الرئيسية / بحوث اسلامية / الإحتجاج (ج1) / للطبرسي

الإحتجاج (ج1) / للطبرسي

الإحتجاج (ج1) / الصفحات: ٤١ – ٦٠

في ذلك كله بل كان يكذبه وينكر جميع ما كان النبي صلى الله عليه وآله يخبره به من ذلك،إلى أن قال النبي لأبي جهل: أما كفاك ما شاهدت أم تكون آمنا من عذاب الله.

قال أبو جهل: إني لأظن أن هذا تخييل وإيهام. فقال رسول الله صلى الله عليهوآله: فهل تفرق بين مشاهدتك لها وسماعك لكلامها – يعني الدجاجة المشويةالتي أنطقها الله له – وبين مشاهدتك لنفسك ولسائر قريش والعرب وسماعككلامهم؟ قال أبو جهل: لا. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: فما يدريك إذا أن جميعما تشاهد وتحس بحواسك تخييل. قال أبو جهل: ما هو تخييل. قال رسول اللهصلى الله عليه وآله: ولا هذا تخييل، وإلا فكيف تصحح أنك ترى في العالم شيئاأوثق منه – تمام الخبر.

رسالة لأبي جهل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله لما هاجر إلى المدينةوالجواب عنها بالرواية عن أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام

وهي أن قال: يا محمد إن الخيوط التي في رأسك هي التي ضيقت عليك مكةورمت بك إلى يثرب، وإنها لا تزال بك تنفرك وتحثك على ما يفسدك ويتلفك إلىأن تفسدها على أهلها وتصليهم حر نار جهنم وتعديك طورك، وما أرى ذلك إلاوسيؤول إلى أن تثور عليك قريش ثورة رجل واحد لقصد آثارك ودفع ضركوبلائك، فتلقاهم بسفهائك المغترين بك ويساعدك على ذلك من هو كافر بكمبغض لك، فيلجئه إلى مساعدتك ومظافرتك خوفه لأن لا يهلك بهلاكك ويعطبعياله بعطبك ويفتقر هو ومن يليه بفقرك وبفقر شيعتك، إذ يعتقدون أن أعداءكإذا قهروك ودخلوا ديارهم عنوة لم يفرقوا بين من والاك وعاداك، واصطلموهم (١)باصطلامهم لك وأتوا على عيالاتهم وأموالهم بالسبي والنهب كما يأتون على أموالكوعيالك، وقد أعذر من أنذر وبالغ من أوضح.

(١) اصطلموهم: استأصلوهم.

٤١

وأديت هذه الرسالة إلى محمد وهو بظاهر المدينة بحضرة كافة أصحابه وعامةالكفار من يهود بني إسرائيل، وهكذا أمر الرسول ليجبن المؤمنين ويغريبالوثوب عليه سائر من هناك من الكافرين.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله للرسول: قد أطريت مقالتك واستكملترسالتك؟ قال: بلى. قال: فاسمع الجواب، إن أبا جهل بالمكاره والعطبيتهددني ورب العالمين بالنصر والظفر يعدني، وخبر الله أصدق والقبول من اللهأحق، لن يضر محمدا من خذله أو يغضب عليه بعد أن ينصره الله ويتفضل بجودهوكرمه عليه، قل له: يا أبا جهل إنك واصلتني بما ألقاه في خلدك الشيطان،وأنا أجيبك بما ألقاه في خاطري الرحمن، إن الحرب بيننا وبينك كائنة إلى تسعوعشرين يوما، وإن الله سيقتلك فيها بأضعف أصحابي، وستلقى أنت وشيبة وعتبةوالوليد وفلان وفلان – وذكر عددا من قريش – في قليب بدر مقتولين أقتل منكمسبعين وآسر منكم سبعين وأحملهم على الفداء الثقيل.

ثم نادى جماعة من بحضرته من المؤمنين واليهود وسائر الاخلاط: ألاتحبون أن أريكم [ مصارع هؤلاء المذكورين و ] مصرح كل واحد منهم [ قالوا:

بلى. قال: ] هلموا إلى بدر فإن هناك الملتقى والمحشر وهناك البلاء الأكبرلأضع قدمي على مواضع مصارعهم، ثم ستجدونها لا تزيد ولا تنقص ولا تتغير ولاتتقدم ولا تتأخر لحظة ولا قليلا ولا كثيرا فلم يخف ذلك على أحد منهم ولم يجبهإلا علي بن أبي طالب عليه السلام وحده قال: نعم بسم الله. فقال الباقون: نحن نحتاجإلى مركوب وآلات ونفقات ولا يمكننا الخروج إلى هناك وهو مسيرة أيام.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لسائر اليهود: فأنتم ماذا تقولون؟

فقالوا: نحن نريد أن نستقر في بيوتنا ولا حاجة لنا في مشاهدة ما أنت في ادعائهمحيل (١) فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا نصب لكم في المسير إلى هناكاخطوا خطوة واحدة فإن الله يطوي الأرض لكم ويوصلكم في الخطوة الثانية إلى

(١) المحال من الكلام: ما عدل عن وجهه.

٤٢

هناك. قال المسلمون: صدق رسول الله صلى الله عليه وآله فلنشرف بهذه الآية،وقال الكافرون والمنافقون: سوف نمتحن هذا الكذاب لينقطع عذر محمد ويصيردعواه حجة عليه وفاضحة له في كذبه.

قال: فخطا القوم خطوة ثم الثانية فإذا هم عند بئر بدر، فتعجبوا فجاءرسول الله صلى الله عليه وآله فقال: اجعلوا البئر العلامة واذرعوا من عندها كذاذراع، فذرعوا فلما انتهوا إلى آخرها قال: هذا مصرع أبي جهل يجرحه فلانالأنصاري ويجهز عليه عبد الله بن مسعود أضعف أصحابي.

