الرئيسية / بحوث اسلامية / فاسألوا أهل الذكر – الدكتور محمد التيجاني

فاسألوا أهل الذكر – الدكتور محمد التيجاني

كلامك، وحاش رسولك أن يتقول عليك بما يناقض وحيك الذي أوحيت إليه. وقد ثبت أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: إذا جاءكم الحديث عني فاعرضوه على كتاب الله فما وافق الكتاب فخذوه وما خالف كتاب الله فاضربوا به عرض الجدار.
وكل هذه الأحاديث وأمثالها كثيرة تعارض كتاب الله وتعارض العقل فليضرب بها عرض الجدار ولا يلتفت إليها وإن كان أخرجها البخاري ومسلم فما كان معصومين عن الخطأ.
ويكفينا دليلا واحدا للرد على هذا الادعاء الباطل، هو بعثة الأنبياء والمرسلين من قبل الله إلى خلقه، وعلى طول التاريخ البشري ليصلحوا مفاسد العباد ويوضحوا لهم الصراط المستقيم ويعلموهم الكتاب والحكمة ويبشروهم بالجنة إن كانوا صالحين وينذروهم من عذاب الله في النار إن كانوا مفسدين.
ومن عدالة الله سبحانه في خلقه ورحمته بهم أنه لا يعذب إلا من بعث إليه رسولا وأقام عليه الحجة قال تعالى: من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا [الإسراء: 15].
فإذا كانت هذه الروايات التي أخرجها البخاري ومسلم والتي تقول بأن الله كتب على عباده أعمالهم قبل أن يخلقهم وحكم على البعض منهم الجنة وعلى البعض بالنار، كما قدمنا سابقا وكما يؤمن بذلك أهل السنة والجماعة. أقول إن كان هذا صحيح، فإن إرسال الرسل وإنزال الكتب يصبح ضربا من العبث! – تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا – وما قدروا الله حق قدره – فما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم.
تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وما الله يريد ظلما للعالمين [آل عمران:
108]. والجواب على هذا عند أئمة الهدى ومصابيح الدجى ومنار الأمة، هو تنزيه الله سبحانه عن الظلم والعبث.

(٣١)

فلنستمع إلى باب مدينة العلم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وهو يشرح للناس هذا الاعتقاد الذي بقي لغزا عند بعض المسلمين الذين تركوا الباب يقول عليه السلام (لما سأله أحد أصحابه: أكان مسيرنا إلى الشام بقضاء من الله وقدره؟):
ويحك لعلك ظننت قضاء لازما وقدرا حاتما، ولو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب، وسقط الوعد والوعيد. إن الله سبحانه أمر عباده تخييرا، ونهاهم تحذيرا، وكلف يسيرا ولم يكلف عسيرا، وأعطى على القليل كثيرا، ولم يعص مغلوبا، ولم يطع مكرها، ولم يرسل الأنبياء لعبا، ولم ينزل الكتب للعباد عبثا، ولا خلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا، ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار (1). صدق الإمام عليه السلام فويل للذين ينسبون العبث والظلم لله من عذاب أليم.
والجدير بالذكر والحق يقال بأن أهل السنة والجماعة ينزهون الله عن العبث والظلم فإذا ما سألت أحدهم فسوف لن ينسب الظلم لجلال الله سبحانه، ولكنه سوف يجد نفسه متحرجا لرفض أحاديث أخرجها البخاري ومسلم ويعتقد ضمنيا أنها صحيحة، ولذلك تراه عندما تجادله بالمنطق المعقول، يدعي بأن ذلك لا يسمى ظلما عند الله إذ أنه الخالق، وللخالق أن يفعل في مخلوقاته ما يشاء! فهو لا يسأل عما يفعل وهم يسألون وعندما تسأله: كيف يحكم الله على عبد بالنار قبل خلقه لأنه كتب عليه الشقاء، ويحكم على آخر بالجنة قبل خلقه لأنه كتب عليه السعادة؟ أليس في ذلك ظلم للاثنين؟ لأن الذي يدخل الجنة لا يدخلها بعمله وإنما باختيار الله له، وكذلك الذي يدخل النار لا يدخلها بما اقترفه من ذنوبه وإنما بما قدره الله عليه. أليس في ذلك ظلم، وهو يناقض القرآن؟ فسيجيبك بأن الله فعال لما يريد. فلا تفهم من موقفه المتناقض شيئا، وهذا بديهي إذا أنه ينزل


(1) نهج البلاغة شرح محمد عبدة: 673 – 674 من الجزء الرابع.

(٣٢)

