وآل رسول الله تدمى نحورهم * وآل زياد زينوا الحجلات
وآل رسول الله تسبى حريمهم * وآل زياد آمنوا السريات
وآل زياد في القصور مصونة * وآل رسول الله في الفلوات
فيا وارثي علم النبي وآله * عليكم سلام دائم النفحات
دعبل الخزاعي – الشهيد 246 هـ
تجاوبن بالأرنان والزفرات * نوائح عجم اللفظ والنطقات
يخبرن بالأنفاس عن سر أنفس * أسارى هوى ماض وآخر آت
فأسعدن أو أسعفن حتى تقوضت (1) * صفوف الدجا بالفجر منهزمات
على العرصات الخاليات من المها * سلام شج صب على العرصات (2)
فعهدي بها خضر المعاهد مألفا * من العطرات البيض والخفرات (3)
ليالي يعدين الوصال على القلا * ويعدى تدانينا على الغربات
وإذ هن يلحظن العيون سوافرا * ويسترن بالأيدي على الوجنات
وإذ كل يوم لي بلحظي نشوة * يبيت بها قلبي على نشوات
فكم حسرات هاجها بمحسر (4) * وقوفي يوم الجمع من عرفات
ألم تر للأيام ما جر جورها * على الناس من نقص وطول شتات؟!
ومن دول المستهزئين ومن غدا * بهم طالبا للنور في الظلمات
فكيف ومن أنى بطالب زلفة * إلى الله بعد الصوم والصلوات؟!؟!
سواحب أبناء النبي ورهطه * وبغض بني الزرقاء والعبلات
وهند وما أدت سمية وابنها * أولوا الكفر في الاسلام والفجرات
هم نقضوا عهد الكتاب وفرضه * ومحكمه بالزور والشبهات
ولم تك إلا محنة قد كشفتهم * بدعوى ظلال من هن وهنات
تراث بلا قربى وملك بلا هدى * وحكم بلا شورى بغير هدات
____________
(1) تقوضت الصفوف: انتقضت وتفرقت.
(2) المها: البقرة الوحشية. الصب: العاشق وذو الولع الشديد.
(3) خفرت الجارية: استحيت أشد الحياء.
(4) وادي محسر بكسر السين المشددة: حد ” منى ” إلى جهة ” عرفة “.
الصفحة 2
رزايا أرتنا خضرة الأفق حمرة * وردت أجاجا طعم كل فرات
وما سهلت تلك المذاهب فيهم * على الناس إلا بيعة الفلتات
وما قيل أصحاب السقيفة جهرة * بدعوى تراث في الضلال نتات
ولو قلدوا الموصى إليه أمورها * لزمت بمأمون عن العثرات
أخي خاتم الرسل المصفى من القذى * ومفترس الأبطال في الغمرات
فإن جحدوا كان ” الغدير ” شهيده * وبدر واحد شامخ الهضبات
وآي من القرآن تتلى بفضله * وإيثاره بالقوت في اللزيات
وغر خلال أدركته بسبقها * مناقب كانت فيه مؤتنفات (1)
(القصيدة 121 بيتا)
* (ما يتبع الشعر) *
من كلمات أعلام العامة
1 – قال أبو الفرج في الأغاني 18 ص 29: قصيدة دعبل:
مدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات (2)
من أحسن الشعر وفاخر المدايح المقولة في أهل البيت عليهم السلام، قصد بها علي ابن موسى الرضا عليه السلام بخراسان قال: دخلت على علي بن موسى الرضا عليه السلام فقال لي: أنشدني شيئا مما أحدثت. فأنشدته:
مدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات
حتى انتهيت إلى قولي:
إذا وتروا مدوا إلي واتريهم * أكفا عن الأوتار منقبضات
قال: فبكى حتى أغمي عليه وأومأ إلى الخادم كان على رأسه: أن اسكت. فسكت فمكث ساعة ثم قال لي: أعد. فأعدت حتى انتهيت إلى هذا البيت أيضا فأصابه مثل الذي أصابه في المرة الأولى وأومأ الخادم إلي: أن اسكت. فسكت فمكث ساعة أخرى ثم قال لي: أعد. فأعدت حتى انتهيت إلى آخرها. فقال لي: أحسنت – ثلاث مرات –
____________
(1) أنف كل شئ: أوله. وروض أنف: ما لم يرعه أحد: كأس أنف: لم يشرب بها. المستأنف: ما لم يسبق إليه.
