنّ يكون مغسولا بماء يجري من ساق العرش ، أو نازلا منه ، وأنّ اليدين اللتين تلقيان كتاب الله وكلامه لا بدّ وأن تكونا مغسولتين بذلك الماء الجاري أو النازل منه ، وأنّ الرأس المبارك ببركة الله ، وكذا الرجلين اللتين تطئان موطئا مباركا لا بدّ وأن يكون كلّ ذلك ممسوحا ببلل الوضوء الحاصل من ذلك الماء .

ولا مرية في الفرق بين السرّ والحكمة والأدب ، إذ السرّ هو الوجود الغيبيّ للوضوء كما في العرش ، والحكمة هي الفائدة المترتّبة عليه كما أشير إلى شطر منها في حديث المعراج ، والأدب هو وظيفة المتوضئ للصلاة من رعاية الإخلاص ونحوه ؛ لأنّ المشوب غير طاهر ، واللازم هو الطهارة الخالصة حتّى عن شهود الإخلاص ؛ لأنّ من أخلص للَّه وشاهد إخلاصه فليس بمخلص ، كما أنّ من أخلص لتنفجر ينابيع الحكمة من قلبه فهو بعد ليس بمخلص ، حيث إنّه نوى غير الله ، وقصد أمرا سواه وهو انفجار ينبوع الحكمة ؛ لأنّ المتطهّر المخلص لا يرى غير الله ، فضلا عن أنّه لا يقصد غيره ، وإلَّا لما كان متوجّها إلى عظمة الله فقط ، حسبما تقدّم في حديث المعراج .

ولمّا اتّضح سرّ الطهارة المائيّة وهكذا حكمتها يتبيّن لك الأمر في الطهارة الترابيّة ، وأنّ أقصاها التذلَّل لدى العزّة المحضة ، والتخضّع في ساحة الكبرياء الصرف ، والتخشّع عند القدرة المطلقة ، نحو ما ورد في حكمة تروك الإحرام من رجحان كون الحاجّ والمعتمر أشعث وأغبر ، ولذا قال الله تعالى في حكمة الطهارة الترابيّة كالمائيّة * ( « ما يُرِيدُ ا للهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَه ُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ » ) * « 1 » ، إذ الطهارة الظاهريّة الحاصلة بالماء المذهب رجز الشيطان حسبما في قوله تعالى : « . * ( وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِه ِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ ) * . » « 2 » وإن لم تحصل بالتراب ولكنّ التذلَّل العبوديّ يحصل به كما يحصل بالماء ، فالتراب والماء من هذا الحيث سواء .

ولمّا لم يلزم أن يكون البدل كالمبدل كمّا وكيفا لم يلزم في التيمّم مسح الرأس ، كما لم يلزم مسح الرجل أصلا ، لا لأنّ وضع التراب على الرأس من علامة الفراق ، والمقصود بالصلاة : الوصلة والوفاق كما أفاده بعض الأعاظم « 1 » رحمهم الله ؛ لانتقاضه بالرجل ، حيث إنّ وضع التراب عليه ليس علامة للفراق ، ولم يكلَّف في التيمّم ، مع أنّ أصل المقال غير خال عن الخيال ؛ لعدم الدليل العقليّ أو النقليّ المعتبر على كون وضع التراب على الرأس أمارة للفراق .
ولمّا اعتبر في الصلاة الجمع بين طهارة الظاهر ونزاهة الضمير حكم بأنّه لا تجوز الصلاة حتّى يطهر خمس بالماء ، والقلب بالتوبة « 2 » ، والمراد من التوبة : هو الرجوع إلى الطاعة من المعصية ، والى التولَّي من التبرّئ ، والى الحقّ في ما سواه ، والى الوحدة من الكثرة و .

وممّا تقدّم يمكن لك كشف سرّ لزوم الطهارة عن الخبث ، وإزالة النجاسة عن البدن والثوب والمسجد ونحو ذلك ، وهكذا سرّ لزوم حلَّيّة اللباس والمكان عن تعلَّق حقّ الغير ، إذ المخاطب بتأدية حقّ الغير مشغول الهمّ ، وليس بفارغ البال حتّى يتكلَّم ويناجي ربّه ، فضلا عن أن يناجيه ربّه .

كما أنّ بالتأمّل فيما مضى يمكن استكشاف سرّ الوقت واستقبال القبلة ، وأنّ المعبود لا صباح عنده ولا مساء له ، ولذا صلَّى رسول الله – صلَّى الله عليه وآله – صلاة الظهر في المعراج ، مع أنّه كان في الليل ؛ لأنّه عقيب الإسراء الذي كان في بضعة من الليل ، كما قال تعالى * ( « سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِه ِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَه ُ » ) * « 3 » . كما أنّ المعبود سبحانه أيضا لا اختصاص له بجهة دون جهة ، كما قال تعالى * ( « فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْه ُ ا للهِ » ) * « 4 » .

وحيث إنّ المجال ضيّق ، والبال ليس بفارغ ، والصداع ليس بفارق ، فليعذرني إخواني السالكون عن البسط إلى القبض ، وعن الشرح إلى المتن ، وعن التفصيل إلى الإجمال ، لعلّ الله يحدث بعد ذلك أمرا .

شاهد أيضاً

على خطى الحسين (عليه السلام) د. أحمد راسم النفيس

على المنبر، وكتب بالخبر إلى الأجناد، وثاب إليه الناس، وبكوا سنة وهو على المنبر والأصابع ...