ثم قال: اذرعوا من البئر من جانب آخر ثم من جانب آخر ثم من جانبآخر كذا وكذا ذراعا وذراعا وذكر أعداد الأذرع مختلفة، فلما انتهى كل عددإلى آخره قال رسول الله صلى الله عليه وآله: هذا مصرع عتبة، وهذا مصرعشيبة، وذاك مصرع الوليد، وسيقتل فلان وفلان إلى أن سمى سبعين منهمبأسمائهم [ وأسماء آبائهم ]، وسيؤسر فلان وفلان إلى أن ذكر سبعين منهمبأسمائهم وأسماء آبائهم وصفاتهم ونسب المنسوبين إلى أمهاتهم وآبائهم ونسب المواليمنهم إلى مواليهم.

ثم قال صلى الله عليه وآله: أوقفتم على ما أخبرتكم به؟ قالوا: بلى. قال:

إن ذلك [ من الله ] لحق كائن بعد ثمانية وعشرين يوما في اليوم التاسع والعشرينوعدا من الله مفعولا وقضاءا حتما لازما – تمام الخبر.

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا معشر المسلمين واليهود اكتبوابما سمعتم. فقالوا: يا رسول الله قد سمعنا ووعينا ولا ننسى. فقال رسول اللهصلى الله عليه وآله: الكتابة أذكر لكم. فقالوا: يا رسول الله فأين الدواةوالكتف؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ذلك للملائكة. ثم قال: ياملائكة ربي اكتبوا ما سمعتم من هذه القصة في الكتاب واجعلوا في كم كل واحدمنهم كتفا من ذلك.

ثم قال: يا معشر المسلمين تأملوا أكمامكم وما فيها واخرجوها واقرأوها،

٤٣

فتأملوها وإذا في كم كل واحد منهم صحيفة قرأوها وإذا فيها ذكر ما قاله رسولالله صلى الله عليه وآله في ذلك سواء لا يزيد ولا ينقص ولا يتقدم ولا يتأخر. فقال:

أغيضوها في أكمامكم تكن حجة عليكم وشرفا للمؤمنين منكم وحجة على أعدائكمفكانت معهم، فلما كان يوم بدر جرت الأمور كلها ببدر كما قال رسول الله صلى الله عليه وآلهلا يزيد ولا ينقص، قابلوها في كتبهم فوجدوها كما كتبها الملائكة لا تزيد ولا تنقصولا تتقدم ولا تتأخر، فقبل المسلمون ظاهرهم ووكلوا باطنهم إلى خالقهم.

إحتجاجه صلى الله عليه وآله وسلم على اليهود في جواز نسخ الشرائعوفي غير ذلك

قال أبو محمد الحسن العسكري عليه السلام: لما كان رسول الله صلى الله عليه وآله بمكة أمرهالله تعالى أن يتوجه نحو بيت المقدس في صلاته ويجعل الكعبة بينه وبينها إذا أمكنوإذا لم يمكن استقبل بيت المقدس كيف كان، فكان رسول الله صلى الله عليهوآله يفعل ذلك طول مقامه بها ثلاث عشرة سنة، فلما كان بالمدينة وكان متعبداباستقبال بيت المقدس استقبله وانحرف عن الكعبة سبعة عشر شهرا أو ستة عشرشهرا، وجعل قوم من مردة اليهود يقولون: والله ما درى محمد كيف يصلي حتىصار يتوجه إلى قبلتنا ويأخذ في صلاته بهدينا ونسكنا، فاشتد ذلك على رسول اللهصلى الله عليه وآله لما اتصل به عنهم وكره قبلتهم وأحب الكعبة فجاءه جبرئيل عليه السلام فقال لهرسول الله صلى الله عليه وآله: يا جبرئيل لوددت لو صرفني الله عن بيت المقدس إلى الكعبةفقد تأذيت بما يتصل بي من قبل اليهود من قبلتهم. فقال جبرئيل عليه السلام: فاسألربك أن يحولك إليها فإنه لا يردك عن طلبتك ولا يخيبك من بغيتك، فلما استتم؟؟

دعاءه صعد جبرئيل ثم عاد من ساعته فقال: اقرأ يا محمد ” قد نرى تقلب وجهكفي السماء فلنولينك قبلة ترضيها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتمفولوا وجوهكم شطره ” (١) الآيات.

(١) البقرة

٤٤

٤٥

إلا لمن كان هذا وصفه، وهو عز وجل يتعالى عن هذه الصفات علوا كبيرا.

ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله: أيها اليهود أخبروني عن الله أليس يمرض ثميصح ويصح ثم يمرض أبدا له في ذلك، أليس يحيي ويميت أبدا له في كل واحدمن ذلك؟ قالوا: لا. قال: فكذلك الله تعبد نبيه محمدا بالصلاة إلى الكعبةبعد أن كان تعبده بالصلاة إلى بيت المقدس وما بدا له في الأول.

ثم قال: أليس الله يأتي بالشتاء في أثر الصيف والصيف في أثر الشتاء، أبدا لهفي كل واحد من ذلك؟ قالوا: لا. قل: فكذلك لم يبدله في القبلة.

قال: ثم قال أليس قد ألزمكم في الشتاء أن تحترزوا من البرد بالثيابالغليظة، وألزمكم في الصيف أن تحترزوا من الحر، أفبدا له في الصيف حينأمركم بخلاف ما كان أمركم به في الشتاء؟ قالوا: لا.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: فكذلكم الله تعبدكم في وقت لصلاح يعلمه بشئثم تعبدكم في وقت آخر لصلاح يعلمه بشئ آخر فإذا أطعتم الله في الحالتيناستحققتم ثوابه، فأنزل الله تعالى ” ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجهالله إن الله واسع عليم ” (١) يعني إذا توجهتم بأمره فثم الوجه الذي تقصدونمنه الله وتأملون ثوابه.

ثم قال رسول الله: يا عباد الله أنتم كالمرضى والله رب العالمين كالطبيب،فصلاح المرضى فيما يعمله الطبيب ويدبره به لا فيما يشتهيه المريض ويقترحه.

ألا فسلموا لله أمره تكونوا من الفائزين.

