الرئيسية / تقاريـــر / آخر المحاولات المذبوحة لـ “إسرائيل المضطربة”

آخر المحاولات المذبوحة لـ “إسرائيل المضطربة”

الوقت – كانت الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على الأراضي العراقية واللبنانية، واحدة من أهم التطورات في المنطقة في نظر وسائل الإعلام والخبراء في الأيام الأخيرة.

التطورات تتسارع في منطقة غرب آسيا نحو تحديد هندسة النظام الأمني الجديد في المنطقة، والحدث النادر هو قبول الکيان الإسرائيلي المسؤولية عن الهجمات على المواقع العراقية واللبنانية، الأمر الذي يعد تطوراً جديداً هاماً يمكن أن يكون له تأثير كبير على کيفية تنظيم نظام الأمن الإقليمي الجديد.

لمزيد من المناقشة حول هذه المسألة، تحدث “الوقت” مع الدکتور “سعد الله زارعي” الخبير البارز في الشؤون الدولية، وفيما يلي تفاصيل الحوار.

الوقت: ما هي أهداف الکيان الإسرائيلي من هذه الهجمات؟ وربما الأهم من ذلك القبول الضمني للمسؤولية عن مثل هذه الهجمات؟

سعد الله زارعي: إذا أردنا استخدام تفسير واحد لكيفية تصرف الکيان الإسرائيلي هذه الأيام، فإن التفسير الأكثر ملاءمةً هو “إسرائيل المضطربة”. الإجراءات التي يتخذها هذا الکيان في لبنان وسوريا وغزة والعراق، تشير إلى أن “إسرائيل” قد وصلت إلى مستوى غير مسبوق من الاضطرابات.

السؤال المهم الآن هو لماذا اختار الکيان الإسرائيلي هذه الطريقة؟ هل نسوا ما لاقوه من هزيمة نکراء في الحرب مع حزب الله في لبنان؟ هل نسوا أنهم هزموا حتى في مواجهة حماس؟ أم هل نسوا فشلهم في حربهم مع إيران؟ لذلك، لا ينبغي النظر إلى هذه الإجراءات على أنها تحركات الجانب المنتصر في الميدان، وإنما هي تخبطات لاعبٍ قد فشل في نطاق أصغر بكثير من المجال الذي يصول ويجول فيه الآن.

وبالتالي، فإن الهجمات الأخيرة ليست استعراضًا للقوة، وإنما هي تعبير عن المخاوف الإسرائيلية، إذ أن الأجواء في المنطقة قد اتخذت في الأشهر الأخيرة منحیً تسبب في هذا القلق والخوف لدی سلطات الکيان الإسرائيلي.

وفي هذا الصدد، من الأمور الجديرة بالذكر هي: أولاً، انتصارات أنصار الله في اليمن والأسلحة الحساسة للغاية التي وصلت إلی أنصار الله أو صنعتها؛ ثانياً، تحقيق الاستقرار الأمني في العراق بعد هزيمة الإرهاب وتعزيز الشراكة الإستراتيجية بين إيران والعراق، وخاصةً في المجال الأمني، ثالثًا، سير الأحداث في سوريا نحو الوحدة والسيادة، ورابعاً، الموقع الذي اكتسبه حزب الله في عامي 2018 و 2019، وهو نوع من استعادة الهوية حيث تراجعت شعبيته في العالم العربي قليلاً بسبب المشاركة في الدفاع عن الشعب والحكومة السوريين، وهزيمة الإرهابيين وکشف طبيعتهم.

هذه هي مصادر القلق لدی “إسرائيل”، والآن قد نزلوا إلی الميدان لتغيير المشهد. إنهم يشترون القليل من الذعر للتخلص من الذعر الكبير. الرعب الكبير هو هيمنة المقاومة علی المنطقة بأسرها، لأنه في هذه الحالة لن يكون هناك مجال للتنفس وإطالة عمر الکيان الإسرائيلي، والقلق الصغير هو أن يتعرضوا للضرب في مكان ما ويُهاجموا بسبب اعتداءاتهم. لذلك، فمن الطبيعي أن يختار الصهاينة القلق الأصغر.

الوقت: إلى أي مدى تری دور الحملات الانتخابية الإسرائيلية دخيلاً في هذه الهجمات؟

سعد الله زارعي: القضية في المقام الأول هي أمن “إسرائيل”. في الواقع، لا يعارض خصوم نتنياهو الآن سبب قيام “إسرائيل” بهجمات في سوريا والعراق ولبنان وغزة، بل ينتقدونه بسبب ضياعه للوقت وعدم اتخاذه الإجراءات المناسبة حيال التهديدات. إذن فالأمر لا يتعلق بالحملات الانتخابية بل بالوضع الأمني في “إسرائيل”، لذلك إذا ترك نتنياهو الساحة أو بقي في السلطة، فإن الوضع سيستمر للکيان الإسرائيلي.

الوقت: لقد أكد نتنياهو على استمرار الهجمات. برأيکم إلى متى يمكن أن تستمر الهجمات الإسرائيلية على العراق ولبنان؟ وإلى أي مدى يمكن أن تُضعف محور المقاومة كما يتوقع الصهاينة؟

سعد الله زارعي: يواجه الإسرائيليون تحديًا أمنيًا كبيرًا، وسيستمرون في هذه الإجراءات والاعتداءات إلى أن يصلوا إلى نقطة ثبات، لكن قد يتغير تسارع وتيرة الهجمات وأماکنها وذرائعها، لكن الأساس هو أن الصهاينة يعيشون تحديات أمنية، وهذه الأزمة لا علاقة لها بحزب معين وعوامل خارجية. لذلك يجب أن نتوقع استمرار هذه الهجمات في المستقبل.

