الرئيسية / القرآن الكريم / مُصطلحات الاُلوهيّة والربوبيّة

مُصطلحات الاُلوهيّة والربوبيّة

مُصطلحات الاُلوهيّة والربوبيّة

الاسم ،الاله ،الرّبّ ،ذو العرش وربّ العرش ،الكرسيّ ،اللّه ،القيّوم ،الرّحمن الرّحيم ،العِبادة الاسْمُ .

الاسم

للاسم في لغة العرب معنيان:
أ ـ اللّفظ الذي يدلُّ على مسمّى به يُمَيَّزُ ويعرف. مثل: مَكَّةَ علمٌ للبلد الذي فيه الْكَعْبَةُ بَيْتُ اللّه الْحَرَامِ، وأسماء الاشخاص في عصرنا: كَيُوسُفَ وَفَيْصَلٍ وَعَبَّاسٍ… الخ.
ب ـ اللّفظ الذي يدلُّ على حقيقة المسمَّى أو صفته. مثل: (اسم) في قوله تعالى: (سَبِّحِ اسمَ رَبِّكَ الاعْلَى). (الاعلى / 1)
إذ ليس معنى (اسْم رَبِّك) هاهنا لفظ رَبِّكَ فيكون المعنى: سبِّح لفظ ربِّك، وإنّما معناه صفة رَبِّكَ فيكون المعنى: سبِّح صفة رَبِّكَ، أي نَزِّه رُبُوبِيَّةَ رَبِّكَ الاعْلَى عمّا لا يليق بذكره.
ومن هذا الباب قوله تعالى: (وعَلَّمَ آدَمَ الاسْمَاء كُلَّها). (البقرة / 31) وليس معنى الاسماء التي علّمها اللّهُ لادَمَ خَليفَتِهِ أسماء عواصم البلدان: بَغْداد وطَهْرَان ولَنْدَن، وأعضاء جسد الانسان: العَيْن والرَّأس والرَّقَبَة، وأسماء الفواكه: التِّين والزِّيتون والرمَّان، والاحجار: الياقُوت والدُّرِّ والزَّبَرْجَد، والمعادن: الذَّهَب والفِضَّة والنُّحاس والحَديد… إلى ما لا يحصى من الالفاظ التي سمّى البشر بها الاشياء بلغاتهم، وإنّما القصد أنّه علّمه صفات الاشياء وحقائقها.