فقيل: يا بن رسول الله فلم أمر بالقبلة الأولى؟ فقال: لما قال الله تعالى” وما جعلنا القبلة التي كنت عليها ” وهي بيت المقدس ” إلا لنعلم من يتبعالرسول ممن ينقلب على عقبيه ” (٢) إلا لنعلم ذلك منه وجودا بعد أن علمناهسيوجد، وذلك إن هوى أهل مكة كان في الكعبة فأراد الله أن يبين متبعي محمدممن خالفه باتباع القبلة التي كرهها ومحمد يأمر بها، ولما كان هوى أهل المدينة

(١) البقرة: ١١٥.

(٢) البقرة: ١٤٣.

٤٦

في بيت المقدس أمرهم بمخالفتها والتوجه إلى الكعبة ليبين من يوافق محمدا فيمايكرهه، فهو مصدقه وموافقه.

ثم قال: ” وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله ” إن كان التوجهإلى بيت المقدس في ذلك الوقت لكبيرة إلا على من يهدي الله، فعرف أن لله أنيتعبد بخلاف ما يريده المرء ليبتلي طاعته في مخالفة هواه.

وقال أبو محمد عليه السلام: قال جابر بن عبد الله الأنصاري: سأل رسول الله صلى الله عليه وآلهعبد الله بن صوريا غلام يهودي أعور تزعم اليهود أنه أعلم يهودي بكتاب الله وعلومأنبيائه عن مسائل كثيرة يعنته فيها (١) فأجابه عنها رسول الله صلى الله عليه وآله بما لم يجدإلى إنكار شئ منه سبيلا.

فقال له: يا محمد من يأتيك بهذه الأخبار عن الله؟ قال: جبرئيل. قال: لو كانغيره يأتيك بها لآمنت بك ولكن جبرئيل عدونا من بين الملائكة، فلو كانميكائيل أو غيره سوى جبرئيل يأتيك لآمنت بك.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لم أتخذتم جبرئيل عدوا؟ قال: لأنه ينزل البلاءوالشدة على بني إسرائيل، ودفع دانيال عن قتل بخت نصر (٢) حتى قوىأمره وأهلك بني إسرائيل، وكذلك كل بأس وشدة لا ينزلها إلا جبرئيل،وميكائيل يأتينا بالرحمة.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ويحك أجهلت أمر الله وما ذنب جبرئيل إلا أنأطاع الله فيما يريده بكم؟ أرأيتم ملك الموت هل هو عدوكم وقد وكله اللهبقبض أرواح الخلق، أرأيتم الآباء والأمهات إذا أوجروا الأولاد (٣) الدواء

(١) يعنته فيها: يطلب زلته ويشدد عليه ويلزمه ما يصعب عليه أداؤه

(٢) بخت أصله بوخت وهو بمعنى ابن، نصر اسم صنم كان قد وجد عندهولم يعرف له أب فنسب إليه، وخرب بيت المقدس وقتل من اليهود مقتلة عظيمة عندماأصبح ملكا.

(٣) أوجره: جعل الوجور في فيه. والوجور: الدواء يجعل في وسط الفم.

٤٧

الكريهة لمصالحهم أيجب أن يتخذهم أولادهم أعداء من أجل ذلك، لا ولكنكمبالله جاهلون وعن حكمه غافلون. أشهد أن جبرئيل وميكائيل بأمر الله عاملانوله مطيعان، وأنه لا يعادي أحدهما إلا من عادى الآخر، وأن من زعم أنهيحب أحدهما ويبغض الآخر فقد كفر وكذب، وكذلك محمد رسول الله وعليأخوان كما أن جبرئيل وميكائيل إخوان فمن أحبهما فهو من أولياء الله ومنأبغضهما فهو من أعداء الله، ومن أبغض أحدهما وزعم أنه يحب الآخر فقد كذبوهما منه بريئان والله تعالى وملائكته وخيار خلقه منه برآء.

وقال أبو محمد عليه السلام: كان سبب نزول قوله تعالى: ” قل من كان عدوالجبرئيل ” الآيتين (١) ما كان من اليهود أعداء الله من قول سئ في جبرئيل وميكائيل،ومن كان من أعداء الله النصاب من قول أسوأ منه في الله وفي جبرئيل وميكائيلوسائر ملائكة الله، أما ما كان من النصاب فهو أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما كان لا يزاليقول في علي عليه السلام الفضائل التي خصه الله عز وجل بها والشرف الذي نحله الله (٢)تعالى وكان في كل ذلك يقول أخبرني به جبرئيل عليه السلام عن الله، ويقول فيبعض ذلك جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره ويفتخر جبرئيل على ميكائيلفي أنه عن يمين علي عليه السلام الذي هو أفضل من اليسار كما يفتخر نديم ملك عظيمفي الدنيا يجلسه الملك عن يمينه على النديم الآخر الذي يجلسه على يساره،ويفتخران على إسرافيل الذي خلفه بالخدمة وملك الموت الذي أقامه بالخدمة،وأن اليمين واليسار أشرف من ذلك، كافتخار حاشية الملك على زيادة قربمحلهم من ملكهم.

وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول في بعض أحاديثه: إن الملائكة أشرفها عند اللهأشدها لعلي بن أبي طالب عليه السلام حبا، وأنه قسم الملائكة فيما بينها والذي شرف

(١) البقرة: ٩٧ – ٩٨

(٢) نحله الله: وهب له الله. وفي بعض النسخ ” أهله الله ” ومعناه: رآهأهلا لذلك.

٤٨

عليا على جميع الورى بعد محمد المصطفى. ويقول مرة: إن ملائكة السماواتوالحجب ليشتاقون إلى رؤية علي بن أبي طالب عليه السلام كما تشتاق الوالدة الشفيقةإلى ولدها البار الشفيق آخر من بقي عليها بعد عشرة دفنتهم، فكان هؤلاء النصابيقولون: إلى متى يقول محمد جبرئيل وميكائيل والملائكة كل ذلك تفخيم لعليوتعظيم لشأنه، ويقول الله تعالى لعلي خاص من دون سائر الخلق برئنا من ربومن ملائكة ومن جبرئيل ومن ميكائيل هم لعلي بعد محمد مفضلون وبرئنا من رسلالله الذين هم لعلي بعد محمد مفضلون.