(2) هو البيت الثلاثون من القصيدة وتسمى به.
الصفحة 3
ثم أمر لي بعشرة آلاف درهم مما ضرب باسمه ولم تكن دفعت إلى أحد بعد وأمر لي من في منزله بحلي كثير أخرجه إلى الخادم، فقدمت العراق فبعت كل درهم منها بعشرة دراهم إشتراها مني الشيعة فحصل لي مائة ألف درهم فكان أول مال اعتقدته (1) قال ابن مهرويه: وحدثني حذيفة بن محمد: أن دعبلا قال له: إنه استوهب من الرضا عليه السلام ثوبا قد لبسه ليجعله في أكفانه فخلع جبة كانت عليه فأعطاه إياها وبلغ أهل قم خبرها فسألوه أن يبيعهم إياها بثلاثين ألف درهم فلم يفعل فخرجوا عليه في طريقه فأخذوها منه غصبا وقالوا له: إن شئت أن تأخذ المال فافعل وإلا فأنت أعلم.
فقال لهم: إني والله لا أعطيكم إياها طوعا ولا تنفعكم غصبا وأشكوكم إلى الرضا عليه السلام فصالحوه على أن أعطوه الثلاثين ألف الدرهم وفرد كم من بطانتها، فرضي بذلك فأعطوه فردكم فكان في أكفاته وكتب قصيدته:
مدارس آيات خلت من تلاوة * . . . . . .
فيما يقال على ثوب وأحرم فيه وأمر بأن يكون في أكفانه (2)
وروى في ص 39 عن دعبل قال: لما هربت من الخليفة بت ليلة بنيسابور وحدي وعزمت على أن أعمل قصيدة في عبد الله بن طاهر في تلك الليلة فإني لفي ذلك إذ سمعت والباب مردود علي: السلام عليكم ورحمة الله انج يرحمك الله. فاقشعر بدني من ذلك ونالني أمر عظيم فقال لي: لا ترع عافاك الله فإني رجل من إخوانك من الجن من ساكني اليمن طرء إلينا طارئ من أهل العراق فأنشدنا قصيدتك:
مدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات
فأحببت أن أسمعها منك. قال فأنشدته إياها فبكى حتى خر، ثم قال: رحمك الله ألا أحدثك حديثا يزيد في نيتك ويعينك على التمسك بمذهبك؟! قلت: بلى. قال مكثت حينا أسمع بذكر جعفر بن محمد عليه السلام فصرت إلى المدينة فسمعته يقول:
حدثني أبي عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: علي وشيعته هم الفائزون. ثم ودعني لينصرف فقلت له: يرحمك الله إن رأيت أن تخبرني باسمك فافعل. قال: أنا ظبيان
____________
(1) في معاهد التنصيص 1 ص 205، عيون أخبار الرضا ص 280.
(2) وذكر في معجم الأدباء 4 ص 196، ومعاهد التنصيص 1 ص 205، وعصر المأمون 3.
الصفحة 4
بن عامر (1).
2 – قال أبو إسحاق القيرواني الحصري المتوفى سنة 413 في ” زهر الآداب ” 1 ص 86: كان دعبل مداحا لأهل البيت عليهم السلام كثير التعصب لهم والغلو فيهم وله المرثية المشهورة وهي من جيد شعره وأولها:
مدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات
لآل رسول الله بالخيف من منى * وبالبيت والتعريف والجمرات
ديار علي والحسين وجعفر * وحمزة والسجاد ذي الثفنات
قفا نسأل الدار التي خف أهلها * متى عهدها بالصوم والصلوات؟!
وأين الأولى شطت بهم غربة النوى * أفانين في الآفاق مفترقات؟!