البخاري ومسلم بمنزلة القرآن ويقول أصح الكتب بعد كتاب الله البخاري ومسلم. وفي البخاري ومسلم عجائب وغرائب ومصائب ابتلي بها المسلمون وقد نجح الأمويون ومن بعدهم العباسيون نجاحا كبيرا في بث بدعهم وعقائدهم التي تتماشى وسياستهم العقيمة وبقيت آثارهم حتى اليوم إذ يعتبرها المسلمون أعز وأعظم تراث لأنه جمع الأحاديث النبوية الصحيحة على حد زعمهم ولو يعلم المسلمون مقدار ما كذبوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أجل أغراضهم السياسية لما صدقوا بتلك الأحاديث وخصوصا منها المتناقض مع كتاب الله.
ولأن القرآن الكريم تكفل الله بحفظه ولأنه كان محفوظا عند الصحابة وكانوا يعرضونه على النبي لذلك لم يتمكنوا من تحريفه وتبديله فعمدوا إلى السنة المطهرة فوضعوا ما شاؤوا لمن شاؤوا، وبما أنهم كانوا أعداءا لأهل البيت حفظة القرآن والسنة، اختلفوا لكل حادثة حديث نسبوه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم. وموهوا على المسلمين بأن هذه الأحاديث هي أصح من غيرها فقبلها الناس على حسن نية وهم يتداولونها بالوراثة جيلا بعد جيل. وللإنصاف أقول بأن الشيعة هم الآخرون ضحية الدس والتمويه في كثير من الأحاديث التي تنسب للرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو لأحد الأئمة الأطهار سلام الله عليهم. فهذا الدس والتمويه لم يسلم منه المسلمون سنة وشيعة على مر التاريخ ولكن الشيعة يمتازون على أهل السنة والجماعة بثلاثة أشياء ميزتهم على غيرهم من الفرق الإسلامية الأخرى وأبرزت عقائدهم سليمة ومتفقة مع القرآن والسنة والعقل، وهذه الأشياء الثلاثة هي:
أولا: انقطاعهم لأهل البيت النبوي فهم لا يقدمونه عليهم أحدا وكلنا يعلم من هم أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
ثانيا: عدد أئمة أهل البيت وهو اثني عشر إماما امتدت حياتهم

(٣٣)

وآثارهم طوال ثلاثة قرون. وقد وافق بعضهم بعضا في كل الأحكام والأحاديث ولم يختلفوا في شئ مما جعل شيعتهم وأتباعهم متعلمين في كل مجالات العلم والمعرفة بوضوح وبدون تناقض في العقائد أو في غيرها.
ثالثا: اعترافهم وإقرارهم بأن ما لديهم من الكتب يحتمل الخطأ والصواب وليس عندهم كتاب صحيح إلا كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ويكفيك أن تعرف مثلا أن أعظم كتاب عندهم وهو أصول الكافي يقولون بأن فيه آلاف الأحاديث المكذوبة، ولذلك تجد علماءهم ومجتهديهم دائبين على البحث والتنقيب فلا يأخذون منه إلا الثابت بالمتن والسند وما لا يتعارض مع القرآن والعقل.
أما أهل السنة والجماعة فقد ألزموا أنفسهم بكتب سموها الصحاح الستة باعتبار أن كل ما فيها صحيح وأغلبهم يتناقلون هذا الرأي بالوراثة بدون بحث ولا تمحيص، وإلا فإن كثيرا من الأحاديث التي رويت في هذه الكتب لا تقوم على دليل علمي وفيها الكفر الصريح وبما يتناقض والقرآن وأخلاق الرسول أفعاله والحط من كرامته ويكفي الباحث أن يقرأ كتاب الشيخ المصري محمود أبو رية أضواء على السنة المحمدية ليعرف ما هي قيمة الصحاح الستة والحمد لله أن كثيرا من الشباب الباحث اليوم تحرر من تلك القيود وأصبح يفرق بين الغث والسمين، بل حتى الشيوخ المتعصبين للصحاح أصبح الكثير منهم اليوم ينكرها لا لأنه ثبت لديه ضعف بعض الأحاديث فيها ولكن لأنه وجد فيها حجة الشيعة التي يقولون بها سواء في الأحكام الفقهية أو في العقائد الغيبية، فما من حكم أو عقيدة يقول بها الشيعة إلا ولها وجود فعلي في أحد الصحاح الست لدى أهل السنة والجماعة.
وبالمقابل قال لي بعض المتعصبين ما دمتم تعتقدون بأن أحاديث

(٣٤)

البخاري ليست صحيحة فلماذا تحتجون بها علينا؟ أجبت: ليس كل ما في البخاري صحيح وليس كل ما فيه مكذوب فالحق حق والباطل باطل وعلنيا أن نغربل ونصفي.
قال: هل عندك مجهر خاص تعرف به الصحيح من المكذوب؟ قلت: ليس عندي أكثر مما عندك، ولكن ما اتفق عليه السنة والشيعة فهو صحيح لأنه ثبتت صحته عند الطرفين ونلزمهم به كما ألزموا أنفسهم. وما اختلفوا فيه حتى لو كان صحيحا عند أحدهم فلا يلزم الطرف الثاني بقبوله، كما لا يلزم الباحث الحيادي قبوله والاحتجاج به لأنه دوري.
وأضرب لذلك مثلا واحدا حتى لا يبقى هناك إشكال في هذا الموضوع وحتى لا يعاد نفس الانتقاد بأساليب متعددة.
* يدعي الشيعة بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نصب عليا خليفة للمسلمين في غدير خم يوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة بعد حجة الوداع وقال بالمناسبة:
من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فهذه الحادثة وهذا الحديث نقله كثير من علماء أهل السنة والجماعة في صحاحهم ومسانيدهم وتواريخهم. فيمكن للشيعة عندئذ أن يحتجوا به على أهل السنة والجماعة.
* ويدعي أهل السنة والجماعة بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عين أبا بكر ليصلي بالناس في مرض موته وقال بالمناسبة: ويأبى الله ورسوله والمؤمنون إلا أبا بكر.
فهذه الحادثة وهذا الحديث لا وجود له في كتب الشيعة وإنما يروون بأن رسول الله بعث إلى علي، فبعثت عائشة إلى أبيها ولما عرف رسول الله ذلك قال لعائشة:
إنكن لصويحبات يوسف وخرج هو ليصلي بالناس وزحزح أبا بكر.

(٣٥)

شاهد أيضاً

الطفل بين الوراثة والتربية

أردى به الحرص والطمع وطلب الجاه والأنانية إلى هوة سحيقة وعيش أمض من الموت ومصير ...