وأما ما قاله اليهود فهو إن اليهود أعداء الله، لما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله المدينةأتوه بعبد الله بن صوريا فقال: يا محمد كيف نومك فإنا قد أخبرنا عن نوم النبيصلى الله عليه وآله الذي يأتي في آخر الزمان؟ فقال: تنام عيني وقلبي يقظان.

قال: صدقت يا محمد.

ثم قال: فاخبرني يا محمد الولد يكون من الرجل أو المرأة؟ فقال النبيصلى الله عليه وآله: أما العظام والعصب والعروق فمن الرجل وأما اللحم والدم والشعر فمنالمرأة. قال: صدقت يا محمد.

ثم قال: يا محمد فما بال الولد يشبه أعمامه ليس فيه من شبه أخواله شئ ويشبهأخواله ليس فيه من شبه أعمامه شئ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أيهما علا ماؤهماء صاحبه كان الشبه له. قال: صدقت يا محمد، فاخبرني عمن لا يولد له ومن يولدله؟ فقال صلى الله عليه وآله: إذا مغرت النطفة لم يولد له – أي إذا حمرت وكدرت – فإذاكانت صافية ولد له.

فقال: أخبرني عن ربك ما هو؟ فنزلت ” قل هو الله أحد ” إلى آخرها.

فقال ابن صوريا: صدقت خصلة بقيت لي إن قلتها آمنت بك واتبعتك: أي ملكيأتيك بما تقوله عن الله؟ قال: جبرئيل. قال ابن صوريا: ذاك عدونا من بينالملائكة ينزل بالقتل والشدة والحرب ورسولنا ميكائيل يأتي بالسرور والرخاءفلو كان ميكائيل هو الذي يأتيك آمنا بك لأن ميكائيل كان مسدد ملكنا

٤٩

وجبرئيل كان مهلك ملكنا، فهو عدونا لذلك.

فقال له سلمان الفارسي رضي الله عنه: وما بدء عداوته لكم؟ قال: نعميا سلمان عادانا مرارا كثيرة، وكان من أشد ذلك علينا أن الله أنزل على أنبيائهأن بيت المقدس يخرب على يد رجل يقال (بخت نصر) وفي زمانه، وأخبرنابالحين الذي يخرب فيه، والله يحدث الأمر بعد الأمر فيمحو ما يشاء ويثبت،فلما بلغنا ذلك الخبر الذي يكون فيه هلاك بيت المقدس بعث أوائلنا رجلا منأقوياء بني إسرائيل وأفاضلهم نبيا كان يعد من أنبيائهم يقال له (دانيال) في طلببخت نصر، ليقتله فحمل معه وقر مال (١) لينفقه في ذلك، فلما انطلق فيطلبه لقيه ببابل غلاما ضعيفا مسكينا ليس له قوة ولا منعة، فأخذه صاحبناليقتله فدفع عنه جبرائيل وقال لصاحبنا: إن كان ربكم هو الذي أمر بهلاككم فإنالله لا يسلطك عليه وإن لم يكن هذا فعلى أي شئ تقتله، فصدقه صاحبنا وتركهورجع إلينا فأخبرنا بذلك، وقوى بخت نصر وملك وغزانا وخرب بيت المقدسفلهذا نتخذه عدوا وميكائيل عدو لجبرئيل.

فقال سلمان: يا بن صوريا فبهذا العقل المسلوك به غير سبيله ظلمتم،أرأيتم أوائلكم كيف بعثوا من يقتل بخت نصر وقد أخبر الله تعالى في كتبه علىألسنة رسله أنه يملك ويخرب بيت المقدس أرادوا تكذيب أنبياء الله في إخبارهم أو اتهموهمفي أخبارهم أو صدقوهم في الخبر عن الله ومع ذلك أرادوا مغالبة الله، هل كان هؤلاء ومنوجهوه إلا كفارا بالله، وآي عداوة يجوز أن يعتقد لجبرئيل وهو يصده عنمغالبة الله عز وجل وينهى عن تكذيب خبر الله تعالى.

فقال ابن صوريا: قد كان الله تعالى أخبر بذلك على ألسن أنبيائه ولكنهيمحو ما يشاء ويثبت. قال سلمان: فإذا لا تثقون بشئ مما في التوراة من الأخبارعما مضى وما يستأنف فإن الله يمحو ما يشاء ويثبت، وإذا لعل الله قد كان عزلموسى وهارون عن النبوة وأبطلا في دعواهما لأن الله يمحو ما يشاء ويثبت، ولعل

(١) الوقر بكسر الواو: الحمل الثقيل.

٥٠

كلما أخبراكم به عن الله أنه يكون لا يكون وما أخبراكم به أنه لا يكون لعلهيكون، وكذلك ما أخبراكم أنه لم يكن لعله كان، ولعل ما وعده من الثوابيمحوه ولعل ما توعد به من العقاب يمحوه فإنه يمحو ما يشاء ويثبت. إنكم جهلتممعنى يمحو الله ما يشاء ويثبت فلذلك أنتم بالله كافرون ولأخباره عن الغيوب مكذبونوعن دين الله منسلخون.

ثم قال سلمان: فإني أشهد أنه من كان عدوا لجبرئيل فإنه عدو لميكائيلوأنهما جميعا عدوان لمن عاداهما مسالمان لمن سالمهما، فأنزل الله تعالى عندذلك موافقا لقول سلمان: ” قل من كان عدوا لجبريل ” في مظاهرته لأولياء اللهعلى أعداء الله ونزوله بفضائل علي عليه السلام ولي الله من عند الله ” فإنه نزله ” فإنجبرئيل نزل هذا القرآن ” على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه ” من سائركتب الله ” وهدى ” من الضلالة ” وبشرى للمؤمنين ” (١) بنبوة محمد وولايةعلي عليه السلام ومن بعده من الأئمة [ الاثنى عشر ] بأنهم أولياء الله حقا إذا ماتواعلى موالاتهم لمحمد وعلي وآلهما الطيبين.