الاله

أوّلاً ـ في معاجم اللّغة:
موجز ما في المعاجم حول الـ ((إله)):
((إله)) على وزن كتاب من مادة أَلِهَ يألَه بمعنى عبد، يعبد، عبادة: أي أطاع إطاعة بتذلّل وخضوع، ثمّ إنّ لفظ ((إله)) كـ ((كتاب)) مصدر واسم مفعول معا، فكما أنّ الكتاب مكتوب، فإنّ الذي جاء بمعنى ((مألوه)) يأتي أيضا بمعنى: معبود أو مُطاع.
إذا إله في اللّغة يعني:
1 ـ العبادة، أي: الاطاعة المطلقة بتذلّل وخضوع.
2 ـ المعبود والمُطاع.
كان ذلكم معنى (إله) في اللّغة.
ثانيا ـ في محاورات العرب:
جاء الاله في محاورات العرب بمعنيين:
1 ـ أَلِهَ: أي أجرى للمعبود العبادات الدينية مثل: الصّلاة والدّعاء وتقديم القرابين. و(إلاها) على وزن كتابا: بمعنى المألوه أي المعبود الذي يُعبَد وتُجرى له الطقوس الدينية كما أن الكتاب يرد بمعنى المكتوب. والعرب تسمِّي كل ما يُعبد: (إلها)، وجمعها: (الالهة) خالقا كان ذلك الاله أو مخلوقا، مثل الاصنام والتماثيل والشمس والقمر والابقار التي يعبدها الهنود.
2 ـ يأتي الاله أحيانا بمعنى المُطاع(5) كما جاء في القرآن الكريم في قوله تعالى:
أ ـ في سورة الفرقان:
(أرَأيتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ علَيهِ وَكيلاً) (الاية 43).
ب ـ في سورة الجاثية:
(أَفَرَأَيتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللّهُ على عِلْمٍ) (الاية 23).
والمعنى في الايتين: (أَرَأَيتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَوَاه): أي أطاع هوى نفسه، ويدل على ذلك قوله تعالى في سورة القصص:
(وَمَن أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيرِ هُدىً مِنَ اللّهِ) (الاية 50).
ج ـ في سورة الشعراء في حكاية قول فرعون لموسى (ع) :
(لَئِن اتَّخَذتَ إلها غَيرِي لاَءجعَلَنَّكَ مِنَ المسجُونين) (الاية 29).
ويدلّ على ذلك (أي على أنّ فرعون وقومه كانت لهم آلهة يعبدونها) ما حكى عنهم سبحانه وتعالى في سورة الاعراف فقال: (وَقَالَ الَملا مِن قَومِ فِرعَونَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَومَهُ لِيُفسِدُوا في الارضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ) (الاية 127).
إنّ الالهة التي ذكرت هنا كانت معبودات فرعون وقومه، يقرّبون لها القرابين ويُجرون لها الطقوس الدينيّة. أمّا فرعون نفسه فقد كان إلها، أي مُطاعا.
ومن المحتمل أنّ فرعون ـ أيضا ـ كان يدَّعي لنفسه الاُلوهيّة بالمعنى الاوّل، كما جاء عن بعض الاقوام أنهم كانوا يزعمون انّ ملوكهم من سلالة الالهة (شمسا كانت أو غيرها)، ويجرون لهم بعض الطقوس العباديّة.
ثالثا: في القرآن الكريم:
بالاضافة إلى ما ذكرناه نجد أنّ صفة الخالقيّة أبرز صفةٍ للاله في القرآن الكريم، ولذا نجدهُ بعد قوله تعالى:
(ما خَلَقْنَا السَّمواتِ والارْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بالحَقِّ).
يسأل الكفّارَ ويقول:
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دونِ اللّهِ أروني ماذا خَلَقوا مِنَ الارْضِ أمْ لَهُمْ شِرْكٌ في السَّمواتِ ائتوني بِكتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أوْ أثارةٍ مِنْ عِلْمٍ
إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين). (الاحقاف / 4) وكذلك الامر في قوله تعالى:
أ ـ (واتَّخَذوا مِنْ دونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئا وَهُمْ يُخْلَقُونَ).(الفرقان / 3).
ب ـ (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُون). (النحل / 17).
ج ـ (والَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئا وَهُمْ يُخْلَقُونَ).
(النحل / 20)
د ـ (أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئا وَهُمْ يُخْلَقُون). (الاعراف / 191).
هـ ـ (أَمْ جَعَلُوا للّهِ شُرَكَاء خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْء وَهُوَ الوَاحِدُ القَهَّار). (الرّعد / 16).
و ـ (أَرُوني مَاذَا خَلَقوا مِنَ الارْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ في السَّموات).
(فاطر / 40)
ز ـ (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابَا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبهُمُ الذُّبَابُ شَيْئا لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالَمطْلُوب). (الحج / 73)
في كل هذه الايات نرى اللّه سبحانه وتعالى يتحدَّى المشركين في خالقيَّة آلهتهم ويؤكّد سبحانه أنّ تلك الالهة لم تخلق شيئا بنفسها .
منفردة ولم تشترك مع اللّه في خلق شيء.
ويسأل اللّهُ جلَّ شأنه في الايتين هـ ـ و الماضيتين عمّا خلقت تلكم الاصنام التي يدعونها بالالهة من مخلوقات الارض: هل كانوا شركاء في خلق السّموات؟
هل اتّخذ المشركون للّهِ شريكا، خلق مثل خلق اللّه، فاشتبه الامر عليهم في الاُلُوهيَّة؟
ويسأل في الايات الاُخرى:
هل الذي يخلق ـ وهو اللّه سبحانه وتعالى ـ كمن لا يخلق ـ كالاصنام التي يعبدونها ـ على حدٍّ سواء؟
ويصل التحدِّي إلى مداه في الاية الاخيرة حين يقول:
إنّ الذين اتّخذتموهم آلهة من دون اللّه ضعفاء إلى حدِّ أنّهم لايستطيعون أن يخلقوا الذَّباب ذلك المخلوق المهين، بل إنّ عجزهم أكبر من ذلك، فإنّ ذلك المخلوق الضعيف المهين إن سلبهم شيئا لا يستطيعون إنقاذ حقّهم منه.
