الوقت- من أهم الآثار التي تتركها الحرب لسنوات بعد نهايتها هي حقول الألغام والرصاص والقنابل غير المنفجرة المنتشرة بكثرة أو المنتشرة في مناطق الصراع.
في السنوات الأخيرة، وبسبب انشغالها بالحرب الأهلية، انتشرت في سوريا الآلاف من هذه التركة القاتلة. حيث زرعت الجماعات التكفيرية مثل داعش ، إلى جانب القوات الأمريكية، في العقد الماضي حقول ألغام واسعة أو أفخاخا متفجرة في أجزاء مختلفة من سوريا، والتي أصبحت الآن كارثة على السوريين.
اذ قُتل ثلاثة أطفال وأصيب اثنان آخران، يوم الاثنين فقط ، جراء انفجار لغم عثر عليه أفراد عائلة في كومة قمامة قرب القاعدة الأمريكية في منطقة القصرك شمال الحسكة السورية.
وحسب مصادر محلية ، كان الأطفال يجمعون البلاستيك من القمامة، وخاصة قمامة قاعدة الاحتلال الأمريكي في القصرك. حيث يتم العثور حتى على بقايا أسلحة ورصاص بين تلك النفايات.
ليست هذه هي المرة الأولى التي يقتل فيها أشخاص جراء انفجار الألغام في سوريا، ففي السنوات الماضية نشرت مئات الأخبار عن ضحايا مثل هذه الحوادث، الأمر الذي أثار موجة من القلق لدى السوريين.
تحتل سوريا المرتبة الأولى في العالم من حيث عدد الألغام الأرضية المزروعة منذ بداية الحرب في عام 2011 ، حيث قُتل أكثر من 12000 شخص في حوادث ألغام أرضية. وستستمر آثار الألغام الأرضية ومخلفات الحرب لسنوات على الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الملوثة أو يمرون بينها.
إحصائيات مروعة لضحايا انفجار الألغام
وفقا لتقرير نشرته منظمة هيومان رايتس ووتش ومقرها لندن في أوائل أبريل من هذا العام ، تسببت انفجارات الألغام الأرضية في مقتل 3353 مدنياً في سوريا. وأعلنت أن من بين الضحايا 889 طفلاً و 335 امرأة. وقالت المنظمة الحقوقية هذه إن من بين القتلى ثمانية أطباء وسبعة متطوعين في الدفاع المدني وتسعة صحفيين.
وحسب هذا التقرير، فإن بقايا الذخائر العنقودية غير المنفجرة منتشرة في جميع أنحاء سوريا ، ما يشكل تهديدًا خطيرًا على حياة الأجيال القادمة في هذا البلد. كما يوثق التقرير تفاصيل استخدام الألغام الأرضية في سوريا ، والإصابات الناتجة عنها ، ومواقع العديد من المناطق التي تسببت فيها انفجارات الألغام الأرضية في مقتل مدنيين ، فضلاً عن مواقع تناثرت فيها مخلفات الذخائر العنقودية.
وطالبت هذه المنظمة الحقوقية الحكومة السورية والمجتمع الدولي ببناء سياج حول المناطق الملغومة لمنع المدنيين من دخولها ، وفي هذه الحالة سينخفض أيضا عدد الضحايا.
وحسب التقرير الأخير لدائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام (UNMAS)، فإن عدد ضحايا حوادث الألغام والذخائر المتفجرة في سوريا يصل إلى أكثر من 12000 شخص، منهم 35٪ قتيل و 65٪ جريح. حوالي 25٪ من الضحايا هم من الأطفال، وحوالي 50٪ من الناجين عانوا من بتر الأطراف.
ويبلغ عدد ضحايا انفجارات الألغام في محافظتي حلب والرقة أعلى من المناطق الأخرى ، حيث يمثل حوالي 49٪ من مجموع الضحايا ، تليها محافظة دير الزور بحوالي 17٪.
والمزارعون والرعاة والبناؤون وجامعو الخردة المعدنية وعمال البناء وعمال الإغاثة الإنسانية والأطفال والمشردون هم الأشخاص الأكثر عرضة لخطر الوقوع ضحية لحوادث انفجار الألغام.
وعلى الرغم من قيام الجماعات الإرهابية والولايات المتحدة بزرع ألغام أرضية في سوريا لوقف تقدم المقاومة في المناطق المحتلة ، إلا أن الحكومة السورية هي التي تحملت جرائم المحتلين والتكفيريين. فبعد استعادة المدن المحتلة من الإرهابيين ، كانت الخطوة الأولى التي اتخذها الجيش السوري هي إبطال مفعول الألغام التي كانت مزروعة في المناطق المحتلة خلال العقد الماضي.
وقبل بضع سنوات وبعد تحرير مدينة تدمر من قبضة داعش، أبطل الجيش السوري الألغام التي زرعها التكفيريون في هذه المدينة. كما تمكنت قوات الجيش بعد تحرير محافظتي درعا وحماة من الإرهابيين من إبطال مفعول الألغام المزروعة على الأرض.
وحسب إجراءات الحكومة السورية في إزالة الألغام ، فإن عدد الضحايا في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المركزية أقل بكثير من الإحصائيات في المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق.
ومن الأسباب التي تقيد الحكومة المركزية في التخلص الكامل من هذه الألغام هو أن معظم الألغام تقع في مناطق لا تسيطر عليها دمشق بل في مناطق سيطرة الجماعات الكردية والقوات الأمريكية والإرهابيين الذين ليس لديهم إرادة لإزالتها.