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا سلمان إن الله صدق قيلك ووافق رأيك، وإنجبرئيل عن الله تعالى يقول: يا محمد سلمان والمقداد أخوان متصافيان في ودادكووداد علي أخيك ووصيك وصفيك، وهما في أصحابك كجبرائيل وميكائيل فيالملائكة عدوان لمن أبغض أحدهما وليان لمن والى محمدا وعليا عدوان لمن عادى محمداوعليا وأولياء هما، ولو أحب أهل الأرض سلمان والمقداد كما تحبهما ملائكةالسماوات والحجب والكرسي والعرش لمحض ودادهما لمحمد وعلي وموالاتهمالأوليائهما ومعاداتهما لأعدائهما لما عذب الله أحدا منهم بعذاب البتة.

وقال أبو محمد الحسن العسكري عليه السلام: لما نزلت هذه الآية ” ثم قستقلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة ” (٢) في حق اليهود والنواصبفغلظ على اليهود ما وبخهم به رسول الله، فقال جماعة من رؤسائهم وذوي الألسن

(١) البقرة: ٩٦.

(٢) البقرة: ٧٤.

٥١

والبيان منهم: يا محمد إنك تهجونا وتدعي على قلوبنا ما الله يعلم منها خلافه،إن فيها خيرا كثيرا نصوم ونتصدق ونواسي الفقراء.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنما الخير ما أريد به وجه الله وعمل على ما أمر اللهتعالى، وأما ما أريد به الرياء والسمعة ومعاندة رسول الله صلى الله عليه وآله وإظهار الغنى لهوالتمالك والتشرف عليه فليس بخير بل هو الشر الخالص ووبال على صاحبه ويعذبهالله به أشد العذاب.

فقالوا له: يا محمد أنت تقول هذا ونحن نقول بل ما نلفقه إلا لإبطال أمركودفع رياستك ولتفريق أصحابك عنك وهو الجهاد الأعظم نأمل به من الله الثوابالأجل العظيم، فأقل أحوالنا إنك تساوينا في الدعاوى فأي فضل لك علينا؟.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا إخوة اليهود إن الدعاوى يتساوى فيها المحقونوالمبطلون، ولكن حجج الله ودلائله تفرق بينهم فتكشف عن تمويه المبطلينوتبين عن حقائق المحقين، ورسول الله محمد لا يغتم بجهلكم ولا يكلفكم التسليم لهبغير حجة، ولكن يقيم عليكم حجة الله التي لا يمكنكم دفاعها ولا تطيقون الامتناععن موجبها، ولو ذهب محمد ويريكم آية من عنده لشككتم وقلتم إنه متكلفمصنوع محتال فيه معمول أو متواطئ عليه، وإذا اقترحتم أنتم فأراكم ما تقترحونلم يكن لكم أن تقولوا معمول أو متواطأ عليه أو متأت بحيلة أو مقدمات، فماالذي تقترحون فهذا رب العالمين قد وعدني أن يظهر لكم ما تقترحون ليقطعمعاذير الكافرين منكم ويزيد في بصائر المؤمنين منكم.

قالوا: قد أنصفتنا يا محمد فإن وفيت بما وعدت من نفسك من الإنصاففأنت أول راجع عن دعواك للنبوة وداخل في غمار الأمة ومسلم لحكم التوراةلعجزك عما نقترحه عليك وظهور باطل دعواك فيما ترومه من حجتك.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: الصدق ينبئ عنكم لا الوعيد، اقترحوا ماتقترحون ليقطع معاذيركم فيما تسألون. فقالوا له: يا محمد زعمت أنه ما فيقلوبنا شئ من مواساة الفقراء ومعاونة الضعفاء والنفقة في إبطال الباطل وإحقاق

٥٢

الحق وأن الأحجار ألين من قلوبنا وأطوع لله منا، وهذه الجبال بحضرتنا فهلمبنا إليها أو إلى بعضها فاستشهدها على تصديقك وتكذيبنا، فإن نطقت بتصديقكفأنت المحق يلزمنا اتباعك وإن نطقت بتكذيبك أو صمتت فلم ترد جوابك فاعلمبأنك المبطل في دعواك المعاند لهواك.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: نعم هلموا بنا إلى أيما جبل شئتم استشهدوه ليشهدلي عليكم، فخرجوا إلى أوعر جبل رأوه فقالوا: يا محمد هذا الجبل فاستشهده.

فقال رسول الله للجبل: إني أسألك بجاه محمد وآله الطيبين الذين بذكر أسمائهمخفف الله العرش على كواهل ثمانية من الملائكة بعد أن لم يقدروا على تحريكهوهم خلق كثير لا يعرف عددهم غير الله عز وجل، وبحق محمد وآله الطيبين الذينبذكر أسمائهم تاب الله على آدم وغفر خطيئته وأعاده إلى مرتبته، وبحق محمدوآله الطيبين الذين بذكر أسمائهم وسؤال الله بهم رفع إدريس في الجنة مكاناعليا لما شهدت لمحمد بما أودعك الله بتصديقه على هؤلاء اليهود في ذكر قساوةقلوبهم وتكذيبهم في جحدهم لقول محمد رسول الله.

فتحرك الجبل وتزلزل وفاض عنه الماء ونادى: يا محمد أشهد أنك رسول ربالعالمين وسيد الخلق أجمعين، وأشهد أن قلوب هؤلاء اليهود كما وصفت أقسىمن الحجارة لا يخرج منها خير كما قد يخرج من الحجارة الماء سيلا أو تفجرا،وأشهد أن هؤلاء كاذبون عليك فيما به يقرفونك من الفرية على رب العالمين.