ونستنتج من كل ذلك أنّ القرآن الكريم قد حصر (الاُلُوهيَّة) باللّه سـبحانه، واستدلّ على ذلك بأنّ كل ما يُتَّخَذُ من دون اللّه من آلهة لا يستطيعون أن يخلقوا شيئا.
إذا يتّضح أن أبرز صفة في (الاله) هي: (الخالِقيَّةُ).
ويزيد الامر وضوحا الايات التالية:
(ذلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُم لا إلهَ إلاّ هَوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْء فَاعْبُدُوه). (الانعام / 102).
هكذا ينحصر خلق كلِّ شيء باللّه، فلا إله إلاّ هو، وينحصر كلُّ إيجادٍ به أيضا، كما قال سبحانه:
أ ـ (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدَا إِلى يَوْمِ القِيَامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأتِيكُمْ بضِيَاء أَفَلا تَسْمَعُونَ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدَا إِلى يَوْمِ القِيَامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُون). (القصص / 71، 72)
وكذلك يسخر القرآن من عقائد من اتّخذ إلها غير اللّه لينفعه في جانب ما في الكون كما يأتي:
ب ـ (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُون). (يس / 74)
ج ـ (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزَّا). (مريم / 81)
د ـ (أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الارْضِ هُمْ يُنْشِرُون). (الانبياء / 21)
هـ ـ (أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا). (الانبياء / 43)
و ـ (فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ شَيْء).
(هود / 101)
ز ـ (قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ إِذَا لابْتَغَوا إِلى ذي العَرْشِ سَبيلا).
(الاسراء / 42)
والانبياء كانوا يقولون:
(أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لاتُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئا وَلا يُنْقِذُون). (يس / 23).
كان ذلكم منطق القرآن ومنطق الانبياء في شأن الالهة؛ ولكن الكفّار كانوا يعتقدون أنّ آلهتهم تؤثّر في الكون ويطلبون منها إنزال المطر وإنبات النبات وشفاء المرضى والاغناء منالفقر والنصرة على الاعداء، ويتقرّبون إليها بتقديم القرابين وإجراء بعض الطقوس الدينية لها، وخاطب بعضهم هودا وقال له:
(إنْ نَقُولُ إِلاّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوء). (هود / 54)
وتعدّدت الالهة لدى بعض الاُمم: فللمطر إله وللرّياح إله وللنبات إله، وهكذا لغيرها آلهة في ما يعتقدون. ولكن الْقُرآنَ الكَريمَ يقيم الدليل تلو الدليل على بُطلان تعدّد الالهة ويقول:
(قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذَا لاَبْتَغَوا إِلى ذي العَرْشِ سَبيلا). (الاسراء / 42)
أي لشاركوا اللّهَ في تدبير أمر العالم من خلق الخلق و… و… و…
ولمّا لم يفعل أيُّ من الالِهَةِ شيئا من ذلك علمنا أنّ اللّه واحدٌ، أحدٌ، صمدٌ، لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد.
إذ لو كان له ولد أو صاحبة لشاركاه في شيء من القدرة إلى حدٍّ ما، وصدق اللّه حيث يقول:
(إنّما اللّهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحَانَهُ أنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ). (النِّساء / 171)
ويقول:
(لَقَدْ كَفَرَ الّذينَ قالُوا إنّ اللّهَ ثالِثُ ثَلاثةٍ وما مِن إلهٍ إلاّ إلهٌ واحِد).
(المائدة / 73)
ويقول:
(مَا اتَّخَذَ اللّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِله). (المؤمنون / 91)
(وإِذْ قَالَ اللّهُ يا عيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُوني وَأُمِّيَ إِلهَينِ مِنْ دُونِ اللّه). (المائدة / 116)
(وَقَالَ اللّهُ لا تَتَّخِذوا إِلهين اثْنَينِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ). (النّحل / 51) ونلخِّص ما تقدّم بالقول:
إنّ الاله في المصطلح الاسلامي من أسماء اللّه الحسنى، ومعناه: المعبود، وخالق الخلق. وقد جاء في القرآن الكريم بالمعنى اللغوي مع وجود قرينة تدلّ على أنَّ المقصود معناه اللغوي، مثل قوله تعالى في سورة الحجر: (الّذينَ يَجعَلُونَ مَعَ اللّهِ إلها آخَرَ) (الاية 96).
فإنّ لفظي: (آخر) و(مع اللّه) في الاية يدلاّن على أن المقصود من الاله: معناه اللغوي: المطاع والمعبود، وجاء مطلقا في معناه الاصطلاحي في آيات كثيرة اُخرى من القرآن الكريم، والتي تحصر الاُلوهيّة في اللّه سبحانه.
واجمع القول في معنى الاله ما نقله ابن منظور في مادة (إله) من لسان العرب عن أبي الهيثم أنه قال:
قال اللّه عزّ وجلّ: (ما اتَّخذَ اللّهُ من وَلَدٍ وما كان معه من إلهٍ إذا لَذَهَبَ كُلُّ إلهٍ بما خَلَقَ). قال: ولا يكون إلها حتى يكون مَعْبُودا، وحتى يكونَ لعابده خالقا ورازقا ومُدبِّرا، وعليه مقتدرا، فمن لم يكن كذلك فليس بإله، وإن عُبِدَ ظُلْما، بل هو مخلوق ومُتَعَبَّد.

______________________________________

[5]راجع مادّة: (أَلَهَ) في مفردات الراغب. وكتاب ((التحقيق في كلمات القرآن)). 

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...