أحب قصي الدار من أجل حبهم * وأهجر فيهم أسرتي وثقاتي
3 – قال الحافظ ابن عساكر في تاريخه 5 ص 234: ثم إن المأمون لما ثبتت قدمه في الخلافة وضرب الدنانير باسمه أقبل بجمع الآثار في فضايل آل الرسول فتناهى إليه فيما تناهى من فضائلهم قول دعبل:
مدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات
لآل رسول الله بالخيف من منى * وبالبيت والتعريف والجمرات
فما زالت تردد في صدر المأمون حتى قدم عليه دعبل (2) فقال له: أنشدني قصيدتك التائية ولا بأس عليك ولك الأمان من كل شيئ فيها فإني أعرفها وقد رويتها إلا أني أحب أن أسمعها من فيك. قال: فأنشده حتى صار إلى هذا الموضع:
ألم تر أني مذ ثلاثين حجة * أروح وأغدو دائم الحسرات
أرى فيئهم في غيرهم متقسما * وأيديهم من فيئهم صفرات
فآل رسول الله نحف جسومهم * وآل زياد غلظ القصرات
بنات زياد في الخدور مصونة * وبنت رسول الله في الفلوات
____________
(1) وذكره صاحب معاهد التنصيص 1 ص 205.
(2) ومن هنا يوجد في الأغاني 18 ص 58، وزهر الآداب 1 ص 86، ومعاهد التنصيص 1 ص 205، والإتحاف 165.
الصفحة 5
إذا وتروا مدوا إلى واتريهم * أكفا عن الأوتار منقبضات
فلو لا الذي أرجوه في يوم أوغد * تقطع نفسي إثرهم حسرات
فبكى المأمون حتى اخضلت لحيته وجرت دموعه على نحره، وكان دعبل أول داخل عليه وآخر خارج من عنده.
4 – قال ياقوت الحموي في ” معجم الأدباء ” 4 ص 6 19: قصيدته التائية في أهل البيت من أحسن الشعر، وأسنى المدايح قصد بها علي بن موسى الرضا عليه السلام بخراسان [وذكر حديث البردة وقصتها المذكورة ثم قال:] ويقال: إنه كتب القصيدة في ثوب وأحرم فيه وأوصى بأن يكون في أكفانه، ونسخ هذه القصيدة مختلفة في بعضها زيادات يظن (1) أنها مصنوعة ألحقها بها أناس من الشيعة وإنا موردون ما صح منها:
مدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات
لآل رسول الله بالخيف من منى * وبالركن والتعريف والجمرات
ديار علي والحسين وجعفر * وحمزة والسجاد ذي الثفنات
ديار عفاها كل جون مبادر * ولم تعف للأيام والسنوات
قفا نسأل الدار التي خف أهلها * متى عهدها بالصوم والصلوات؟!
وأين الأولى شطت بهم غربة النوى * أفانين في الآفاق مفترقات؟!
هم أهل ميراث النبي إذا اعتزوا * وهم خير قادات وخير حماة
وما الناس إلا حاسد ومكذب * ومضطغن ذو إحنة وترات
إذا ذكروا قتلى ببدر وخيبر * ويوم حنين أسبلوا العبرات
قبور بكوفان وأخرى بطيبة * وأخرى بفخ نالها صلواتي
وقبر ببغداد لنفس زكية * تضمنها الرحمن في الغرفات
فأما المصمات التي لست بالغا * مبالغها مني بكنه صفات
إلى الحشر حتى يبعث الله قائما * يفرج منها الهم والكربات
نفوس لدى النهرين من أرض كربلا * معرسهم فيها بشط فرات
____________
(1) يأتي في آخر ما يتبع الشعر: إن هذا الظن إثم ولا يغني من الحق شيئا.
الصفحة 6
تقسمهم ريب الزمان كما ترى * لهم عقرة مغشية الحجرات
سوى أن منهم بالمدينة عصبة * مدى الدهر أضناه من الأزمات
قليلة زوار سوى بعض زور * من الضبع والعقبان والرخمات
لهم كل حين نومة بمضاجع * لهم في نواحي الأرض مختلفات
وقد كان منهم بالحجاز وأهلها * مغاوير يختارون في السروات
تنكب لأواء السنين جوارهم * فلا تصطليهم جمرة الجمرات
إذا وردوا خيلا تشمس بالقنا * مساعر جمر الموت والغمرات
وإن فخروا يوما أتوا بمحمد * وجبريل والفرقان ذي السورات
ملامك في أهل النبي فإنهم * أحباي ما عاشوا وأهل ثقاتي
تخيرتهم رشدا لامري فإنهم * على كل حال خيرة الخيرات
فيا رب زدني من يقيني بصيرة * وزد حبهم يا رب في حسناتي
بنفسي أنتم من كهول وفتية * لفك عناة أو لحمل ديات
أحب قصي الرحم من أجل حبكم * وأهجر فيكم أسرتي وبناتي
وأكتم حبيكم مخافة كاشح * عتيد لأهل الحق غير موات
لقد حفت الأيام حولي بشرها * وإني لأرجو الأمن بعد وفاتي
ألم تر إني مذ ثلاثين حجة * أروح وأغدو دائم الحسرات؟!