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: وأسألك أيها الجبل أمرك الله بطاعتي فيما ألتمسهمنك بجاه محمد وآله الطيبين الذين بهم نجى الله نوحا من الكرب العظيم وبرد اللهالنار على إبراهيم وجعلها عليه بردا وسلاما ومكنه في جوف النار على سرير وفراشوثير لم ير تلك الطاغية مثله لأحد من ملوك الأرض أجمعين، وأنبت حواليه منالأشجار الخضرة النظرة النزهة وعما حوله من أنواع التور مما لا يوجد إلا في فصولأربعة من جميع السنة؟

قال الجبل: بلى أشهد لك يا محمد بذلك، وأشهد أنك لو اقترحت على

٥٣

ربك أن يجعل رجال الدنيا قرودا وخنازير لفعل، أو يجعلهم ملائكة لفعل، أو يقلبالنيران جليدا أو الجليد نيرانا لفعل أو يهبط السماء إلى الأرض أو يرفع الأرضإلى السماء لفعل، أو يصير أطراف المشارق والمغارب والوهاد كلها صرة كصرةالكيس لفعل، وأنه قد جعل الأرض والسماء طوعك، والجبال والبحار تتصرفبأمرك، وسائر ما خلق من الرياح والصواعق وجوارح الإنسان وأعضاء الحيوانلك مطيعة وما أمرتها به من شئ ائتمرت.

فقالت اليهود: يا محمد علينا تلتبس وتشبه، قد أجلست مردة من أصحابكخلف صخور من هذا الجبل فهم ينطقون بهذا الكلام ونحن لا ندري أنسمع منالرجال أم من الجبل، لا يغتر بمثل هذا إلا ضعفاؤك الذين تبجبج في عقولهم (١)فإن كنت صادقا فتنح عن موضعك هذا إلى ذلك القرار وأمر هذا الجبل أن ينقلعمن أصله فيسير إليك إلى هناك، فإذا حضرك ونحن نشاهده فأمره أن ينقطعنصفين من ارتفاع سمكه ثم يرتفع السفلى من قطعيته فوق العليا وتنخفض العلياتحت السفلى، فإذا تجعل أصل الجبل قلته وقلته أصله لنعلم أنه من الله، لا يتفقمثله بمواطأة ولا بمعاونة مموهين متمردين.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله – وأشار إلى حجر فيه قدر خمسة أرطال – فقال:

يا أيها الحجر تدحرج، فتدحرج ثم قال لمخاطبة: خذه وقربه من أذنكفسيعيد عليك ما سمعت، فإن هذا جزء من ذلك الجبل، فأخذه الرجل فأدناهإلى إذنه فنطق الحجر بمثل ما نطق به الجبل أولا من تصديق رسول الله صلى الله عليه وآله فيماذكره عن قلوب اليهود ومما غبر به (٢) من أن نفقاتهم في دفع أمر محمد صلى الله عليه وآلهباطل ووبال عليهم.

فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله أسمعت هذا أخلف هذا الحجر أحد يكلمكويوهمك أن الحجر يكلمك؟ قال: فأتني بما اقترحت في الجبل فتباعد رسول الله

(١) تبجبج في عقولهم: تلعب فيها، يقال ” بجبج الصبي ” إذا لاعبه وسكنهعند المناغاة.

(٢) غبر به: مضى به وذهب.

٥٤

صلى الله عليه وآله وسلم إلى فضاء واسع ثم نادى الجبل وقال: يا أيها الجبل بحق محمد وآله الطيبينبجاههم ومسائلة عباد الله بهم أرسل الله على قوم عاد ريحا صرصرا عاتية لنزعالناس كأنهم أعجاز نخل خاوية، وأمر جبرئيل أن يصيح صيحة هائلة في قوم صالححتى صاروا كهشيم المحتضر لما انفصلت من مكانك بإذن الله وجئت إلى حضرتههذه – ووضع يده على الأرض بين يديه.

فتزلزل الجبل وصار كالفارع الهملاج (١) حتى دنى من إصبعه أصلهفلزق بها ووقف ونادى: ها أنا سامع لك مطيع يا رسول رب العالمين وإن رغمتأنوف هؤلاء المعاندين مرني بأمرك. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن هؤلاء اقترحواعلى أن آمرك أن تنقلع من أصلك فتصير نصفين ثم ينحط أعلاك ويرتفع أسفلكفتصير ذروتك أصلك وأصلك ذروتك. فقال الجبل: أتأمرني بذلك يا رسول ربالعالمين؟ قال: بلى فانقطع نصفين وانحط أعلاه إلى الأرض وارتفع أسفله فوقأعلاه فصار فرعه أصله وأصله فرعه، ثم نادى الجبل: يا معاشر اليهود هذاالذي ترون دون معجزات موسى الذين تزعمون أنكم به مؤمنون؟.

فنظر اليهود بعضهم إلى البعض، فقال بعضهم: ما عن هذا محيص، وقالآخرون منهم: هذا رجل منجوت مؤتى له ما يريد – والمنجوت يتأتى له العجائب -فلا يغرنك ما تشاهدون. فناداهم الجبل: يا أعداء الله قد أبطلتم بما تقولوننبوة موسى، هلا قلتم لموسى إن قلب العصا ثعبانا وانفلاق البحر طرقا ووقوفالجبل كالظلة فوقكم إنما تأتي لك لأنك مؤتى لك يأتيك جدك بالعجائب فلايغرنا ما نشاهده، فألقمتهم الجبال بمقالتها والصخور ولزمتهم حجة رب العالمين.

وعن معمر بن راشد قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: أتى يهودي إلىرسول الله صلى الله عليه وآله فقام بين يديه يحد النظر إليه، فقال: يا يهودي ما حاجتك؟

فقال: أنت أفضل أم موسى بن عمران النبي الذي كلمه الله عز وجل وأنزل عليهالتوراة والعصا وفلق له البحر وظله بالغمام؟

(١) الفارع: الصاعد المرتفع، والهملاج: السريع السير.

٥٥

فقال له النبي صلى الله عليه وآله: إنه يكره للعبد أن يزكي نفسه ولكني أقول: إنآدم لما أصاب الخطيئة كانت توبته أن قال ” اللهم إني سألك بحق محمد وآل محمدلما غفرت لي ” فغفرها الله له، وإن نوحا لما ركب السفينة وخاف الغرق قال” اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لم أنجيتني من الغرق ” فأنجاه الله عزوجل، وإن إبراهيم لما ألقي في النار قال ” اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمدلما أمنتني ” فجعلها بردا وسلاما، وأن موسى لما ألقى عصاه وأوجس في نفسه خيفة قال” اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما آمنتني ” قال الله تعالى، لا تخف إنك أنت الأعلى.

