الرئيسية / بحوث اسلامية / شرح رسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين زين العابدين11

شرح رسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين زين العابدين11

أخذ المحتشدون يلتفتون يمينا وشمالا ، وهم يتساءلون عن صانع الشجرة
وقد كان تلاميذه منتشرين بين جمهور المحتشدين ، وكلما رأوا إلحاح الجمهور
في طلب رؤية صانع الشجرة ، يصرفونهم عنه بإلفات أنظارهم إلى عجائب الشجرة
الفنية ، وغرائب صنعتها الظاهرة في كل جزء من أجزائها ، وأخيرا صاح
المشاهدون جميعا : إن هذه الشجرة الفنية هي أعظم ما في المعرض ، فلا بد لنا
من معرفة صانعها العظيم الكبير ، وأخذوا يهتفون ويرددون الهتاف بصورة
متواصلة . فقال التلاميذ : ماذا تريدون من معرفة الصانع ؟
المحتشدون :

إن صانعا قديرا ، وصانعا ماهرا ، قد استطاع أن يمثل عوالم الوجود
بقسميه المادي والروحي ، في هذه الشجرة يجب أن نعرفه معرفة أكيدة
صحيحة ، حتى لا ننسب أمجاده واحترامه وإكباره إلى سواه .
التلاميذ :

وماذا يضركم إذا احترمتم غيره وأكبرتموه ، ونسبتم صنعته إلى سواه ؟
المحتشدون : يعطى الحق إلى غير أهله ، ويقدر غير الجدير بالتقدير
ويجر ذلك إلى تقدير الجهل باسم العلم ، وفي هذا إفساد للأوضاع وقلب
للحقائق ، بل فيه كل الشر ، فيجب أن نعرف صانع هذه الشجرة بالذات .

وحتى أصر الجمهور على ذلك : اقترب أحد التلاميذ الداعية من الشجرة ومد
يده مشيرا إلى الشمس البادية فيها قائلا : إن الذي صنع هذه الشجرة هي الروح
الثاوية في هذه الشمس ، فظنه المحتشدون مجنونا وأعرضوا عنه ، فتقدم تلميذ
آخر قائلا : لا لا ، إنه كاذب لأننا نشاهد عيانا أن الشمس والروح الحالة
فيها ، مصنوعتان لصانع الشجرة ، ففرح الجميع وقالوا : هذا تلميذ يفهم
الحقائق ويعلم أن الصنعة غير الصانع ، وطلبوا إليه أن يرشدهم إلى معرفة الصانع
الصحيحة ، فقال لهم حبا وكرامة ، ثم مشى إلى الشجرة ومد يده وأشار إلى
القوة التي تمثل الجاذبية العامة الممزوجة بكل الشجرة ، المتخللة كل ذرة
من ذراتها ، وكل عنصر من عناصرها ، وقال : هذه القوة الروحية ، هي
التي صنعت الشجرة بكل ما فيها من عوالم سواء كانت من الأرواح أو من المادة
فضج الجميع وسخطوا وقالوا :

إن هذا التلميذ لا يقل عن زميله جنونا ، وهنا
ظهر أحد التلاميذ أمام الجمهور بوقار ورزانة قائلا : إنه أشار إلى الروح العامة
التي تتخلل الشجرة . وهذه أوجدها الصانع لتمسك ذرات الشجرة وعناصرها
وعوالمها ، ولكن الذي صنع الشجرة ، هو ( هؤلاء وأشار بيده إلى التماثيل
الثلاثة ) – برهمة وسيفا وفشنو – قائلا : إن الروح الكامنة في هؤلاء الثلاثة ،
المتحدة المنبثق بعضها من بعض قبل الدهور ، هي التي صنعت الشجرة بكل
عوالمها المادية والروحية والحية وغير الحية والعاقلة ، وغير العاقلة ، وهذه
التماثيل الثلاثة تشير إلى أقانيم ثلاث هي في الحقيقة إله واحد . فصرخ الناس
وقالوا : ما لنا ولهؤلاء المجانين ، وأخذوا يتنادون من يعلم شيئا عن حقيقة
صانع الشجرة فليتقدم .