أرى فيئهم في غيرهم متقسما * وأيديهم من فيئهم صفرات
فآل رسول الله نحف جسومهم * وآل زياد حفل القصرات (1)
بنات زياد في القصور مصونة * وآل رسول الله في الفلوات
إذا وتروا مدوا إلى أهل وترهم * أكفا من الأوتار منقبضات
فلولا الذي أرجوه في اليوم أو غد * لقطع قلبي إثرهم حسراتي
خروج إمام لا محالة خارج * يقوم على اسم الله والبركات
يميز فينا كل حق وباطل * ويجزي على النعماء والنقمات
سأقصر نفسي جاهدا عن جدالهم * كفاني ما ألقى من العبرات
____________
(1) الحفل من الحافل: الممتلئ. القصرات جمع قصرة: أصل العنق.
الصفحة 7
فيا نفس طيبي ثم يا نفس أبشري * فغير بعيد كل ما هو آت
فإن قرب الرحمن من تلك مدتي * وأخر من عمري لطول حياتي
شفيت ولم أترك لنفسي رزية * ورويت منهم منصلي وقناتي
أحاول نقل الشمس من مستقرها * وأسمع أحجارا من الصلدات
فمن عارف لم ينتفع ومعاند * يميل مع الأهواء والشبهات
قصاراي منهم أن أموت بغصة * تردد بين الصدر واللهوات
كأنك بالأضلاع قد ضاق رحبها * لما ضمنت من شدة الزفرات
5 – أخرج شيخ الاسلام أبو إسحاق الحموي (المترجم له ج 1 ص 123) عن أحمد بن زياد عن دعبل الخزاعي قال: أنشدت قصيدة لمولاي علي الرضا رضي الله عنه:
مدارس آيات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات
قال لي الرضا: أفلا الحق البيتين بقصيدتك؟! قلت: بلى يا بن رسول الله؟ فقال:
وقبر بطوس يا لها من مصيبة * ألحت بها الأحشاء بالزفرات
إلى الحشر حتى يبعث الله قائما * يفرج عنا الهم والكربات (1)
قال دعبل: ثم قرأت باقي القصيدة فلما انتهيت إلى قولي:
خروج إمام لا محالة واقع * يقوم على اسم الله والبركات
بكى الرضا بكاء شديدا ثم قال: يا دعبل نطق روح القدس بلسانك أتعرف من هذا الإمام؟! قلت: لا إلا أني سمعت خروج إمام منكم يملأ الأرض قسطا وعدلا.
فقال: إن الإمام بعدي إبني محمد وبعد محمد ابنه علي وبعد علي ابنه الحسن وبعد الحسن ابنه الحجة القائم، وهو المنتظر في غيبته، المطاع في ظهوره، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملأت جورا وظلما، وأما متى يقوم فإخبار عن الوقت لقد حدثني أبي عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: مثله كمثل الساعة لا تأتيكم إلا بغتة. ويأتي هذا الحديث عن الشبراوي أيضا.