يا يهودي إن موسى لو أدركني ثم لم يؤمن بي وبنبوتي ما نفعه إيمانه شيئاولا نفعته النبوة، يا يهودي ومن ذريتي المهدي إذا خرج نزل عيسى بن مريم عليه السلاملنصرته فقدمه ويصلي خلفه.

وعن ابن عباس قال: خرج من المدينة أربعون رجلا من اليهود قالوا:

انطلقوا بنا إلى هذا الكاهن الكذاب حتى نوبخه في وجهه ونكذبه، فإنه يقول،أنا رسول رب العالمين، وكيف يكون رسولا وآدم خير منه ونوح خير منه – وذكرواالأنبياء عليهم السلام – فقال النبي صلى الله عليه وآله لعبد الله بن سلام: التوراة بيني وبينكم فرضيت اليهودبالتوراة فقال اليهود: آدم خير منك لأن الله عز وجل خلقه بيده ونفخ فيه من روحه.

فقال النبي صلى الله عليه وآله: آدم النبي أبي وقد أعطيت أنا أفضل مما أعطي آدم.

قال اليهود: وما ذاك؟ قال: إن المنادي ينادي كل يوم خمس مرات ” أشهدأن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ” ولم يقل آدم رسول الله، ولواء الحمدبيدي يوم القيامة وليس بيد آدم. فقال اليهود: صدقت يا محمد وهو مكتوبفي التوراة. قال: هذه واحدة.

قالت اليهود: موسى خير منك. قال النبي صلى الله عليه وآله ولم؟ قالوا: لأن اللهعز وجل كلمه بأربعة آلاف كلمة ولم يكلمك بشئ. فقال النبي صلى الله عليه وآله.

لقد أعطيت أنا أفضل من ذلك. قالوا: وما ذاك؟ قال: هو قوله عز وجل” سبحان الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي

٥٦

باركنا حوله ” (١) وحملت على جناح جبرائيل حتى انتهيت إلى السماء السابعةفجاوزت سدرة المنتهى عندها جنة المأوى، حتى تعلقت بساق العرش فنوديتمن ساق العرش ” إني أنا الله لا إله إلا أنا السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبارالمتكبر الرؤف الرحيم ” ورأيته بقلبي وما رأيته بعيني، فهذا أفضل من ذلكقالت اليهود: صدقت يا محمد وهو مكتوب في التوراة. قال رسول الله صلى الله عليهوآله: هذه اثنتان.

قالوا: نوح أفضل منك. قال النبي صلى الله عليه وآله: ولم ذاك؟ قالوا: لأنهركب السفينة فجرت على الجودي. قال النبي صلى الله عليه وآله: لقد أعطيت أناأفضل من ذلك. قالوا: وما ذاك؟ قال: إن الله عز وجل أعطاني نهرا في السماءمجرية من العرش وعليه ألف ألف قصر لبنة من ذهب ولبنة من فضة حشيشها الزعفرانورضراضها (٢) الدر والياقوت وأرضها المسك الأبيض، فذلك خير لي ولأمتي،وذلك قوله تعالى ” إنا أعطيناك الكوثر ” (٣) قالوا: صدقت يا محمد هومكتوب في التوراة وهذا خير من ذلك. قال النبي صلى الله عليه وآله هذه الثلاثة.

قالوا: إبراهيم خير منك. قال: ولم ذاك؟ قالوا: لأن الله اتخذهخليلا. قال النبي صلى الله عليه وآله: إن كان إبراهيم خليله فأنا حبيبه محمد.

قالوا: ولم سميت محمدا؟ قال: سماني الله محمدا وشق اسمى من اسمه هو المحمودوأنا محمد وأمتي الحامدون على كل حال. فقالت اليهود: صدقت يا محمد هذاخير من ذلك. قال النبي صلى الله عليه وآله هذه أربعة.

قالت اليهود: عيسى خير منك. قال: ولم ذاك؟ قالوا: إن عيسى بنمريم كان ذات يوم بعقبة بيت المقدس فجاءه الشياطين ليحملوه فأمر الله جبرائيلأن اضرب بجناحك الأيمن وجوه الشياطين والقهم في النار، فضرب بأجنحتهوجوههم وألقاهم في النار. فقال رسول الله: لقد أعطيت أنا أفضل من ذلك.

(١) الإسراء: ١.

(٢) الرضراض: ما دق من الحصى.

(٣) الكوثر: ١.

٥٧

قالوا: وما هو؟ قال: أقبلت يوم بدر من قتال المشركين وأنا جائع شديدالجوع، فلما وردت المدينة استقبلتني امرأة يهودية وعلى رأسها جفنة وفي الجفنةجدي مشوي وفي كمها شئ من سكر فقالت: الحمد لله الذي منحك السلامة وأعطاكالنصر والظفر على الأعداء، وإني قد كنت نذرت لله نذرا إن أقبلت سالما غانمامن غزاة بدر لأذبحن هذا الجدي ولأشوينه ولأحملنه إليك لتأكله. فقال النبيصلى الله عليه وآله: فنزلت عن بغلتي الشهباء فضربت بيدي إلى الجدي لآكله فاستنطق اللهالجدي فاستوى على أربع قوائم وقال: يا محمد لا تأكلني فإني مسموم. قالوا:

صدقت يا محمد هذا خير من ذلك. قال النبي صلى الله عليه وآله: هذه خمسة.

قالوا: بقيت واحدة ثم نقوم من عندك. قال: هاتوا. قالوا: سليمانخير منك. قال: ولم ذاك؟ قالوا: لأن الله عز وجل سخر له الشياطينوالإنس والجن والطير والرياح والسباع. فقال النبي صلى الله عليه وآله: فقد سخر الله ليالبراق وهو خير من الدنيا بحذافيرها، وهي دابة من دواب الجنة وجهها مثلوجه آدمي وحوافرها مثل حوافر الخيل وذنبها مثل ذنب البقر وفوق الحمار ودونالبغل، وسرجه من ياقوتة حمراء وركابه من درة بيضاء، مزمومة بألف زمام منذهب عليه جناحان مكللان بالدر والياقوت والزبرجد. مكتوب بين عينيه ” لا إلهالله وحده لا شريك له وأن محمدا رسول الله “.

