قال العلماء : يعرف الله بطرق ثلاث :
1 – دليل الفطرة الذي يعبر عنه بأن البعرة تدل على البعير ، والصنعة
تدل على الصانع . وهذا الدليل يشترك فيه العالم والجاهل ، والكبير والصغير
والعادل والفاسق . فكل إنسان إذا نظر إلى نفسه ، وأنه وجد بعد العدم ،
وأنه خلق من نطفة ، وأنه لم يخلقه أبواه ، ولا هو خلق نفسه يجزم لا
محالة بوجود الخالق المدبر .
2 – الدليل النظري : وهو أن تعرف الله بصفاته الكمالية بالدليل
وبرهان العقل ، كما دونه المتكلمون والفلاسفة الإلهيون .
3 – دليل الاشراق ، وهو أن الإنسان متى خلصت نفسه من الشوائب ،
وانصرفت عن كل ما يشين انعكست في قلبه معرفة الله سبحانه ، بدون استعمال
النظر تماما ، كما ينعكس المثال في المرآة الصافية .
والدليل الأول والثاني ينتقل بنا من العلم بالمسبب إلى العلم بالسبب ، ومن
العلم بالأثر إلى العلم بالمؤثر .
والدليل الثالث بالعكس ، ينتقل بنا من العلم بالسبب والمؤثر إلى العلم
بالمسبب والأثر . وهذا أعلى مراتب المعرفة .
قيل للإمام علي عليه السلام هل عرفت الله بمحمد ، أو عرفت محمدا بالله ؟ قال
ما عرفت الله بمحمد ، ولكن عرفت محمدا بالله .
قصة تقرأ
( ذكروا أنه كان في مدينة ( دلهي ) من أرض الهند ، أحد الدعاة
المسلمين ، وكانت حرفته الصياغة ، وهو كثير الحب لله ورسله وللناس جميعا ،
يتخذ من صياغته وسيلة لجمع المال لينفقه في سبيل الدعوة إلى الله ، الصانع الأعظم لهذا
الوجود بكل ما فيه من مادة وقوة روحية ، وقد بلغه أن حكومة الهند ، أعلنت أنها
ستقيم معرضا صناعيا وطنيا كبيرا في مدينة ( دلهي ) تدعو إليه سكان الهند وسواهم .
وقد سره هذا الإعلان ، وصمم في نفسه ، أن يتخذ من فنه البارع
وسيلة للدعوة إلى الله ، وكشف حقيقة الإيمان به ، وصلته بمخلوقاته .
من أجل هذه الغاية الشريفة ، أخذ يسهر الليالي الطوال وهو يصوغ
عوالم الوجود ، المادية والروحية ، في صورة شجرة فنية رائعة ، وقد عرض
فيها الأرض والشموس والأقمار والسماوات وعوالم الأرواح عرضا فنيا رائعا جدا
فجعلها أغصانا متشابكة ، تحمل كرات شتى ، وأرسل بينها مختلف الإشعاعات
الكهربائية المغناطيسية وسواها ، لتمثل القوى المعنوية في الوجود ، كما أرسل
إشعاعات بيضاء صافية مجنحة ، تمثل الأملاك والجنة ، وأشار إلى الشياطين
بأشباح سوداء مخيفة ، وقد اتخذ لشجرته هذه مكانا بارزا في صدر المعرض
لتلفت الأنظار .
احتشد الناس صبيحة يوم افتتاح المعرض ، واجتمعوا متزاحمين حول هذه
الشجرة الفنية العجيبة ، وهم ما بين ( بوذيين ) يعبدون روح بوذا الأزلية
القديمة ، التي تأنست فيه وتجسدت حسب تعاليمهم ، وما بين ( براهمة )
يؤلهون روح برهمة وسيفا وفشنو الذين يقولون عنهم قد حل الله فيهم ، لأنهم
اعتقدوا أن الله روح . وما بين ( مجوس ) يعبدون النار التي هي جزء من الشمس
الحالة فيها قوة روحية ، يزعمون أنها هي الخالق العظيم . وما بين ( شنتويين )
يابانيين يعبدون روحا عامة ، يعتقدونها حالة في طبيعة اليابان وجبالها وأوديتها
وأنهارها ، وما بين ( سياميين ) يعبدون الروح الحالة في الفيل الأبيض . وما
بين ( حلوليين ) يعتقدون أن الله روح كلية يحل في كل ذرة من ذرات الوجود ،
هي التي تسيره . وما بين ( ثنويين ) يرون العالم يدار بيد روحين كبيرتين :
هما ( يزدان ) خالق الخير ، و ( أهرمن ) خالق الشر ، وسوى هؤلاء كثير
من أهل هاتيك البلاد ، كعباد النوافع والمضار والجمال ، كالبقر والأفاعي
والغزلان .
أما الداعية – صانع الشجرة – فقد فرح فرحا عظيما ، حين رأى
الناس مجتمعين باحتشاد وتزاحم حول شجرته الفنية الرائعة ، وهم معجبون
كيف استطاع صانعها العبقري أن يمثل فيها كل قوى عوالم الوجود المادية
والروحية ، كما استطاع أن يشير إلى كل أشياء الوجود التي عبدت ، واعتقد
أنها هي الله الخالق العظيم .
أجل فرح الداعية الصانع حين رآهم معجبين بالشجرة ، وكيف تسنى
لصانعها أن يجعلها تشتمل على كل صور الآلهة المعبودة من دون الله ، كالغزلان
والأبقار والأرض والسماوات وبقية الأجرام ، والشموس وبوذا وبرهمة وسيفا
وفشنوا وتشتري وزرادشت ومترا وفولكان ولا وتسو وكونفشيون والباب . . .
وسواهم من الملوك والقياصرة والأباطرة والفراعنة ومؤسسي الأديان وبعض
أتباعهم الذين بولغ بهم حتى ألهوا فعبدوا .
نعم فرح لأنه رأى المحتشدين معجبين بعبقريته الفنية الخارقة التي
استطاعت أن تصور عوالم الوجود المادية والروحية هذا التصوير الدقيق ويبرزها
في هذا الجمال الفني الباهر للعيان .