6 – قال أبو سالم ابن طلحة الشافعي المتوفى 652 في ” مطالب السئول ” ص
____________
(1) ألحقهما الإمام عليه السلام بعد قول دعبل:
وقبر ببغداد لنفس زكية * تضمنها الرحمان في الغرفات
الصفحة 8
85 قال دعبل: لما قلت: مدارس آيات. قصدت بها أبا الحسن علي بن موسى الرضا وهو بخراسان ولي عهد المأمون فأحضرني المأمون وسألني عن خبري ثم قال لي:
يا دعبل؟ أنشدني – مدارس آيات خلت من تلاوة – فقلت: ما أعرفها يا أمير المؤمنين؟
فقال: يا غلام أحضر أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام؟ فلم يكن إلا ساعة حتى حضر فقال له: يا أبا الحسن؟ سألت دعبلا من – مدارس آيات خلت من تلاوة – فذكر إنه لا يعرفها. فقال لي أبو الحسن: يا دعبل؟ أنشد أمير المؤمنين؟ فأخذت فيها فأنشدتها فاستحسنها فأمرني بخمسين ألف درهم. وأمر لي أبو الحسن الرضا بقريب من ذلك فقلت: يا سيدي؟ إن رأيت أن تهبني شيئا من ثيابك ليكون كفني. فقال:
نعم. ثم دفع لي قميصا قد ابتذله ومنشفة لطيفة، وقال لي: إحفظ هذا تحرس به.
ثم دفع ذو الرياستين أبو العباس الفضل بن سهل وزير المأمون صلة وحملني على برذون أصفر خراساني، وكنت أسايره في يوم مطير وعليه ممطر خز وبرنس فأمر لي به ودعا بغيره جديد ولبسه وقال: إنما آثرتك باللبيس لأنه خير الممطرين. قال:
فأعطيت به ثمانين دينارا فلم تطب نفسي ببيعه، ثم كررت راجعا إلى العراق فلما صرت في بعض الطريق خرج علينا الأكراد فأخذونا فكان ذلك اليوم يوما مطيرا فبقيت في قميص خلق وضر شديد متأسف من جميع ما كان معي على القميص والمنشفة ومفكر في قول سيدي الرضا إذ مر بي واحد من الأكراد الحرامية تحته الفرس الأصفر الذي حملني عليه ذو الرياستين وعليه الممطر ووقف بالقرب مني ليجتمع إليه أصحابه وهو ينشد – مدارس آيات خلت من تلاوة – ويبكي فلما رأيت ذلك عجبت من لص من الأكراد يتشيع ثم طمعت في القميص والمنشفة فقلت: يا سيدي. لمن هذه القصيدة؟! فقال: وما أنت وذلك؟! ويلك. فقلت: لي فيه سبب أخبرك به. فقال: هي أشهر بصاحبها من أن تجهل. فقلت: من؟! قال: دعبل بن علي الخزاعي شاعر آل محمد جزاه الله خيرا. قلت له: يا سيدي فأنا والله دعبل وهذه قصيدتي. الحديث.
وقال ص 86 بعد ذكر الحديث ما لفظه: فانظر إلى هذه المنقبة وما أعلاها و ما أشرفها وقد يقف على هذه القصة بعض الناس ممن يطالع هذا الكتاب ويقرأه فتدعوه نفسه إلى معرفة هذه الأبيات المعروفة ب مدارس آيات – ويشتهي الوقوف
الصفحة 9
عليها وينسبني في إعراضي عن ذكرها إما أنني لم أعرفها، أو: أنني جهلت ميل النفوس حينئذ إلى الوقوف عليها فأحببت أن أدخل راحة على بعض النفوس وأن أدفع عني هذا النقص المتطرق إلى بعض الظنون فأوردت منها ما يناسب ذلك وهي:
ذكرت محل الربع من عرفات * وأرسلت دمع العين بالعبرات
وفل عرى صبري وهاج صبابتي * رسوم ديار أقفرت وعرات
مدارس آيات خلت من تلاوة * ومهبط وحي مقفر العرصات
لآل رسول الله بالخيف من منى * وبالبيت والتعريف والجمرات
ديار علي والحسين وجعفر * وحمزة والسجاد ذي الثفنات (1)
ديار عفاها جور كل منابذ * ولم تعف بالأيام والسنوات
ودار لعبد الله والفضل صنوه * سليل رسول الله ذي الدعوات
منازل كانت للصلاة وللتقى * وللصوم والتطهير والحسنات
منازل جبريل الأمين يحلها * من الله بالتسليم والزكوات
منازل وحي الله معدن علمه * سبيل رشاد واضح الطرقات
منازل وحي الله ينزل حولها * على أحمد الروحات والغدواة
فأين الأولى شطت بهم غربة النوي * أفانين في الأقطار مفترقات؟!
