الرئيسية / بحوث اسلامية / شرح رسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين زين العابدين18

شرح رسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين زين العابدين18

الإخلاص لله :
الإخلاص : هو إفراد الحق خاصة في الطاعة بالقصد والتقرب إليه بذلك
خاصة ، من غير رياء ومن غير أن يمازجه شئ آخر من تصنع لمخلوق
أو اكتساب محمدة بين الناس أو محبة مدح أو معنى من المعاني ، ولذلك
قال أرباب هذا الفن : ( الإخلاص تصفية العمل عن ملاحظة المخلوقين . وقال
الخواص من هؤلاء القوم : نقصان كل مخلص في إخلاصه رؤية إخلاصه ، فإذا
أراد الله أن يخلص إخلاص عبد أسقط عن إخلاصه رؤيته لإخلاصه ، فيكون
مخلصا . وجاء في الأثر : ما أخلص عبد لله أربعين صباحا إلا ظهرت ينابيع
الحكمة من قلبه على لسانه .

والاخلاص من الصفات الروحية التي تسمو بالمرء إلى منزلة رفيعة من
الخلق الإنساني ، فأهواء النفس والرياء والغايات الشخصية هي التي يحاربها
الإسلام ويحل محلها الإخلاص لله . ولهذا أولاه الإسلام اهتماما خاصا وقرنه
بالعبادة . قال الله تعالى : ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) وقال
سبحانه : ( فاعبد الله مخلصا له الدين ) . ويقول الرسول محمد ( ص ) : ( أول
من يسأل يوم القيامة ثلاثة : رجل آتاه الله العلم فيقول الله له : ما صنعت
فيما علمت ؟ فيقول : يا رب كنت أقوم به آناء الليل وأطراف النهار . فيقول
الله : كذبت ، وتقول الملائكة : كذبت ، بل أردت أن يقال فلان عالم ،
ألا فقد قيل ذلك . ورجل آتاه الله مالا ، فيقول الله له : لقد أنعمت عليك
فماذا صنعت ؟ فيقول : يا رب كنت أتصدق به آناء الليل وأطراف النهار .

فيقول الله : كذبت . وتقول الملائكة : كذبت ، بل أردت أن يقال فلان
جواد ، ألا فقد قيل ذلك . والثالث رجل جاهد في سبيل الله فقتل ، فيقول
الله له : لقد جاهد ليقال فلان شجاع ، ألا فقد قيل ذلك . ثم قال الرسول ( ص )
أولئك أول خلق تسعر بهم جهنم يوم القيامة ) .

ولما كانت الأعمال الخاصة لله وحده لا بد لها من سابق نية وعزم ، نجد
الإسلام يهتم بالنية هذه ويجعلها محورا تدور عليه أعمال العبد . قال رسول الله ص
( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله
ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة
يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه ) .

فالنية الطيبة هي عنصر من عناصر التربية الخلقية التي تجعل الإنسان عضوا
ممتازا في المجموعة الإنسانية ، وقد جعلها الإسلام الأصل في قبول الأعمال عند
الله خالصة له ، وله بذلك السبق بأن أعلنها قبل أن يعلنها ( عما نويل كانت )
فيلسوف الأخلاق الألماني إذ قال : ( إن حسن النية هو الكل في الكل في
الأخلاق ) .

فالخير في الإسلام ليس خيرا إلا إذا كان عن نية طيبة خالصة لوجه الله ،
والعنصر الطيب ليس طيبا إلا إذا استنار بأوامره .
ولا شك أن هذا مذهب جليل في تقدير الرجال والأعمال ، يصحح
الأوضاع ويسمو بالمجتمع إلى مستوى رفيع من الكمال ، إذ يجعل الأقوال
والأعمال منوطة بغاية واحدة ومثل أعلى هو الله ، لا يحب ولا يبغض ولا يفعل
ولا يترك إلا لله ، والله لا يأمر إلا ما كان خيرا للشخص وللمجموعة الإنسانية ) ( 1 )

 

https://t.me/wilayahinfo

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...