وفي السنوات الأخيرة ، قامت الولايات المتحدة بزرع آلاف الألغام حول قواعدها غير القانونية لمنع القوات العسكرية من دخول أراضيها المحتلة.
وبما أن القواعد الأمريكية تقع بالقرب من مناطق سكنية ، فإن الأطفال الذين يقتربون من هذه المناطق يدفعون ثمناً باهظاً ، لكن الأمريكيين لم يتخذوا أي إجراء لإزالة حقول الألغام.
أمريكا هي واحدة من أكبر منتجي الألغام المضادة للأفراد في العالم. وتشير التقارير إلى أن معظم الألغام التي زرعتها الجماعات التكفيرية في سوريا من صنع الولايات المتحدة وحلفائها ، ما يظهر بوضوح أن واشنطن هي السبب الرئيسي للأزمة في سوريا ومقتل المدنيين.
كما قتلت مئات المدنيين في سوريا والعراق خلال العقد الماضي بذريعة محاربة داعش. ومن أجل الهروب من عبء الضغط العالمي ، خصصت الولايات المتحدة العام الماضي 6 ملايين دولار للقيام بأنشطة إزالة الألغام الأرضية وتوفير التدريب اللازم في سوريا لإثبات أنها لم تلعب دورا في استخدام هذه الأسلحة، بل إنها تبذل الجهود لإزالتها.
الأطفال هم الضحايا الرئيسيون لانفجار الألغام
تسمح التكلفة المنخفضة وسهولة تصنيع الألغام الأرضية للأطراف المتحاربة باستخدام هذه الذخائر بشكل مفرط دون إظهار أي قلق بشأن إزالتها أو حتى الكشف عن موقعها.
ما لا شك فيه أن الجنود أو الجماعات المسلحة المتورطة في الحرب تدقق بعناية في المناطق التي يوجد بها خطر انفجار لغم من أجل تقليل الخسائر إلى أدنى حد ممكن ، ولكن يصعب على المدنيين الذين ليس لديهم معلومات في هذا المجال تحديد المناطق الخطرة ولهذا السبب فإن أكثر من 90٪ من ضحايا انفجار الألغام هم من المدنيين وخاصة الأطفال.
الألغام الأرضية هي بذور الموت التي يزرعها الإرهابيون ولها تأثيرها الأكثر فتكًا على الأطفال ، والأسلحة المتفجرة هي السبب الرئيسي لسقوط ضحايا من الأطفال في الصراع. حيث يعاني الأطفال من أنماط فريدة من الإصابات ومن المرجح أن يموتوا من جراء إصابات الانفجارات أكثر من ضحايا الصراع البالغين، حيث يلعب الأطفال أحيانًا ببقايا الأسلحة ويدخلون مناطق ينتظرهم الموت فيها.
تأثير الأسلحة المتفجرة على الأطفال مدمر وطويل الأمد ، فهو يحرم العائلات من الأمل والقدرة على الوصول إلى الخدمات الحيوية ، وغالبًا ما يغير بشكل عميق مسار حياة الطفل ، ويترك لهم آثارًا نفسية وعاطفية مدمرة إضافة إلى الإصابات الجسدية.
إن عدد ضحايا الألغام الأرضية في العالم رهيب للغاية لدرجة تم تسمية “4 أبريل” باليوم العالمي للتوعية بالألغام والمساعدة في إزالة التهديدات. ويهدف اليوم إلى رفع مستوى الوعي بمخاطر الألغام الأرضية وحشد الدعم للجهود المبذولة للقضاء عليها. ولا يزال المدنيون السوريون ، وخاصة في المناطق التي يسيطر عليها الإرهابيون والقوات الأمريكية ، يموتون نتيجة القتال العنيف الذي شهدته المنطقة منذ بدء الحرب.
حيث تعتبر الألغام الأرضية ، إلى جانب الذخائر الأخرى غير المنفجرة والآلاف من الرصاص والصواريخ والقنابل التي زرعتها الولايات المتحدة والجماعات الإرهابية في سوريا بمثابة قنبلة موقوتة ، وتشكل تهديدًا كبيرًا لحياة الناس.
حقيقة أن الألغام الأرضية لا تزال تسبب الموت والإصابات هي علامة مقلقة على استخدامها على نطاق واسع من قبل الأطراف المتحاربة في سوريا ، وتشير إلى أن العديد من الألغام الأرضية المزروعة في أجزاء أخرى كثيرة من البلاد لا تزال غير مكتشفة.
لا تزال الذخائر غير المنفجرة ، سواء كانت ألغامًا أرضية أو ذخائر عنقودية أو أي شيء آخر ، تهدد المدنيين والأراضي الزراعية في سوريا ، وحتى لو انتهت الحرب ، فإن هذه التهديدات الصامتة ستبقى لسنوات وعقود قادمة.
رغم مرور أكثر من ثلاثة عقود على الحرب التي فُرضت على إيران، لا تزال هناك ألغام في قلب الأرض حيث لا تزال عمليات إزالتها مستمرة حتى الآن كما ستكون هناك أزمة مماثلة لسوريا في المستقبل. لذلك فإن الإحصائيات الصادمة للضحايا المدنيين نتيجة انفجار الألغام تشكل عبئاً ثقيلاً على كاهل المجتمع الدولي ، ويجب بذل الجهود لإزالة هذه الألغام في سوريا ومناطق أخرى من العالم حتى لا نشهد المزيد من الضحايا المدنيين.