هم آل ميراث النبي إذا انتموا * وهم خيرات سادات وخير حمات
مطاعيم في الاعسار في كل مشهد * لقد شرفوا بالفضل والبركات
إذا لم نناج الله في صلواتنا * بذكرهم لم يقبل الصلوات
أئمة عدل يقتدى بفعالهم * وتؤمن منهم زلة العثرات
فيا رب زد قلبي هدى وبصيرة * وزد حبهم يا رب في حسناتي
ديار رسول الله أصبحن بلقعا * ودار زياد أصبحت عمرات
وآل رسول الله غلت رقابهم * وآل زياد غلظ القصرات
____________
(1) ذكر الثعالبي في ثمار القلوب ص 233 بيتين من القصيدة أحدهما: مدارس آيات. والثاني هذا البيت وقال: (ذو الثفنات) كان يقال لكل من علي بن الحسين بن علي (ع) وعلي بن عبد الله بن عباس: ذو الثفنات. لما على أعضاء السجود منهما من السجدات الشبيهة بثفنات الإبل وذلك لكثرة صلاتهما.
الصفحة 10
وآل رسول الله تدمى نحورهم * وآل زياد زينوا الحجلات
وآل رسول الله تسبى حريمهم * وآل زياد آمنوا السريات
وآل زياد في القصور مصونة * وآل رسول الله في الفلوات
فيا وارثي علم النبي وآله * عليكم سلام دائم النفحات
لقد آمنت نفسي بكم في حياتها * وإني لأرجو الأمن من بعد مماتي
7 – ذكر شمس الدين سبط ابن الجوزي الحنفي المتوفى 654 في تذكرته ص 130 من القصيدة 29 بيتا وفيها ما لم يذكره الحموي في ” معجم الأدباء ” وذكرت في هامش التذكرة القصيدة من أولها إلى – مدارس آيات -.
8 – ذكر صلاح الدين الصفدي المتوفى 764 في ” الوافي بالوفيات ” 1 ص 156.
طريق رواية القصيدة عن عبيد الله (1) بن جخجخ النحوي عن محمد بن جعفر بن لنكك أبي الحسن البصري النحوي عن أبي الحسين العباداني عن أخيه عن دعبل. وهذا الطريق ذكره جلال الدين السيوطي في ” بغية الوعاة ” ص 94.
9 – روى الشبراوي الشافعي المتوفى 1172 في ” الإتحاف ” ص 165 عن الهروي قال: سمعت دعبلا يقول: لما أنشدت مولاي الرضا قصيدتي التي أولها:
مدارس آيات خلت من تلاوة * ومهبط وحي مقفر العرصات
فلما انتهيت إلى قولي:
خروج إمام لا محالة خارج * يقوم على اسم الله والبركات
يميز فينا كل حق وباطل * ويجزي على النعماء والنقمات
بكى الرضا عليه السلام بكاء شديدا ثم رفع رأسه إلي فقال لي: يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين فهل تدري من هذا الإمام؟! ومتى يقوم؟!
فقلت: لا يا سيدي؟ إلا أني سمعت بخروج إمام منكم (إلى آخر ما مر عن الحموي) (2)
وفي ” الإتحاف ” ص 161: نقل الطبري في كتابه عن أبي الصلت الهروي قال:
دخل الخزاعي على علي بن موسى الرضا بمرو فقال: يا بن رسول الله؟ إني قلت فيكم
____________
(1) قال ياقوت الحموي: كان ثقة صحيح الكتابة.
(2) وذكره الصدوق في العيون. 370، والأمالي 210، والطبرسي في أعلام الورى 192.
الصفحة 11
أهل البيت قصيدة وآليت على نفسي أن لا أنشدها أحدا قبلك وأحب أن تسمعها مني فقال له علي الرضا: هات قل. فأنشأ يقول:
ذكرت محل الربع من عرفات * فأجريت دمع العين بالعبرات
وفل عرى صبري وهاجت صبابتي * رسوم ديار أقفرت وعرات
مدارس آيات خلت من تلاوة * ومهبط وحي مقفر العرصات
لآل رسول الله بالخيف من منى * وبالبيت والتعريف والجمرات
ديار علي والحسين وجعفر * وحمزة والسجاد ذو الثفنات
ديار لعبد الله والفضل صنوه * نجي رسول الله في الخلوات
منازل كانت للصلاة وللتقى * وللصوم والتطهير والحسنات
منازل جبريل الأمين يحلها * من الله بالتعليم والرحمات
منازل وحي الله معدن علمه * سبيل رشاد واضح الطرقات
قفا نسأل الدار التي خف أهلها * متى عهدها بالصوم والصلوات
وأين الأولى شطت بهم غربة النوى * فأمسين في الأقطار مفترقات؟!
