تعرّضت المملكة العربية السعودية خلال الفترة القصيرة الماضية إلى مجموعة من الهزّات الكبيرة يمكن اعتبار الهجوم على مقرّات شركة أرامكو ذروة فيها، كونه أصاب شريان النفط السعودي بضربة كبيرة أوقفت نصف إنتاج المملكة لأسابيع وربما شهور.
لكنّ ذلك الحدث الكبير الذي وضع الرياض أمام استحقاقات ضربات عسكرية متبادلة مع إيران، وأحرج حليفتها الكبيرة الولايات المتحدة الأمريكية مع تساقط الخطوط الحمر الافتراضية، تلته إعلانات أخرى مثيرة، منها اضطرار وليّ العهد محمد بن سلمان لتبني المسؤولية عن مقتل الصحافي جمال خاشقجي في مقابلة مع قناة تلفزيونية أمريكية، وإعلان جماعة «أنصار الله» (الحوثيين) اليمنية سيطرتها على 350 كيلومترا مربعا في محور نجران جنوب السعودية زاعمة سقوط أكثر من 200 قتيل من أفراد الجيش اليمني التابع للحكومة الشرعية للرئيس عبد ربه منصور هادي بسبب استهداف خاطئ لهم بعشرات الغارات الجوية للتحالف، ووقوع أكثر من ألفي مقاتل من قوات «التحالف» في الأسر.
لتأكيد مزاعمهم، بثّ الحوثيون لقطات فيديو كثيرة تظهر مئات الأشخاص يستسلمون، ويتراوح الحديث بين فيديو وآخر من الكلام عن 400 إلى 800 شخص، ثم ما لبث أن وصل الرقم حسب يحيى سريع، الناطق العسكري باسم الجماعة، إلى «ألفي مقاتل بينهم أطفال»، وقد ردّت مصادر إعلامية سعودية بالقول إن من يظهرون في تلك الصور هم مزارعون، وهذا يعني تأكيدا غير مباشر لوقوع عدد كبير من الأشخاص في قبضة الحوثيين، وهو يعطي مصداقية، من جهة أخرى، لحديث الحوثيين عن أن قوات التحالف قامت بالتخلّي عن هؤلاء، وربما كانت قد زجّت بهم من دون إعداد عسكريّ كاف أو تغطية جوية وبرية مما جعلهم هدفا سهلا للحوثيين.
ولا يمكن معرفة إن كان لهذا التطوّر الأخير علاقة بموافقة الرياض على وقف محدود لإطلاق النار، وهو أمر غير مسبوق في استراتيجية السعودية نحو اليمن، فهل هو رد إيجابي على إعلان الحوثيين قبل ذلك وقف الهجمات ضد السعودية إذا أوقفت بدورها هجماتها، أم أنه انصياع للضغط الهائل الذي مثله قصف مواقع بقيق وخريص النفطية مضافا إليه ما حصل في محور نجران؟
وكأن هذه الأنباء الخطيرة لا تكفي فقد أعلنت الرياض أمس الأحد عن مقتل اللواء عبد العزيز الفغم، الحارس الشخصي للملك سلمان بن عبد العزيز، ناسبة الأمر إلى خلاف شخصي مع صديق له يدعى ممدوح آل علي، أدى إلى إطلاق الأخير النار على الفغم وقتله، وانتهى الحادث، حسب القصة الرسمية، بجرح صديق للفغم وحارس فلبيني، ومقتل الجاني بعد جرحه خمسة من رجال الأمن.
المغرّد السعودي «مجتهد» تحدّى القصة الرسمية لمقتل الفغم وقال إنه مات هو وممدوح آل علي في محيط القصر الملكي في جدة، ملمّحا إلى أن بن سلمان لم يكن يعتبر الفغم مواليا له وأظهر رغبة في إبعاده، وأن أصابع مستشار بن سلمان الشهير سعود القحطاني وراء العملية وأنه ما زال يدير الأمور السرّية الخاصة بوليّ العهد.
وبما أنه لا توجد دلائل أو صور أو شهود على ما حصل فلا يمكن إعطاء مصداقية كافية لرواية «مجتهد» أو السلطات السعودية، وهذه من مزايا الأنظمة المغلقة التي لا يدرك أحد حقيقة ما يحصل فيها، ولعلّ معرفة اللواء الفغم للكثير جدا من الأسرار دور في مقتله.
غير أن كل هذه الوقائع على اختلاف اتجاهاتها وجغرافياتها ومعانيها، تدلّ، بشكل أو آخر، على ارتدادات زلزالية لسياسات وليّ العهد محمد بن سلمان، والتي يبدو أنها اقتربت من الوصول إلى خواتيمها.