بالطبع قد يؤدي هذا الأمر نفسه إلى انهيار الکيان، لأن العنصر المزعج في الظروف المزعجة ينحدر نحو المذبحة بسرعة أكبر، وستكون حاجة البلدان الأخرى في المنطقة أكثر وضوحًا لصد شر هذا العنصر. لذلك، فإن التهديد الذي أطلقه اللواء “قاسم سليماني” بأن هذه الاعتداءات هي آخر تخبطات “إسرائيل”، يمكن تقييمه من هذه الزاوية.

وبالنسبة لآثار هذه الهجمات أيضاً، يجب القول إن بعضاً من العراقيين الذين لم يكونوا معادين للإسرائيليين کثيراً، قد اتخذوا نهجاً معادياً لـ”إسرائيل” في الأسابيع الأخيرة. ففي داخل الحكومة العراقية، تتحدث الأحزاب والشخصيات الشعبية العراقية عن ضرورة الرد على العدوان الإسرائيلي، وهذا يعد تطوراً جديداً. کذلك توصلت المنطقة عمومًا إلى أن هذا العنصر المزعج والمخل بالأمن يجب التخلص منه عاجلاً، وهذا من آثار الاعتداءات الإسرائيلية.

هذا في حين أن نظريتنا بشأن زوال “إسرائيل” كانت نظرية الأزمة الداخلية، وكانت وجهة نظرنا قائمةً على انهيار هذا الکيان من الداخل، ولكن الآن وبعد أن أقدم علی هذه الهجمات، يجب علينا إعادة النظر في نظريتنا ووجهة نظرنا. طبعاً ليس لأننا نريد أن ننفي نظرية الانهيار من الداخل والأزمات الداخلية لـ”إسرائيل”، بل لأن الأزمات التي يخلقها هذا الکيان قد أوجدت ضرورة اتخاذ قرار سياسي جديد في المنطقة حيال الکيان الإسرائيلي.

الوقت: هناك تكهنات بأن الطائرات الإسرائيلية بدون طيار قد استخدمت القواعد الأمريكية لشن هجمات على مراكز الحشد الشعبي في العراق. كيف تقيمون دور ورؤية الولايات المتحدة في الهجمات الإسرائيلية على العراق؟

سعد الله زارعي: ليس في العراق من حيث الفاعل الخارجي أكثر من فاعلين اثنين، الولايات المتحدة وإيران. بطبيعة الحال، لا يمكن أن تكون الإجراءات ضد الحشد الشعبي وحرکة النجباء والحكومة العراقية من قبل إيران، لأن المعروف أن الحكومة العراقية قد تشكلت بدعم إيراني، وهذا الاتهام غير صحيح بالطبع. لذلك لا يمكننا نحن أن نكون عاملاً في انعدام الأمن، ولهذا فلا يوجد عامل آخر غير أمريكا.

نحن لا نقول إن هذا الاعتداء تم بواسطة الولايات المتحدة، لكن من المؤکد أن الصهاينة قد فعلوا ذلك من داخل العراق. داخل العراق أي من داخل القواعد الأمريكية، لأن الصهاينة ليس لديهم هوية مستقلة في العراق، لذلك فإن أي إجراء يمكن أن تفعله “إسرائيل” ستقوم بذلك من خلال الولايات المتحدة ومن خلال القواعد الأمريكية. للولايات المتحدة الآن أكثر من 10 قواعد رئيسية في العراق، وبالتالي فإن الولايات المتحدة ستكون مسؤولةً عن هذه الاعتداءات، وعليها أن تنتظر العواقب.

الوقت: ما هي أفضل إستراتيجية يمكن للحكومتين اللبنانية والعراقية اتخاذها لمواجهة اعتداءات الکيان الإسرائيلي؟

سعد الله زارعي: يجب علينا أولاً أن نقرأ العقل الإسرائيلي. الإسرائيليون وبعد تنفيذ العمليات الفکرية، يفکرون بما بعد تنفيذ الهجمات أيضاً، کما يقومون بتقييم ردود أفعالنا. لذلك، يجب أن نكون حذرين من أن تسرع محور المقاومة يمکن أن يجعل “إسرائيل” متهورةً دون رادع، كما هي الحال في سوريا حيث أصبح الأمر عادياً بالنسبة إلى الصهاينة، كذلك يجب أن لا ننجر لردود فعلٍ هم يريدونها، بل علی محور المقاومة أن يحدد ظروف اللعبة بنفسه.

وفي حالة العراق، تتمثل الإستراتيجية في تحميل المسؤولية على الولايات المتحدة، التي تتحمل مسؤوليةً مباشرةً عن منع مثل هذه الهجمات وفقاً للبروتوكولات الدولية، لوجود أكثر من 10 قواعد أمريکية عسكرية رئيسية في جميع أنحاء العراق.

 

 

شاهد أيضاً

اليوم النوعي للمقاومة الإسلامية.. إما يذعن العدو الآن أو الآتي اعظم

عبد الحسين شبيب حتى تاريخه؛ يمكن القول إن الرابع والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر 2024 ...