الوقت- إن مشهد التطورات في اليمن في الأشهر الأخيرة يظهر التفوق العسكري والسياسي الواضح لأنصار الله على التحالف السعودي الإماراتي المعتدي، وهو ما دفع حكومة الإنقاذ الوطني إلى استخدام موقف العدو الضعيف للحصول على تنازلات خاصة في مسألة تمديد وقف إطلاق النار. وكان دفع السعوديين للإفراج عن سجناء يمنيين خلال اتفاقية تبادل أسرى الأسبوع الماضي دليلًا واضحًا على السعي الناجح لسياسة الضغط. وفي هذا الصدد نفذ أنصار الله، الجمعة الماضية، عملية إنذار في ميناء الضبة النفطي بمحافظة حضرموت الخاضعة لاحتلال المعتدين. وتم تنفيذ هذا الهجوم عندما دخلت ناقلة نفط عملاقة الميناء المذكور لنقل مليوني برميل من النفط الخام. وكانت هذه الناقلة تعتزم نقل النفط المحصود من حقول المسيلة غربي حضرموت إلى جهة مجهولة.
وقال العميد يحيى سريع الناطق باسم القوات المسلحة اليمنية عن تفاصيل هذا الهجوم: “في هذا الهجوم تم بذل جهد للحفاظ على البنية التحتية لليمن وسلامة السفينة وطاقمها، ولكن في أداء واجباتها تجاه وقف ومنع دخول أي سفينة تسعى لنهب ثروات الامة اليمنية، لن نتردد في ضربها”. وأضاف، إن اليمن قادرةعلى القيام بعمليات إنذار للدفاع عن الوطن وحماية موارده، مؤكدا: “مرة أخرى نحذر جميع الشركات للانصياع لقرارات صنعاء وتجنب أي محاولة لنهب موارد اليمن”.
ومحافظة حضرموت هي أكبر منتج للنفط في اليمن، وقد ضحى المرتزقة السعوديون والإماراتيون بحياتهم مرارًا وتكرارًا لنهب نفط البلاد في المناطق المحتلة. وبعد انتهاء وقف إطلاق النار، حذر قادة أنصار الله مرارًا وتكرارًا من أنه إذا لم يغادر المعتدون اليمن ولم يسلموا موارد الطاقة في البلاد؛ فإن اليمنيون لديهم القدرة على استعادة مواردهم النفطية.
ويمكن تقييم الهجوم على ميناء الضبة، وهو أول عمل جاد لجماعة أنصار الله ضد التحالف السعودي الإماراتي بعد عدم تمديد وقف إطلاق النار، من عدة أبعاد. وعلى الرغم من أن قوات أنصار الله لم تبدأ العملية الصاروخية والطائرات المسيرة ضد المعتدين التي وعدهم بها، إلا أنه من خلال مهاجمته لميناء الضبة، أظهروا سيطرتهم كاملة على المعلومات النفطية في اليمن التي يتم نهبها من قبل المعتدين وأنه يمكنهم القيام بعمليات لمنع نهب هذه الموارد. وكان الهجوم الأخير نوعًا من التحذير والمساعدة في إعلام رؤساء الرياض وأبو ظبي أنه بعد هذا لن يتم تقييد أنصار الله وأنهم سوف يراقبون عن كثب جميع تحركات المعتدين. وسبق أن قال اليمنيون إن لديهم العديد من بنوك المعلومات من أعماق السعودية والإمارات، وكذلك مرتزقتهم في اليمن، والتي يمكنهم استهدافها إذا لزم الأمر. وأظهر هذا الهجوم أنه، على عكس مزاعم السعوديين، فإن أنصار الله الآن هم الذين يدفعون بالتطورات في اليمن بناءً على إرادتهم وأن لهم اليد العليا في التطورات الميدانية.
منع نهب ثروات اليمن
البنك المركزي اليمني حاليا في أيدي المجلس الرئاسي التابع للسعودية، وجميع الأصول اليمنية مودعة في هذا البنك، والسعوديون أخذوا هذه الأصول كرهائن. وأعلنت وزارة النفط التابعة لحكومة الإنقاذ الوطني اليمنية، مؤخرًا، أن التحالف السعودي استولى على نحو 10 مليارات دولار من موارد النفط اليمنية كرهائن. لذلك، فإن هذا القدر من الأصول في الوضع الحالي يمكن أن يحل العديد من مشاكل اليمن الاقتصادية وينقذهم من الوضع المزري الذي يعيشون فيه. بما في ذلك دفع رواتب الموظفين اليمنيين، والتي أعلنت أنصار الله هذه المرة كشرط أساسي لتمديد وقف إطلاق النار في المستقبل.
