ما عرضته كتائب الشهيد عز الدين القسام – الجناح العسكري لحركة “حماس” من مشاهد تصدي وحداتها لطيران الاحتلال الإسرائيلي بصواريخ أرض – جو، خلال عدوانه على قطاع غزة فجر الثلاثاء الماضي، والذي عاد وأكد عليه مصدر في المقاومة للـ”ميادين” من أنّ “الصاروخ الذي استهدف طائرات الاحتلال المغيرة، من طراز “ستريلا” الروسي، ويبلغ مداه 3,700م، بارتفاع يصل إلى 1,500 متر، وبسرعة 430 متراً في الثانية”، يؤكد بما لا يقبل الشك، أن مرحلة جديدة من المواجهة ومن قواعد الاشتباك المختلفة عن السابق قد بدأت بين العدو وبين المقاومة الفسطينية. دشنت هذه المرحلة بصاروخ دفاع جوي روسي، كان في فترة الحرب الباردة وما زال اليوم منافسًا إلى حد كبير للصاروخ الأميركي المضاد للطائرات المحمول على الكتف “ستينغر”، والذي وضعته وحدات “الناتو” اليوم وبغزارة كبيرة، بتصرف وحدات كييف لمواجهة العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا.
صحيح أن الصاروخ المضاد للطائرات “ستريلا” لم يسقط أي طائرة اسرائيلية معتدية على غزة، ولكن، عملية الاطلاق بذاتها تحمل الكثير من الأبعاد ومن الرسائل، والتي على العدو أولًا وعلى حلفائه المطبعين ومن الداعمين الاقليميين والغربيين ثانيًا أن يقرأوها بتمعن وبدقة، لما يمكن أن تشكله من تغييرات ربما تكون جذرية، في أسس وعناصر المواجهة بين المقاومة والعدو.
بداية، ومن الناحية العسكرية والعملياتية، أن تمتلك المقاومة الفلسطينية في غزة صواريخ مضادة للطائرات، فهذا الأمر، حتى ولو كان ضعيف الفعالية والتأثير على القاذفات العدوة التي ترمي من علو شاهق، فهو بلا شك، سيكون مؤثرًا جدًا على القاذفات التي كانت ترمي على علو منخفض، والأهم، سيكون تأثيره فعالًا جدًا على الطوافات العدوة، والتي بعد اليوم، سوف تنظم استراتيجيتها على أساس أنها معرضة للخطر بنسبة كبيرة، اذا تابعت مناورات العمليات الخاصة. وغالبًا ما كانت تنفذ هذه المناورات في أجواء غزة، خاصة الانزالات الخاطفة التي كانت تهدف الى أسر مقاومين أو سحب وتهريب عملاء أو تدمير مداخل أنفاق أو زرع عبوات خاصة أو أجهزة تنصت وما شابه.
النقطة الأخرى العملانية، والتي سوف تجبر العدو على تغيير استراتيجيته للعمليات الجوية فوق غزة، هي أنه سيضع في حساباته بعد اليوم أن هناك احتمالًا كبيرًا لامتلاك المقاومة صواريح مضادة للطائرات أكثر تطورًا وقدرة، حيث بدأت هذه الاستراتيجية تشمل غالبية أطراف محور المقاومة، والتي لا تصرّح بشكل كامل وواضح عن كل ما تمتلكه من أسلحة الردع أو الأسلحة النوعية، التي تترك الاعلان عنها غامضًا لتحقيق عنصر المفاجأة، والذي تبين تأثيره العميق جدا على العدو عند المواجهات غير المنتظرة.
في الابعاد المتعلقة بالتوقيت الحساس لهذا الاطلاق الصادم لصاروخ مضاد للطائرات، من قبل عناصر المقاومة الفلسطينية في غزة، يمكن الاضاءة على عناصرها كما يلي:
– في البعد الداخلي الفلسطيني:
يترافق هذا الاطلاق لصاروخ “ستريلا” اليوم مع هبة فلسطينية جامعة، تكللت بمسلسل من العمليات الفدائية الصادمة ضد العدو، حيث سقط له عشرات القتلى والمصابين داخل مروحة واسعة من المناطق المحمية والتي تخضع لاجراءات أمنية مشددة، وعلى رأسها “تل ابيب”. وبدا العدو عاجزًا عن التصرف بمواجهتها بشكل مناسب كما هو مفترض، وكانت ردة فعله الاستباقية أو المباشرة عند تنفيذ تلك العمليات بعيدة عن المستوى الذي يجب أن يرد به، في ظل هذه الهجمة الفدائية غير المسبوقة عليه. في هذا التوقيت، جاءت عملية اطلاق الصاروخ المضاد للطائرات من قبل عناصر المقاومة في غزة، لتزيد من توتره ومن ضياعه أمام فشله في اتخاذ الاجراءات المناسبة للرد، ولتفتح في وجهه مسارًا جديدًا وغريبًا من المواجهة، لم يكن ينتظره.
كل ذلك، والعدو يعيش اليوم هاجس تصاعد وتوسع الوحدة الداخلية الفلسطينية، والتي كان يعتبرها بعيدة جدًا بعد أن خطط كثيرًا وعمل كل ما يلزم على ابعادها. لطالما كان يعتبر التشرذم الداخلي الفلسطيني، سلاحًا من أسلحته الفعالة لمواجهة المقاومة الفلسطينة، فيما هذه الوحدة الداخلية التي تُترجم يوما بعد يوم، على اثر كل اعتداء على الشعب الفلسطيني في أي مكان من أراضيه المحتلة، تترسّخ وتتعمد ايضًا بعد كل عملية فدائية بمواجهة العدو.
في البعدين الاقيمي والدولي:
يمكن القول بموضوعية إن مسار التطبيع مع العدو، والذي كان مؤخرًا ناشطًا وبقوة، بدأ كما يبدو يترنح اليوم، وأسباب ذلك كثيرة، لتأتي عملية اكتشاف العدو لامتلاك المقاومة في غزة صورايخ مضادة للطائرات متواكبة مع موقف ايراني غير جديد طبعًا – ولكنه لافت – بتهديد حاسم وواضح للكيان ظهر مع عروض غير مسبوقة لقدرات ايرانية نوعية في المسيرات وفي الصواريخ، هدفها الأساسي طبعًا هو عمق الكيان، لتزيد من الضغط الخارجي على العدو.
ولتكون هذه الضغوط أيضًا صادمة بتداعياتها على العدو، بعد أن ترافقت مع موقف روسي جديد وفي رد غير مسبوق، يفند فيها الروس للمرة الأولى عبر موقف رسمي صدر عن وزارة الخارجية في موسكو الانتهاكات الاسرائيلية للقرارات الدولية، ويشير فيها بشكل واضح الى موضوع الضم غير الشرعي وتمدد المستوطنات داخل الأراضي الفلسطينية وحصار غزة.
من هنا، وأمام كل هذه الأبعاد الحساسة، في الموقف الداخلي الفلسطيني، وفي المواقف الاقليمية والدولية غير المريحة لـ”اسرائيل”، وأمام ما سوف تدخله عملية امتلاك المقاومة الفلسطينية لأسلحة دفاع جوي لا أحد يعلم كيف يمكن أن يتطور مستواها وقدراتها، يمكن القول إن مرحلة جديدة من أسس وعناصر المواجهة ومن قواعد الاشتباك قد بدأت، فرضتها المقاومة الفسطينية وعلى العدو أن يواجهها.