أحب قضاء الله من أجل حبهم * وأهجر فيهم أسرتي وثقاتي
هم أهل ميراث النبي إذا انتموا * وهم خير سادات وخير حماة
مطاعيم في الاعسار في كل مشهد * لقد شرفوا بالفضل والبركات
أئمة عدل يقتدى بفعالهم * وتؤمن منهم زلة العثرات
فيا رب زد قلبي هدى وبصيرة * وزد حبهم يا رب في حسناتي
لقد آمنت نفسي بهم في حياتها * وإني لأرجو الأمن بعد وفاتي
ألم تراني مذ ثلاثين حجة * أروح وأغدو دائم الحسرات؟!
أرى فيئهم في غيرهم متقسما * وأيديهم من فيئهم صفرات
إذا وتروا مدوا إلى أهل وترهم * أكفا عن الأوتار منقبضات
وآل رسول الله نحف جسومهم * وآل زياد أغلظ القصرات
سأبكيهم ما ذر في الأفق شارق * ونادى منادي الخير بالصلوات
وما طلعت شمس وحان غروبها * وبالليل أبكيهم وبالغدوات
الصفحة 12
ديار رسول الله أصبحن بلقعا * وآل زياد تسكن الحجرات
وآل زياد في القصور مصونة * وآل رسول الله في الفلوات
فلو لا الذي أرجوه في اليوم أو غد * تقطع نفسي إثرهم حسراتي
خروج إمام لا محالة خارج * يقوم على اسم الله بالبركات
يميز فينا كل حسن وباطل * ويجزي عن النعماء والنقمات
فيا نفس طيبي ثم يا نفس فاصبري * فغير بعيد كل ما هو آت
وهي قصيدة طويلة عدة أبياتها مائة وعشرون بيتا. ولما فرغ دعبل من إنشادها نهض أبو الحسن الرضا وقال: لا تبرح. فأنفذ إليه صرة فيها مائة دينار واعتذر إليه. فردها دعبل وقال: والله ما لهذا جئت وإنما جئت للسلام عليه والتبرك بالنظر إلى وجهه الميمون وإني لفي غني فإن رأى أن يعطيني شيئا من ثيابه للتبرك فهو أحب إلي. فأعطاه الرضا جبة خز عليه الصرة وقال للغلام: قل له: خذها ولا تردها فإنك ستصرفها أحوج ما تكون إليها. فأخذها وأخذ الجبة. [إلى آخر حديث اللصوص المذكور].
10 – ذكر الشبلنجي في ” نور الأبصار ” ص 153 ما مر عن الشبراوي برمته حرفيا.
* (أما أعلام الطايفة) *
فقد ذكر القصيدة وقصة الجبة واللصوص جمع كثير لا نطيل المقال بذكر كلماتهم بل نقتصر منها على ما لم يذكر في الكلمات المذكورة. روى شيخنا الصدوق في ” العيون ” 368 و ” الأمالي ” 211 عن الهروي قال: دخل دعبل على أبي الحسن الرضا عليه السلام بمرو فقال له: يا بن رسول الله؟ إني قد قلت فيكم قصيدة وآليت على نفسي أن لا أنشدها أحدا قبلك فقال عليه السلام: هاتها. فأنشده فلما بلغ إلى قوله:
أرى فيئهم في غيرهم متقسما * وأيديهم من فيئهم صفرات
بكى أبو الحسن عليه السلام وقال له: صدقت يا خزاعي؟ فلما بلغ إلى قوله:
إذا وتروا مدوا إلي واتريهم * أكفا عن الأوتار منقبضات
جعل أبو الحسن عليه السلام يقلب كفيه ويقول: أجل والله منقبضات: فلما بلغ إلى قوله:
لقد خفت في الدنيا وأيام سعيها * وإني لأرجو الأمن من بعد وفاتي