قالت اليهود: صدقت يا محمد وهو مكتوب في التوراة وهذا خير من ذلك.

يا محمد نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله: لقد أقامنوح في قومه ودعاهم ألف سنة إلا خمسين عاما ثم وصفهم الله عز وجل فقللهم فقال” وما آمن معه إلا قليل ” (١) ولقد تبعني في سنيي القليلة وعمري اليسير ما لمتتبع نوحا في طول عمره وكبر سنة، وأن في الجنة عشرين ومائة صف أمتي منهاثمانون صفا، وأن الله عز وجل جعل كتابي المهيمن على كتبهم الناسخ لها، ولقدجئت بتحليل ما حرموا وبتحريم بعض ما أحلوا. من ذلك أن موسى جاء بتحريم

(١) هود: ٤٠.

٥٨

صيد الحيتان يوم السبت حتى أن الله تعالى قال من اعتدى منهم في صيدها يومالسبت ” كونوا قردة خاسئين ” (١) فكانوا، ولقد جئت بتحليل صيدها حتىصار صيدها حلالا. قال الله تعالى ” أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم ” (٢)وجئت بتحليل الشحوم كلها وكنتم لا تأكلونها.

ثم إن الله عز وجل صلى علي في كتابه العزيز، قال الله عز وجل ” إن اللهوملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ” (٣)ثم وصفني الله عزو جل بالرأفة والرحمة وذكر في كتابه ” لقد جائكم رسول منأنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم ” (٤) وأنزل اللهتعالى أن لا يكلموني حتى يتصدقوا بصدقة وما كان ذلك لنبي قط، قال الله عزوجل ” يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ” (٥)ثم وضعها عنهم بعد أن افترضها عليهم برحمته ومنه.

وعن ثوبان قال: إن يهوديا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا محمد أسألكفتخبرني، فركض ثوبان برجله وقال: قل يا رسول الله. فقال: لا أدعوه إلا بماسماه أهله. فقال: أرأيت قوله عز وجل ” يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ” (٦)أين الناس يومئذ؟ فقال: في الظلمة دون المحشر. فقال: فما أول ما يأكل أهلالجنة إذا دخلوها؟ قال: كبد الحوت. قال: فما طعامهم على أثر ذلك؟ قال:

كبد الثور. قال: فما شرابهم على أثر ذلك؟ قال: السلسبيل. قال: صدقت أفلاأسألك عن شئ لا يعلمه إلا نبي؟ قال: وما هو؟ قال: عن شبه الولد أباه وأمه.

قال: ماء الرجل أبيض غليظ وماء المرأة أصفر دقيق، فإذا علا ماء الرجل ماءالمرأة كان الولد ذكرا بإذن الله تعالى ومن تشبه أباه قبل ذلك يكون الشبه،وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل خرج الولد أنثى بإذن الله عز وجل ومن تشبه أمه

(١) البقرة: ٦٥.

(٢) المائدة: ٩٦.

(٣) الأحزاب: ٥٦.

(٤) التوبة: ١٢٨.

(٥) المجادلة: ١٢.

(٦) إبراهيم: ٤٨.

٥٩

قبل ذلك يكون الشبه.

ثم قال النبي صلى الله عليه وآله: والذي نفسي بيده ما كان عندي شئ مما سألتني عنهحتى انبأنيه الله عز وجل في مجلسي هذا على لسان أخي جبرئيل.

ذكر ما جرى لرسول الله صلى الله عليه وآله من الاحتجاج على المنافقين في طريق تبوكوغير ذلك من كيدهم لرسول الله صلى الله عليه وآله على العقبة بالليل.

قال أبو محمد الحسن العسكري عليه السلام: لقد رامت الفجرة ليلة العقبة قتل رسولالله صلى الله عليه وآله على العقبة (١)، ورام من بقي من مردة المنافقين بالمدينة قتل علي بن أبي طالب عليه السلامفما قدروا على مغالبة ربهم، حملهم على ذلك حسدهم لرسول الله صلى الله عليه وآله في علي عليه السلاملما فخم من أمره وعظم من شأنه: من ذلك أنه لما خرج النبي صلى الله عليه وآله من المدينةوقد كان خلفه عليها وقال له: إن جبرئيل أتاني وقال لي: يا محمد إن العلي الأعلىيقرأ عليك السلام ويقول لك: يا محمد إما أن تخرج أنت ويقيم علي أو تقيم أنتويخرج علي لا بد من ذلك، فإن عليا قد ندبته لإحدى اثنتين لا يعلم أحد كنهجلال من أطاعني فيهما وعظيم ثوابه غيري، فلما خلفه أكثر المنافقون الطعن فيهفقالوا: مله وسئمه وكره صحبته، فتبعه علي عليه السلام حتى لحقه وقد وجد غما شديداعما قالوا فيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما أشخصك يا علي عن مركزك؟ فقال:

بلغني عن الناس كذا وكذا. فقال له: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارونمن موسى إلا أنه لا نبي بعدي؟ فانصرف علي إلى موضعه فدبروا عليه أن يقتلوهوتقدموا في أن يحفروا له في طريقه حفيرة طويلة قدر خمسين ذراعا ثم غطوهابخص رقاق ونثروا فوقها يسيرا من التراب بقدر ما غطوا به وجوه الخص، وكان

(١) عقبة بالتحريك: هو الجبل الطويل يعرض للطريق فيأخذ فيه، وهوطويل صعب إلى صعود الجبل. والعقبة منزل في طريق مكة بعد واقصة وقبل القاعلمن يريد مكة، وهو ماء لبني عكرمة من بكر بن وائل. مراصد الإطلاع ٢ – ٩٤٨.

شاهد أيضاً

قراءة القرآن وآداب تلاوته ومقاصده

الدرس السابع عشر: تفسير سورة الجمعة     أهداف الدرس على المتعلّم مع نهاية هذا ...