وهنا تقدم جماعة آخرون من التلاميذ ، وأشاروا إلى النار قائلين ، هي
التي صنعت الشجرة فقال آخرون : كذبوا بل الذي صنعها ، الروح الحالة
في هذا الفيل الأبيض . وقال آخرون : بل الروح الأزلية التي حلت في بوذا
هذا . وقال آخرون : كذبتم بل هذه ، وأشار إلى الروح الحالة في طبيعة
اليابان وجبالها وأوديتها كما هو ماثل في الشجرة . . .

وهنا أعرض جماهير المشاهدين عنهم ، وطفقوا يضحكون قائلين : هل
نحن في ( مارستان ) أتلاميذ أي مجنون هؤلاء ؟ ؟ ! !
ثم قال حكيم من حكماء الجماهير المحتشدين : ما لكم يا قوم نسألكم
عن صانع الشجرة ، لا عن الأشياء المكونة منها الشجرة ، فكيف تشيرون
إلى الصنعة ، وتقولون هي الصانع ، فبرز تلميذ كأنه فيلسوف كبير وقال :
إن كل جزء من أجزاء الشجرة المادية والمعنوية ، هو الذي صنع الشجرة ،
أي أن الشجرة هي التي صنعت نفسها ، وليس لها صانع سواها . فأخذ
المحتشدون يضحكون على عقليات التلاميذ السخيفة ونظراتهم الواهمة ووزنهم
الخفيف الخفيف .
وحينئذ أدرك جماعة من الحكماء أن التلاميذ ما قالوا الذي قالوه إلا
لغاية مقصودة ، وأدركوا أن في المسألة سرا ، إذ التلاميذ ليسوا بمجانين ولا
مخبولين ، لذلك قالوا علمنا يقينا أن الصنعة غير الصانع ، هلموا فاطلبوا صانع
الشجرة ليكلم الجماهير . فذهب التلاميذ جميعا ، حين رأوا الجد في طلب الصانع
وما لبثوا أن أقبلوا ، وصانع الشجرة يتقدمهم ، وما كادت الحكماء والجماهير
تشاهده مقبلا حتى قابلته بعاصفة من التصفيق والهتاف ، فانحنى متقبلا هتافهم
وخطبهم قائلا :

لقد رأيتم بعيدا كل البعد أن شيئا من أشياء هذه الشجرة المادية أو الروحية ،
هو الذي صنعها ، وقلتم يستحيل ذلك عقلا وعلما وتجربة ، بيد أنكم جميعا
آمنتم بذلك وأذعنتم له تقليدا ووراثة وتلقينا وتعليما .
المحتشدون : لا لا ، نحن لم نؤمن به ولم نذعن له ، إنما تلاميذك
هؤلاء المحيطون بك ، هم الذين أعلنوا ذلك وتنادوا به .

الداعية : إن تلاميذي أرادوا أن يقربوا لكم الحقيقة ، ويكشفوا لكم
ما أنتم عليه ، من تقاليد ووراثات ، وتربيات وتلقينات تنافي واقع العلم
والمعرفة ، أما تعلمون أن هذه الأرض التي نعيش فيها ، وهذا الفضاء الذي
تسبح فيه الأجرام المترامية في أبعاده ، وهذه الأرواح والجاذبية والمغناطيسية
وكل القوى الروحية ، والملائكة والجن . . . وكل ما تشاهدونه أو تقرؤن عنه
من أشياء الوجود هي صنعة بين أيديكم تشاهدونها وتدركونها بحواسكم
وعقولكم ، أما تدل هذه الكائنات على جلال صانعها وعظيم قدرته وأنه لا يشبهها
ولا تشبهه في صفة ما ، وأنه وحده المهيمن عليها المسير لها ؟ ؟
نعم أنتم تعلمون هذا كل العلم ، ومع ذلك تقولون – تقليدا ووراثة –
إن صانعها هو بعضها كما هو معلوم لكم . . .

 

https://t.me/wilayahinfo

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...