في السنوات الأخيرة، نهب السعوديون جزءًا كبيرًا من موارد النفط اليمنية في المحافظات الشرقية والجنوبية من هذا البلد وحققوا الكثير من الدخل بهذه الطريقة. لذلك حذر أنصار الله باستهداف ناقلات النفط التابعة للمعتدين وأنهم لن يسمحوا للأعداء بنهب ثروات اليمنيين بسهولة. وحذر قادة أنصار الله مرارًا وتكرارًا شركات النفط الأجنبية من مغادرة أرض اليمن قبل فوات الأوان، ويبدو أن اليمنيين يستعدون لعمليات صاروخية وطائرات مسيرة على أرض العدو، لأنهم توصلوا إلى الاعتقاد بأن السعوديين يفهمون لغة القوة فقط.
مواجهة أنصار الله مع تقسيم اليمن
السعودية والإمارات، اللتان فشلتا في تحقيق هدفهما الرئيسي المتمثل في إسقاط أنصار الله واحتلال اليمن بالكامل، تريدان الآن تنفيذ “الخطة ب”، وهي خطة ليس لها هدف سوى تقسيم اليمن. وبما أن المناطق الجنوبية من اليمن تخضع لسيطرة المرتزقة السعوديين والإماراتيين وتوجد معظم موارد الطاقة في البلاد في هذه المناطق، لذلك تحاول المملكة العربية السعودية إدارة المناطق الجنوبية ونهب موارد النفط و بيعها. ومن خلال بيع هذه الموارد، التي اتخذ الأمريكيون مؤخرًا إجراءات لاستخراجها، يمكن للسعودية أن تحصل على مليارات الدولارات سنويًا، وهو ما يكفي لإدارة شؤون جنوب اليمن.
ورغم أن هذا السيناريو مدرج على أجندة السعودية والإمارات، فإن ما يجهله المعتدون هو رد فعل أنصار الله والجيش اليمني، الذين قالوا إنهم لن يسمحوا بتقسيم بلادهم. ولقد حقق أنصار الله الآن العديد من الإنجازات في المجال العسكري، والتي يمكن أن تحرر اليمن من أيدي الغزاة وتستهدف حتى عمق ترابهم.
السعودية والإمارات، اللتان ذاقتا مرارة أنصار الله عقب الهجوم على منشآتها النفطية، تعرفان جيداً أنه إذا أرادت هذه الحركة استئناف هذه العملية مرة أخرى، فإنها ستفرض الكثير من التكاليف على الأعداء. إن استمرار العمليات الصاروخية ضد المنشآت النفطية والبنية التحتية للسعودية والإمارات سيكون له عواقب لا يمكن إصلاحها على المحتلين. وستخلق هذه القضية تحديات خطيرة للغرب في وقت تشتعل فيه أسواق الطاقة في العالم بعد حرب أوكرانيا ويمكن أن تؤدي إلى عدم الاستقرار وزيادة أسعار الطاقة. من ناحية أخرى، أنتج أنصار الله في الأشهر الأخيرة أسلحة جديدة في الساحة البحرية، يمكن أن تعرقل بشكل خطير صادرات النفط للمعتدين عبر البحر الأحمر والخليج الفارسي. وبمهاجمة ميناء النفط، أرسل أنصار الله رسالة إلى المحتلين مفادها أن عهد الاحتلال قد انتهى، وإذا لم يرجع حكام الرياض وأبو ظبي إلى رشدهم واستمروا في الترويج للحرب، فإن اليمنيين لديهم القوة لمهاجمة الأعداء.
وبالتوازي مع محاولات التهرب من الالتزامات والتنحي عن صرف المرتبات المنهوبة، شهدت العاصمة صنعاء، أمس، احتجاجاتٍ جديدةً للمطالبة بصرف المرتبات والمعاشات، محملة تحالف العدوان والوسيط الأممي المسؤولية الكاملة عن استمرار مصادرتها ونهبها لصالح العدوان ومرتزِقته. إذ نظم، أمس، أبناء ووجهاء مديريات الصافية وبني الحارث والسبعين بأمانة العاصمة، تظاهرات ووقفات ومسيرات للمطالبة برفع المعاناة وصرف الرواتب ومطالبة الأمم المتحدة بالوفاء بالتزاماتها، والتحَرّك الصادق لتنفيذ شروط الهُدنة والوفاء بتعهداتها في تسليم مرتبات موظفي الدولة، مستنكرين إصرار تحالف العدوان على تأزيم الأوضاع وعرقلة أية مبادرات باتّجاه إيقاف العدوان وإنهاء معاناة اليمنيين، في حين دعا بيان الوقفة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، تجريم وإدانة الحصار الاقتصادي والتجويع الممنهج واستخدام الغذاء والدواء وسيلة لتركيع اليمنيين.